قِصَّة الفداء
موسى يستسلم لنفاذ صبره
«وَجَمَعَ مُوسَى وَهَارُونُ الْجُمْهُورَ أَمَامَ الصَّخْرَةِ، فَقَالَ لَهُمُ: ‹اسْمَعُوا أَيُّهَا الْمَرَدَةُ، أَمِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ نُخْرِجُ لَكُمْ مَاءً؟›. وَرَفَعَ مُوسَى يَدَهُ وَضَرَبَ الصَّخْرَةَ بِعَصَاهُ مَرَّتَيْنِ، فَخَرَجَ مَاءٌ غَزِيرٌ، فَشَرِبَتِ الْجَمَاعَةُ وَمَوَاشِيهَا. فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ‹مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمَا لَمْ تُؤْمِنَا بِي حَتَّى تُقَدِّسَانِي أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِذلِكَ لاَ تُدْخِلاَنِ هذِهِ الْجَمَاعَةَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا›” (عدد ٢٠: ١٠-١٢). SRAr 165.2
لقد أخطأ موسى. لقد شعر بالإنهاك والضجر مِن تذمُّرات الشعب المتواصلة عليه، وأخذ العصا بأمرٍ مِن الربِّ، وبدلًا مِن أنْ يُكلِّم الصخرة، كما أمره الله، ضَرَبها بالعصا مرَّتين، بعد أنْ قال: «أمِنْ هذه الصخرة نُخرج لكم ماءًا؟». هُنا تكلَّم موسى بِطَيش لِسانه. لم يقل موسى، «سيُريكم الله الآن برهانًا آخر على قوَّته ويجلب لكم ماءً مِن هذه الصخرة”. ولم ينسِب لله القوَّة والمجد في إخراج الماء مرَّة أخرى مِن الصخرة، وهكذا لم يُعظِّم الله أمام الشعب. وبسبب إخفاق موسى في القيام بذلك، لم يسمح له الله أنْ يقود الشعب إلى أرض الموعد. SRAr 165.3
كانت هناك حاجة ماسَّة لإظهار قدرة الله، وهذا ما جعل الموقف في غاية الهيبة والوقار، وكان ينبغي على موسى وهرون أنْ يستغلَّاه للتأثير على الشعب تأثيرًا مُلائمًا. لكنَّ موسى كان منفعلًا، وقد نفذ صبره وغضب على الشعب بسبب تذمُّراتهم، وقال: «اسمعوا أيُّها المردة. أمِن هذه الصخرة نُخرج لكم ماءً؟». كان قوله هذا اعترافًا فعليًّا لإسرائيل المُتذمِّر بأنَّهم كانوا على حقٍّ في اتِّهامهم له بأنَّه هو الذي قادهم مِن مصر. كان الله قد غفر للشعب تعدِّيات أعظم مِن هذه، لكنَّ الله لا يمكنه أنْ يحسب خَطِيَّة قائد شعبه كخَطِيَّة الشعب الذي كان تحت قيادته. لم يكن بالإمكان أنْ يتغاضى الله عن خَطِيَّة موسى ويسمح له بدخول أرض الموعد. SRAr 166.1
لقد أعطى الربُّ لشعبه برهانًا واضحًا على أنَّ الذي أتى إليهم بهذا الخلاص العجيب وأخرجهم مِن عبوديَّة المصريِّين، لم يكن موسى، بل كان الملاك القدير، وهو الذي كان يسير أمامهم في كلِّ ترحالهم، والذي قال الربُّ عنه: «هَا أَنَا مُرْسِلٌ مَلاَكًا أَمَامَ وَجْهِكَ لِيَحْفَظَكَ فِي الطَّرِيقِ، وَلِيَجِيءَ بِكَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَعْدَدْتُهُ. اِحْتَرِزْ مِنْهُ وَاسْمَعْ لِصَوْتِهِ وَلاَ تَتَمَرَّدْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ لاَ يَصْفَحُ عَنْ ذُنُوبِكُمْ، لأَنَّ اسْمِي فِيهِ» (خروج ٢٣: ٢٠-٢١). SRAr 166.2
ادَّعى موسى لنفسه المجد الذي هو مِن حقِّ الله، وجعل لزومًا على الله أنْ يفعل ما فعله في ذلك الموقف، وهذا ما ينبغي أنْ يُقنِع إلى الأبد شعب إسرائيل المتمرِّد بأنَّ الذي قادهم مِن أرض مصر لم يكن موسى، بل كان الله نفسه. كان الربُّ قد أوكل لموسى عبء قيادة شعبه، بينما كان الملاك القدير يسير أمامهم في كلِّ ترحالهم ويوجِّههم في جميع أسفارهم. ولأنَّهم كانوا مستعدِّين دائمًا لينسوا أنَّ الله كان يقودهم بواسطة ملاكه، ولأنَّهم كانوا ينسبون للإنسان ما لا يمكن عمله إلَّا بقوَّة الله، فقد امتحنهم الله وجرَّبهم ليرى ما إذا كانوا سيطيعونه. ولقد فشلوا في كلِّ تجربة. وبدلًا مِن أنْ يؤمنوا بالله ويعترفوا به، وهو الذي فرش طريقهم ببراهين قوَّته ودلالات عنايته ومحبَّته، فقدوا ثقتهم به ونسبوا خروجهم مِن مصر إلى موسى متَّهمين إيَّاه بأنَّه السبب في كلِّ مصائبهم. لقد تحمَّل موسى عنادهم وتصلُّبهم بصبر كبير. وذات يوم هدَّدوه بالرَّجم. SRAr 166.3