خواطر من جبل البَرَكَة
« فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ » (متى 7: 12)
إنّ يسوع يوصينا بالمحبة بعضنا لبعض في مبدأ واحد شامل يتناول كل علاقات العِشرة البشرية، على يقين محبة الله لنا. ArMB 64.4
كان اليهود مهتمين بما يجب أن يحصلوا عليه، وكان عبء جزعهم منصرفا إلى إحراز ما ظنّوه أنّه حقهم من القوة والاحترام والخدمة. ولكن المسيح يعلمنا أنّ اهتمامنا ينبغي ألاّ يكون منصرفا إلى: كم نُعطي؟ إنّ مقياس التزامنا للآخرين يوجد فيما نعتبر نحن انّه التزامهم نحونا. ArMB 64.5
في معاشرتك للآخرين ضع نفسك في مكانهم. تغلغل في مشاعرهم، وصعوباتهم ومفشلاتهم وأفراحهم وأحزانهم. اندمج معهم وحينئذ افعل لهم مثلما تريدهم أن يعاملوك به لو استبدلت مركزهم بمركزك. هذا هو القانون الحقيقي للأمانة. إنّه تعبير آخر للشريعة القائلة: « تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ ». وهو خلاصة تعليم الأنبياء. وهو مبدأ السماء، وهو سيتربى في نفوس كل من يؤهّلون لعشرتهم المقدسة. ArMB 64.6
إنّ القانون الذهبي هو مبدأ المجاملة واللطف الحقيقي، اصدق تفسير له يُرى في حياة يسوع وصفاته. ما أبهى وأمجد أشعة الرقة واللطف والجمال التي تألقت في حياة مخلصنا اليومية! وما أعظم العذوبة التي فاضت من نفس حضوره! إنّ نفس هذه الروح ستُرى في أولاده. فالذين يسكن المسيح معهم سيحاطون بجو الهي. وثيابهم البيضاء ثياب الطهارة يفوح منها شذا عطر جنة الرب. ووجوههم ستعكس نور وجهه فتنير الطريق للأقدار المتعثرة الكليلة. ArMB 64.7
لا يوجد إنسان عنده النموذج الحقيقي لما يكون الخلق الكامل إلا ويظهر عطف المسيح ورقته. إنّ تأثير النعمة يليّن قلب ويهذب المشاعر ويطهرها معطيا رقة هي وليدة السماء وشعورا باللياقة والحشمة. ArMB 65.1
ولكن هنالك معنى أعمق للقانون الذهبي. فكل من صار وكيلا لنعمة الله المتنوعة يُدعى ليوزع منها على النفوس الجالسة في الجهل والظلام بقدر ما يريدهم أن يوزعوا عليه لو كان في مكانهم. قال بولس الرسول: « إِنِّي مَدْيُونٌ لِلْيُونَانِيِّينَ وَالْبَرَابِرَةِ، لِلْحُكَمَاءِ وَالْجُهَلاَءِ » (رومية 1: 14). إنّك مديون بكل ما قد عرفته من محبة الله، وبكل ما قد حصلت عليه من غنى هبات نعمته فوق أجهل نفس منحطة على الأرض، أنت مديون لتلك النفس لتوزع عليها هذه الهبات. ArMB 65.2
وهذا ينطبق أيضا على هبات هذه الحياة وبركاتها. إنّ أي شيء تقتنيه أكثر من بني جنسك يجعلك مديونا، بتلك الدرجة، لكل من هم أقل حظاً منك. فإن كانت عندنا ثروة أو حتى تعزيات الحياة فنحن تحت أعظم التزام لأن نرعى المرضى المتألمين والأرملة واليتيم تماما مثلما نريدهم أن يرعونا لو كانت حالتنا كحالتهم. ArMB 65.3
إنّ القانون الذهبي يعلمنا، ضمنا، نفس الحق الذي نتعلمه في كل جزء آخر من الموعظة على الجبل إنّه: « بِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ وَيُزَادُ لَكُمْ » (متى 7: 2). فما نعمله للآخرين خيرا كان أم شرّا لابدّ أن يرتد إلينا، بركة أو لعنة. وما نعطيه سنأخذه ثانية. والبركات الأرضية التي نوزعها على الآخرين يمكن أن نُجازى عليها. وغالبا ما نُجازى عليها ببركات من نوعها. والذي نعطيه سيعود إلينا في الغالب وفي وقت الحاجة بكيل أربعة أضعاف من نفس عملة الإقليم. وفضلا عن هذا فإنّ كل العطايا تُجازى حتى في هذه الحياة في انهمار محبة الله العظيمة التي هي خلاصة كل مجد السماء وكنزها. وكذلك الشرّ الذي يُصنع لابد أن يرتدّ على صانعه. فكل من أعطى لنفسه الحرية لأن يدين الآخرين ويفشّلهم فسيختبر السير في نفس الطريق الذي جعل الآخرين يسيرون فيه، وسيشعر بما قد قاسوه بسبب تجرّده من العطف والرقة. ArMB 65.4
إنّ محبة الله لنا هي التي قرّرت هذا. إنّه يريد أن يجعلنا نمقت قساوة قلوبنا ونفتح قلوبنا ليسوع ليسكن فيها. وهكذا يخرج من الشرّ خير، وما بدا كأنه لعنة يصير بركة. ArMB 65.5
إنّ مقياس القانون الذهبي هو المقياس الحقيقي للمسيحية، فكل ما هو دون ذلك هو خداع. إنّ الدين الذي يجعل الناس يبخسون الخلائق البشرية، الذين قدرهم المسيح تقديرا عظيما بحيث بذل نفسه لأجلهم، الدين الذي يجعلنا عديمي الاكتراث لحاجات الناس أو آلامهم أو حقوقهم هو دين زائف. إنّنا إذ نستهين بحاجات الفقراء والمتألمين والخطاة فنحن نبرهن على أنّنا خونة للمسيح. فلكون الناس يتخذون اسم المسيح لأنفسهم في حين أنّ حياتهم تجحد صفاته لذلك فإنّ للمسيحية قوة ضئيلة في العالم. واسم الله يجدف عليه بسبب هذه الأمور. ArMB 65.6
لقد كتب في السفر المقدس عن الكنيسة الرسولية في تلك الأيام المشرقة الجميلة عندما مجد المسيح المقام تألق على قطيع الرب انّه لم يوجـد إنسـان يقـول: « إِنَّ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِ لَهُ » « لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ مُحْتَاجًا» « وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ الرُّسُلُ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ ». « وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِي الْبُيُوتِ، كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ، مُسَبِّحِينَ اللهَ، وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ الشَّعْبِ. وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ » (أعمال الرسل 4: 32، 34 ،33؛ 2: 46، 47). ArMB 65.7
لئن فتشـنا السـماء والأرض فلن نجـد حقـاً معلنا أقوي من ذاك الذي يظهر في أعمال الرحمة لمن يحتاجون إلى عطفنا ومعونتنا. هذا هو الحق كما هو في يسوع. فعندما ينفّذ من يعترفون باسم المسيح مبادئ القانون الذهبي فنفس القوة التي كانت في العصر الرسولي ستصاحب الإنجيل اليوم. ArMB 66.1