قِصَّة الفداء

78/229

عقوبة ثقيلة

أراد الربُّ أنْ يزيل هذا الانطباع مِن أذهانهم إلى الأبد، وذلك مِن خلال أنْ يمنع موسى مِن الدخول إلى أرض الموعد. كان الربُّ قد كرَّم موسى كثيرًا، وأظهر له مجده العظيم. لقد قرَّبَهُ منه في جوٍّ مقدَّس على الجبل، وتنازل ليخاطبه كما يتحدَّث الإنسان مع صديقه. وقد نقل الله إرادته وأحكامه وشرائعه إلى موسى، ومِنه إلى الشعب. وكونه مُكرَّمًا عند الله فقد اعتُبِرت خطيئته أعظم قدرًا. لقد تاب موسى عن خطيئته وتواضَع بشدَّة أمام الله. وقد عبَّر أمام كلِّ شعب إسرائيل عن حزنه على خطيئته. لم يُخْفِ موسى عن الشعب نتيجة خطيئته، بل أخبرهم بأنَّه لن يستطيع أنْ يقودهم إلى أرض الموعد نظرًا لفَشَلِهِ في أنْ ينسِب المجد لله. ثمَّ قال لهم أنَّه إذا كان هذا الخطأ مِن جانبه عظيمًا إلى درجة اقتضت أنْ يصحِّحه الله بهذا الأسلوب، فكيف إذًا سيحسب الله تذمُّراتهم المُتكرِّرة في كلِّ مرَّة كانوا يتَّهمونه (أي موسى) بأنَّه السبب في افتقاد الله لهم على نحو غير مألوف، وذلك نتيجة خطاياهم. SRAr 167.1

وفي هذه الحالة المنفردة بالذات سمح موسى أنْ ينطبع في أذهان الشعب أنَّه هو الذي أخرجَ لهم ماءً مِن الصخرة، بينما كان يتوجَّب عليه أن يُمجِّد اسم الربِّ وسط شعبه. والآن سيحسم الربُّ الأمر مع شعبه، فيتأكَّدوا بأنَّ موسى كان مُجرَّد إنسان يتبع إرشادات وتوجيهات مَن هو أعظم منه، أي ابن الله. وبهذا لن يدع لهم مجالاً للشكّ. عندما يُعطى الكثير، يكون المطلوب كثيرًا. لقد فُضّل موسى بنعمة وبركة لا تُقدَّر، حيث أعلِنَت له رؤى خاصَّة عن مجد الله. وقد أفاضَ الله عليه بغنى مِن نوره ومجده. كان وجهه يعكس أمام الشعب المجدَ الذي أضاءه الربُّ عليه. سيُدان الجميع بحسب الامتيازات التي أعطيت لهم والنور والفوائد الممنوحة لهم. SRAr 168.1

إنَّها إساءة لله بشكل خاصٍّ أنْ يرتكب الخطايا البشرُ الصالحون الذين يُعتبر سلوكهم العامُّ مُستحقًّا ليكون قدوة يُحتذى بها. فخطاياهم تجعل الشيطان يبتهج ويتهكَّم على ملائكة الله بسبب سقوط الوسائط التي اختارها الله، وتُعطي الأثمة مجالاً ليتشامخوا أمام الله. لقد قاد الربُّ بنفسه موسى بطريقة متميَّزة، وأظهر له مجده كما لم يُظهره لأيٍّ إنسان آخر على الأرض. كان موسى بطبعه عديم الصبر، لكنَّه تمسَّك بقوَّة بنعمة الله وبتواضع توسَّل إلى حكمة مِن السماء لكي ينال مِن الله القوَّة ويتغلّب على قِلَّة صبره، حتَّى أنَّه دُعي مِن الله بأنَّه حليمٌ جدًّا أكثر مِن جميع الناس الذين على وجه الأرض. SRAr 168.2

مات هارون على جبل هور، وذلك لأنَّ الربَّ سبق وقال بأنَّه لن يدخل أرض الموعد بما أنَّه كان قد أخطأ، هو وموسى، عند إخراج الماء مِن الصخرة عند مريبة. قام موسى وأبناء هارون بدفن هارون في الجبل حتَّى لا يُجرَّب الشعب بأنْ يقيموا مراسيم تشييع حافلة لجثمانه، وبذلك يذنبون بارتكاب خَطِيَّة الوثنيَّة وعبادة الأصنام. SRAr 168.3