خواطر من جبل البَرَكَة
« اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ » (متى 7: 7)
إنّ الســيد هنا يكـرر الوعد المعطى ثلاث مرات حتى لا يكون هناك مجال لعدم الإيمان أو سوء فهم كلامه أو تحريفه. إنّه يتوق لأن يرى الذين يطلبون الله يؤمنون بمن هو قادر أن يفعل كل شيء، لذلك يضيف هذا القول « لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ » (متى 7: 8). ArMB 62.4
إنّ الرب لا يحدد شروطا غير هذا وهو انّك تجوع إلى رحمته وترغب في مشورته وتشتاق إلى محبته. « اِسْأَلُوا ». إنّ السؤال يجعله واضحا إنك متحقق من حاجتك، فإن سألت بإيمان فستأخذ. إنّ الرب قدم كلمته ضمانا وهي لا يمكن أن تفشل أو تخذل. فإن أتيت بانسحاق حقيقي فلا حاجة بك إلى أن تحسّ بأنّك متجاسر أو متغطرس إذ تسأل ما قد وعد به الرب. فعندما تسأل البركات التي تحتاجها حتى يمكنك أن تكمل خلقك ليكون على صورة المسيح فالرب يؤكد لك انّك إنما تسأل رحمته ورأفته. فالشرط الذي بموجبه يمكنك أن تأتي إلى الله ليس هو انّك ستكون قديسا، ولكن كونك تتوق إلى أن يغسلك من كل خطية ويطهرك من كل إثم. إنّ الحجة التي يمكننا أن يغسلك من كل خطية ويطهرك من كل إثم. إنّ الحجة التي يمكننا أن نقدمها الآن وفي كل وقت هي حاجتنا العظيمة وحالتنا الميئوس منها حالة العجز التام، هذا هو الذي يجعله ويجعل قدرته الفادية ضرورة وأمرا لازما كل اللزوم. ArMB 62.5
« اُطْلُبُوا ». لا تشتهوا مجرد بركته، بل اطلبوا ذاته « تَعَرَّفْ بِهِ وَاسْلَمْ » (أيوب 22: 21). اطلبوا تجدوا أنّ الله يطلبكم، فنفس الشوق الذي تحس به في القدوم إليه إن هو إلاّ جاذبية روحه. فاخضع لتلك الجاذبية. إنّ المسيح يترافع في قضيّة المجربين والمخطئين والعديمي الإيمان. وهو يريد أن يرفعهم إلى العِشرة معه « إذا طلبته يوجد منك » (1أخبار الأيام 28: 9). ArMB 63.1
« اِقْرَعُوا ». إنّنا نأتي إلى الله بدعوة خاصة، وهو ينتظر ليرحب بنا إلى مقصورة استقباله الملكية. إنّ التلميذين الأولين اللذين تبعا يسوع لم يقنعا بحديث معجل معه في الطريق، ولكنهما سألاه قائلَين: « يَا مُعَلِّمُ، أَيْنَ تَمْكُثُ؟ ... فَأَتَيَا وَنَظَرَا أَيْنَ كَانَ يَمْكُثُ، وَمَكَثَا عِنْدَهُ ذلِكَ الْيَوْمَ » (يوحنا 1: 38و39). وهكذا يمكننا نحن أيضا أن يسمح لنا بالدخول إلى أوثق وأقرب صداقة وشركة مع الله. « اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ، فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ » (مزمور 91: 1). فالذين يشتاقون إلى بركة الله ليقرعوا وينتظروا أمام باب الرحمة بيقين ثابت قائلين: لأنّك أنت يا رب قلت إنّ كل من يسأل يأخذ ومن يطلب يجد ومن يقرع يفتح له. ArMB 63.2
