قِصَّة الفداء

85/229

الاستيلاء على أريحا

«فَدَعَا يَشُوعُ بْنُ نُونٍ الْكَهَنَةَ وَقَالَ لَهُمُ: ‹احْمِلُوا تَابُوتَ الْعَهْدِ. وَلْيَحْمِلْ سَبْعَةُ كَهَنَةٍ سَبْعَةَ أَبْوَاقِ هُتَافٍ أَمَامَ تَابُوتِ الرَّبِّ›. وَقَالُوا لِلشَّعْبِ: ‹اجْتَازُوا وَدُورُوا دَائِرَةَ الْمَدِينَةِ، وَلْيَجْتَزِ الْمُتَجَرِّدُ أَمَامَ تَابُوتِ الرَّبِّ›. وَكَانَ كَمَا قَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ. اجْتَازَ السَّبْعَةُ الْكَهَنَةُ حَامِلِينَ أَبْوَاقَ الْهُتَافِ السَّبْعَةَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَضَرَبُوا بِالأَبْوَاقِ. وَتَابُوتُ عَهْدِ الرَّبِّ سَائِرٌ وَرَاءَهُمْ» (يشوع ٦: ٦-٨). SRAr 179.1

«وَكُلُّ مُتَجَرِّدٍ سَائِرٌ أَمَامَ الْكَهَنَةِ الضَّارِبِينَ بِالأَبْوَاقِ. وَالسَّاقَةُ سَائِرَةٌ وَرَاءَ التَّابُوتِ. كَانُوا يَسِيرُونَ وَيَضْرِبُونَ بِالأَبْوَاقِ. وَأَمَرَ يَشُوعُ الشَّعْبَ قَائِلاً: ‹لاَ تَهْتِفُوا وَلاَ تُسَمِّعُوا صَوْتَكُمْ، وَلاَ تَخْرُجْ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ كَلِمَةٌ حَتَّى يَوْمَ أَقُولُ لَكُمُ: اهْتِفُوا. فَتَهْتِفُونَ›. فَدَارَ تَابُوتُ الرَّبِّ حَوْلَ الْمَدِينَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً. ثُمَّ دَخَلُوا الْمَحَلَّةَ وَبَاتُوا فِي الْمَحَلَّةِ» (يشوع ٦: ٩-١١). SRAr 179.2

كانت جماعة العبرانيِّين تسير بنظام تامّ. في البداية، سارت مجموعة مُنتخبة مِن المحاربين المُسلَّحين، وكانوا يرتدون ملابس الحرب. ولم يكن ذلك الوقت للتدرُّب على مهارتهم في القتال، بل كان وقت الإيمان وطاعة التعليمات التي تُعطى لهم. وتبعهم سبعة كهنة يحملون أبواق الهتاف ثمَّ تابوت عهد الله، المُتلألئ بالذهب، والمُحاط بهالة مِن المجد، وكان محمولًا على أكتاف كهنة يرتدون ملابسهم الفاخرة والمميَّزة التي تدلُّ على وظيفتهم المقدَّسة. وتبعهم جيش إسرائيل العظيم، وكلُّ سبط كان يسير تحت رايته الخاصَّة. وهكذا داروا حول المدينة ومعهم تابوت عهد الله. لم يُسمَع صوتٌ سوى وقع أقدام ذلك الجميع العظيم، وأصوات الأبواق التي ردَّدت التلال صداها، وتخلَّلت أرجاء مدينة أريحا. SRAr 179.3

