خواطر من جبل البَرَكَة
« لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ » (متى 6: 19)
الكنز الذي يكنز على الأرض لا يدوم. فالسارقون ينقبون ويسرقون، والسوس والصدأ يفسدان، والنار والعواصف تكتسح مقتنياتكم. و« لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا » (متى 6: 21). إنّ الكنز الذي يكنز على الأرض يحتكر العقل فيحرم الإنسان من الأمور السماوية. ArMB 43.6
كانت محبة المال هي الشهوة المتحكمة في القلوب في العصر اليهودي. لقد اغتصبت محبة العالم مكان الله والدين في النفس. وكذلك الحال في هذه الأيام، فالطمع الشحيح في طلب الثروة يوقع على الحياة تأثيراً خلابا ساحرا فينتج عن ذلك إفساد الشرف وكرم أخلاق الناس حتى يغرقوا في هــــوة الهــــــلاك والــردى. إنّ خـدمة الشــيطان مليئة بالهـمّ والحيرة والشــغل المضني، والكنز الذي يكدّ الناس ويتعبون في سبيل جمعه وتكويمه إنّما هو إلى حين. ArMB 43.7
قال يسوع: « اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ. لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا » (متى 6: 20و21). ArMB 43.8
إنّ الوصية المقدمة لكم هي هذه: « اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ ». إنّه لأجل مصلحتكم أن تحرزوا غنى السماء. فهذا الغني وحده دون كل شيء آخر تملكونه هو ملككم حقّا. والكنز الذي يكنز في السماء هو الذي لا يفنى. فلا النار ولا الطوفان يستطيع ملاشاته، ولا يمكن للسارق أن يسرقه ولا للسوس أو الصدأ أن يفسدَه لأنّه تحت حفظ الله وحراسته. ArMB 44.1
هذا الكنز الذي هو في اعتبار المسيح أثمن من كل تقدير هو « غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ » (أَفَسُس 1: 18). إنّ تلاميذ المسيح يُدعون جواهره وكنزه الثمين الخاص. إنّه يقول عنهم: يكونون « كَحِجَارَةِ التَّاجِ» (زكريا 9: 16). « وأجعل الرجـــل أعــزّ من الذهب الإبريز والإنســان أعـزّ من ذهب أوفير » (إِشَعْيَاء 13: 12). والمسيح ينظر شعبه في طهارتهم وكمالهم كأنّهم أجرته عن كل آلامه واتضاعه وحبه وتكملة مجده — المسيح المركز العظيم الذي منه يتألّق كل المجد. ArMB 44.2
ثم إنّنا يسمح لنا بالاتحاد والاشتراك معه في عمل الفداء العظيم وبان نكون شركاءَه في الغنى الذي قد كسبه موتُه وآلامُه. وقد كتب بولس الرسول إلى المسيحيين في تسالونيكي يقول: « لأَنْ مَنْ هُوَ رَجَاؤُنَا وَفَرَحُنَا وَإِكْلِيلُ افْتِخَارِنَا؟ أَمْ لَسْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا أَمَامَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ؟ 20 لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ مَجْدُنَا وَفَرَحُنَا » (1تسـالونيكي 2: 19، 20). هـذا هـو الكنز الـذي يأمــرنا المســيح أن نعمـل له. إنّ الخلُق هـو حصـاد الحيـاة العظيم. وكل كلمة أو عمــل يضـرم في نفــس واحدة نزعــة تصبـو نحو الســماء بنعمـة المسـيح وكـل مجهـود يؤول إلى تكـوين خلُقٍ مسـيحيّ هو اكتنــاز كنـوزنا في السماء. ArMB 44.3
حيث يكون الكنز فهناك يوجد القلب. ففي كل مسعى نبذله لإفادة الآخرين فإننا ننتفع به. فالذي يبذل مالا أو وقتا لنشر الإنجيل يجند مصلحته وصلواتِه للعمل ولأجل النفوس حتى يمكن الوصول إليها عن طريق ذلك العمل. إنّ عواطفه تصل إلى الآخرين وهو يتنشّط لمزيد من التكريس لله حتى يكون قادرا على أن يصنع معهم خيرا أعظم ArMB 44.4
وفي اليوم الأخير تتلاشى ثروة الأرض فالذي كنز كنوزه في السماء سـيرى ما قد كسـبته حياته. فإن كنا قد التفتنا إلى كلام المسيح فعندما نجتمع حول العرش العظيم الأبيض سنرى النفوس التي قد خلصت بواسطتنا وسنعرف أن واحداً قد خلّص آخرين، وهؤلاء خلصوا غيرهم — فقد وصل كثيرون إلى مينــاء الراحــة نتيجة لخـدماتنا، وهناك يطرحون أكاليـلــهم عند قدمي يسوع ويسبحونه مدي أجيال الأبد. فبأي فرح سيشاهد خادم المسيح هؤلاء المفديين الذين سيشاركون الفادي في مجـده! وكم ستكون الســماء عــزيزة لدى من كــانوا أمنــاء في عمل تخليص النفوس! ArMB 44.5
« فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ » (كُولُوسِّي 3: 1). ArMB 44.6