نظر يسوع إلى من كانوا مجتمعين ليسمعوا أقواله وكان يتوق بكل غيرة إلى أن يرى ذلك الجمع الحاشد يقدّر رحمة الله ورأفته. وكصورة لحاجتهم واستعداد الله لأن يعطيهم، يعرض أمامهم ولدا جائعا يسأل أباه الأرضي خبزا. فقال: « أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِذَا سَأَلَهُ ابْنُهُ خُبْزًا، يُعْطِيهِ حَجَرًا »؟ (متى 7: 9). إنّه يلجأ إلى المحبة الرقيقة الطبيعية التي لأب نحو ابنه ثم يقول: « فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ »؟ (متى 7: 11). لا يوجد إنسان له قلب الأب يحول وجهه عن أبنه الذي هو جائع ويسأله خبزا. هل يظنّونه قادرا على أن يستخف بابنه ويعذبه إذ يمنّيه خيراً (أي يشوِّقه) وإنما فقط ليخيب آماله؟ هل يعد بإعطائه الطعام الجيد والمغذّي ثم يقدم له حجرا؟ وهل يهين أي إنسان الله بكونه يتصور انه لا يستجيب لتوسلات أولاده؟ ArMB 63.3
فان كنتم وأنتم بَشَرٌ وأشرار « تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ، يُعْطِي الرُّوح الْقُدُس لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ »؟ (لوقا 11: 13). إنّ الرُّوح الْقُدُس، نائب الـرب نفسـه، هو أعظم كل العطـايا. فكل « الْخَيْرَات» مشتملة فيه. الخالق نفسه لا يمكنه أن يمنحنا شيئا أعظم أو أفضل. فعندما نسأل الرب أن يتحنن علينا في ضيقنا ويرشدنا بروحه فلن يصد صلاتنا. يمكن حتى للأب أن ينصرف بعيدا عن ابنه الجائع ولكن لن يمكن أن يرذل صرخة القلب المسكين المشتاق. فبأي رقة عجيبة يصف محبته! هذه هي الرسالة النابعة من قلب الآب لمن يحسّون في أيام الظلام أنّ الله غافل عنهم: « وَقَالَتْ صِهْيَوْنُ: قَدْ تَرَكَنِي الرَّبُّ، وَسَيِّدِي نَسِيَنِي. هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ. هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ » (إِشَعْيَاء 49: 14-16). ArMB 63.4
إنّ كل وعد في كلمة الله يزودنا بمادة للصلاة إذ يقدم لنا كلمة الرب التي يرتبط فيها بوعد كضمان لنا. فأية بركة روحية نحتاجها فإنّه امتياز لنا أن نطالب بها بواسطة يسوع. يمكننا أن نخبر الرب بنفس ما نحتاج إليه ببساطة الأطفال. ويمكننا أن نخبره بشؤوننا المادية الزمنية فنسأله أن يعطينا الخبز والكساء كما نسأله أيضا أن يقدم لنا خبز الحياة وثوب برّ المسيح. إنّ أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها، وأنتم مدعوون لأن تسألوه بشأنها. إنّ كل الأفضال والنعم تُعطى لنا باسم يسوع. إنّ الله سيكرم ذلك الاسم وسيملأ احتياجكم بحسب غنى سخائه. ArMB 64.1
ولكن لا تنسَ انّك وأنت تأتي إلى الله كأب فأنت تعترف بعلاقتك به كابن. فأنت في حين أنّك تثق بصلاحه، فأنت في كل شيء تخضع لإرادته عالما أنّ محبته لا يعتريها تغيير. إنّك تقدم نفسك لتعمل عمله. والذين أمـرهـم بأن يطلـبوا أولا ملكوت الله وبره هـم الـذين قـدم لهم يسوع الوعد القائل: « اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا » (يوحنا 16: 24). ArMB 64.2
إنّ هبات ذاك الذي رفع إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض هي مخزونة لأجل أولاد الله. فالهبات التي هي ثمينة جدا حتى أنّها تأتينا عن طريق التضحية الغاليـة التي هي دم الفادي، الهبات التي تشبع أعمق أشواق القلب الهبات الدائمة دوام الأبد سيحصل عليها ويتمتع بها كل من يأتون إلى الله كأولاد صغار. خذوا مواعيد الله لكم، وتوسلوا في طلبها أمامه على أنّها كلامه حتى تحصلوا على ملء البركة. ArMB 64.3