كان حرَّاس تلك المدينة المحكوم عليها بالسقوط يراقبون كلَّ حركة بدهشة وهلع، ويُبلِّغون السُّلطات الحاكمة بكلِّ شيء. لم يقدروا أنْ يفهموا معنى كلِّ هذا الاستعراض العسكريّ. وسخر بعضهم مِن فكرة أنَّه بالإمكان الاستيلاء على المدينة بهذه الطريقة، بينما ارتعد آخرون وهم يشاهدون بهاء تابوت العهد والوقار الذي فرضه زيُّ الكهنة وجيش إسرائيل وعلى رأسهم يشوع. لقد تذكَّروا بأنَّ البحر الأحمر قد انشقَّ أمامهم قبل أربعين سنة، وأنَّ طريقًا قد أعِدَّ لهم على الفور عبر نهر الأردنّ. كان خوفهم شديدًا للغاية، حتَّى أنَّهم لم يقدروا أنْ يهزأوا ويلهوا. وكانوا حريصين على إبقاء بوَّابات المدينة مقفلة بإحكام والتأكُّد مِن أنَّ محاربيهم يحرسون البوَّابات جميعها. SRAr 180.1

وطيلة ستَّة أيَّام استمرَّت قوَّات الجيش بالدوران حول المدينة. وفي اليوم السابع داروا دائرة مدينة أريحا سبع مرَّات. وكالعادة، أمِرَ الشعب أنْ يصمتوا. ولم يُسَمع صوت إلّا صوت الأبواق وحدها. كان على الشعب أنْ يراقبوا، وعندما يطلق حاملو الأبواق أصواتًا عالية وأطول مِن المعتاد، عندها يكون مِن اللازم أنْ يهتف الجميع بصوت عالٍ، لأنَّ الله يكون قد أعطاهم المدينة. «وَكَانَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ أَنَّهُمْ بَكَّرُوا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَدَارُوا دَائِرَةَ الْمَدِينَةِ عَلَى هذَا الْمِنْوَالِ سَبْعَ مَرَّاتٍ. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ فَقَطْ دَارُوا دَائِرَةَ الْمَدِينَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ. وَكَانَ فِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ عِنْدَمَا ضَرَبَ الْكَهَنَةُ بِالأَبْوَاقِ أَنَّ يَشُوعَ قَالَ لِلشَّعْبِ: ‹اهْتِفُوا، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ الْمَدِينَةَ›” (يشوع ٦: ١٥-١٦). «فَهَتَفَ الشَّعْبُ وَضَرَبُوا بِالأَبْوَاقِ. وَكَانَ حِينَ سَمِعَ الشَّعْبُ صَوْتَ الْبُوقِ أَنَّ الشَّعْبَ هَتَفَ هُتَافًا عَظِيمًا، فَسَقَطَ السُّورُ فِي مَكَانِهِ، وَصَعِدَ الشَّعْبُ إِلَى الْمَدِينَةِ كُلُّ رَجُل مَعَ وَجْهِهِ، وَأَخَذُوا الْمَدِينَةَ» (يشوع ٦: ٢٠). SRAr 180.2

أراد الله أنْ يبيِّن للشعب أنَّ غزو كنعان ما كان ينبغي أنْ يُنسب إليهم. فرئيس جند الربِّ هو الذي هزم أريحا، وهو الذي انخرط في ذلك الغزو، ومعه ملائكته أيضًا. لقد أمر المسيح جيوش السماء أنْ تُسقِط أسوار أريحا وتهيِّئ الظروف ليدخل يشوع وجيوش إسرائيل المدينة. إنّ الله، في هذه المعجزة الرائعة، لم يُقوِّ إيمان شعبه بقدرته على قمع أعدائهم وحسب، ولكنَّه أيضًا وبَّخ عدم إيمانهم به في السابق. SRAr 181.1

كانت أريحا قد تحدَّت جيوش إسرائيل وإله السماء. وإذ شاهد أهلها جماعة إسرائيل تطوف حول مدينتهم مرَّة واحدة كلَّ يوم، ارتعبوا وأحسّوا بالخطر؛ لكنَّهم نظروا إلى دفاعاتهم القويَّة وأسوارهم المرتفعة والحصينة، وشعروا بالثقة في قدرتهم على الصمود أمام أيِّ هجوم. ولكنْ، عندما اهتزَّت أسوارهم المتينة وسقطت فجأة بصوت تحطَّم هائل يشبه صوت جلجلة أقوى الرعود، شلَّ الرعبُ تفكيرهم وقواهم ولم يُبدوا أيَّة مقاومة. SRAr 181.2