قِصَّة الفداء

64/229

شريعة الله الأبديَّة

كانت شريعة الله موجودة قبل أنْ يُخلَق الإنسان. وكانت الملائكة تُحْكَم حسب تلك الشريعة. والشيطان سَقَط لأنَّه تعدَّى على مبادئ حُكومة الله. بعدما خُلِق آدم وحوَّاء، أعلن الله شريعته لهما. لم تكن قد كُتِبَت حينذاك، لكنَّ يهوه أعادها على مسامعهما. SRAr 145.1

لقد تأسَّس سبت الوصية الرابعة في جنَّة عدن. فبعد أنْ خلق الله العالَم وخلق الإنسان على الأرض، صنع السبت لأجل الإنسان. لم يتغيَّر شيء في شريعة الله بعد وقوع آدم في الْخَطِيَّةِ. لقد كانت مبادئ الوصايا العشر موجودة قبل السقوط، وكانت صفاتها مُناسبة لحالة الكائنات التي كانت في نظام مُقدَّس. ولم تتغيَّر مبادئ هذه الوصايا بعد السقوط، بل أعطيتْ أحكامٌ إضافيَّة لتُناسِب الإنسان في حالة السقوط. SRAr 145.2

وفي ذلك الوقت وُضِع الأساس لنظام يتطلَّب تقدمة ذبائح حيوانيَّة لكي يظلَّ ماثلاً أمام أعين البشريَّة الساقطة ذلك الحقُّ الذي لم تصدِّقه حوَّاء بسبب الحيَّة التي أوقعتها في الخدعة، وهو أنَّ أجرة الْخَطِيَّةِ هي موت. إنَّ التعدِّي على شريعة الله جعل مِن اللازم أنْ يموت المسيح كذبيحة لكي يفتح أمام الإنسان المتعدِّي طريقًا للنجاة مِن العقاب، وأيضًا ليحافِظ على كرامة شريعة الله. كان القصد مِن نظام الذبائح هو أنْ يتعلَّم الإنسان التواضع، وذلك باعتبار حالته الساقطة، وأنْ ينقاد إلى التوبة والثقة في الله وحده، مِن خلال الفادي الموعود به لأجل العفو عن التعدِّيات السابقة على شريعة الله. لو لم يحصل التعدِّي على شريعة الله، لما كان هناك موت على الإطلاق، ولما كانت هناك حاجة لأحكام إضافيَّة تناسب الإنسان في وضعه الساقط. SRAr 145.3

قام آدم بتعليم نسله شريعة الله، وقد سُلِّمت للأمناء مِن بعده مع تعاقب الأجيال. وقد أدَّى التمادي في انتهاك شريعة الله والتعدِّي عليها إلى طوفان المياه على الأرض. وقد حافظ على شريعة الله نوح وعائلته الذين خلصوا في الفلك بمعجزة إلهيَّة بفضل عملهم الصلاح. علَّم نوح أحفاده الوصايا العشر. إنَّ الربَّ قد حفظ لنفسه شعبًا، مِن آدم فصاعدًا، وكانت شريعته في قلوبهم، ولهذا فقد قال عن إبراهيم: «مِنْ أَجْلِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ لِقَوْلِي وَحَفِظَ مَا يُحْفَظُ لِي: أَوَامِرِي وَفَرَائِضِي وَشَرَائِعِي” (تكوين ٢٦: ٥). SRAr 146.1

ظهر الربُّ لإبراهيم، وقال له: SRAr 146.2

«أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً، فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأُكَثِّرَكَ كَثِيرًا جِدًّا» (تكوين ١٧: ١، ٢). «وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكُونَ إِلهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ» (تكوين ١٧: ٧). SRAr 146.3

بعد ذلك طَلَب مِن إبراهيم ونسله أنْ يختتنوا، وهي عمليَّة قطع حلقة مِن اللحم لكي تكون علامة على أنَّ الله قد عزلهم عن جميع الأمم ليكونوا خاصَّة له. ومِن خلال هذه العلامة تعهَّدوا بكلِّ وقار ألَّا يتزاوجوا مع الأمم الأخرى، إذ بفعلهم ذلك سيفقدون وقارهم لله ولشريعته المقدَّسة، وسيصبحون مِثل الأمم الوثنيَّة المحيطة بهم. SRAr 146.4

ومِن خلال ممارستهم فريضة الختان كانوا يُعلنون موافقتهم على إتمام واجبهم تجاه شروط العهد الذي قطعه الله مع إبراهيم، وهي أنْ يكونوا منفصلين عن باقي الأمم ويكونوا كاملين. لو أنَّ نسل إبراهيم بقوا منفصلين عن الأمم الأخرى، لما كانوا قد تعرَّضوا لإغراءات الوثنيَّة. إنَّ انفصالهم عن باقي الأمم كان سيزيل مِن بينهم الكثير مِن التجارب التي جرَّتهم للانخراط في الممارسات الخاطئة والمُتمرِّدة التي كانت تقوم بها تلك الأمم ضدَّ الله. لكنَّهم فقدوا، إلى حدٍّ بعيدٍ، أخلاقهم المقدَّسة والمتميِّزة مِن خلال اندماجهم مع الشعوب الأخرى المحيطة بهم. ولكي يعاقبهم الربُّ، فقد جلب على أرضهم مجاعة أجبرتهم على النزول إلى مصر للبقاء على قيد الحياة. لكنَّ الله، مِن أجل عهده مع إبراهيم، لم يتخلَّ عنهم عندما كانوا في مصر. لقد سَمَحَ أنْ يقع عليهم الظلم والاضطهاد مِن قِبَل المصريِّين لكي يعودوا إليه في ضيقهم ويختاروا حكمه البارَّ الرحيم ويطيعوا ما يطلبه منهم. SRAr 147.1

كان عدد العائلات التي نزلت إلى مصر قليلاً في بداية الأمر، ثمَّ تضاعفت أعدادهم وبلغوا حشودًا كبيرة. اهتمَّ بعض بني إسرائيل بتعليم أبنائهم شريعة الله، لكنَّ كثيرين مِنهم شاهدوا قدرًا كبيرًا مِن عبادة الأوثان حتَّى أنَّ أفكارهم عن شريعة الله أصبحت مُشوَّشة. أولئك الذين خافوا الله صرخوا إليه في كربهم طالبين منه أنْ يكسر نير أسرهم ويخرجهم مِن أرض عبوديَّتهم حتَّى يُصبحوا أحرارًا فيخدموه. والله سمع صرخاتهم، وأقام موسى كأداة استخدمها لإنقاذ شعبه. بعد أنْ رحلوا عن مصر، وانشقَّت مياه البحر الأحمر أمام أعينهم، امتحنهم الربُّ ليرى إذا كانوا سيثقون بذاك الذي أخرجهم كأمَّة مِن قلب أمَّة أخرى ببراهين وتجارب وعجائب، لكنَّهم فشلوا في احتمال التجربة. لقد تذمَّروا على الله بسبب الصعوبات والمشقَّات التي قابلتهم في الطريق، وتمنّوا العودة مرَّة أخرى إلى مصر. SRAr 147.2