قِصَّة الفداء
عمود النار
«وَارْتَحَلُوا مِنْ سُكُّوتَ وَنَزَلُوا فِي إِيثَامَ فِي طَرَفِ الْبَرِّيَّةِ. وَكَانَ الرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ نَهَارًا فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَهْدِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَلَيْلاً فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ. لِكَيْ يَمْشُوا نَهَارًا وَلَيْلاً. لَمْ يَبْرَحْ عَمُودُ السَّحَابِ نَهَارًا وَعَمُودُ النَّارِ لَيْلاً مِنْ أَمَامِ الشَّعْبِ» (خروج ١٣: ٢٠-٢٢). SRAr 121.1
عَلِمَ الربُّ أنَّ الفلسطينيِّين سيعترِضون على مرورهم عبر أرضهم، وسيقولون لهم بأنَّهم هربوا بعيدًا عن أسيادهم في مصر وبأنَّهم سيحاربونهم. لذلك، فإنَّ الله عندما أرشدهم إلى المرور بطريق البحر، أظهر لهم بأنَّه إله الرحمة وإله الدينونة أيضًا. أخبر الربُّ موسى بأنَّ فرعون سيتعقَّبهم، وكشف له أين سيُعسكرون بجوار البحر. وقال لموسى بأنَّه سيتمجَّد أمام فرعون وأمام جيشه. SRAr 121.2
بعد عدَّة أيَّام مِن خروج العبرانيِّين مِن مصر، أخبر المصريُّون فرعون بأنَّهم هربوا ولن يعودوا أبدًا ليخدموه مِن جديد. وناح الشعب حزنًا لأنَّهم سمحوا لهم بمُغادرة مصر. لقد كانت خسارة كبيرة بالنسبة لهم لأنَّهم حُرموا مِن الخدمات التي كان يقدِّمها الإسرائيليِّون، ونَدِموا لأنَّهم وافقوا على رحيلهم. وبالرغم مِن كلِّ ما قاسوه مِن ضربات الله وقضاء الله الذي نزل عليهم، فقد تقسَّت قلوبهم كثيرًا بسبب تماديهم في تمرُّدهم وقرَّروا مطاردة بني إسرائيل وإرجاعهم إلى مصر بالقوَّة. أخذ الملك جيشًا كبيرًا وستَّمئة مركبة مُنتخبة، وسعوا وراءهم، وأدركوهم حيث كانوا قد نزلوا عند البحر SRAr 121.3
«فَلَمَّا اقْتَرَبَ فِرْعَوْنُ رَفَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عُيُونَهُمْ، وَإِذَا الْمِصْرِيُّونَ رَاحِلُونَ وَرَاءَهُمْ. فَفَزِعُوِا جِدًّا، وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ. وَقَالُوا لِمُوسَى: ‹هَلْ لأَنَّهُ لَيْسَتْ قُبُورٌ فِي مِصْرَ أَخَذْتَنَا لِنَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ؟ مَاذَا صَنَعْتَ بِنَا حَتَّى أَخْرَجْتَنَا مِنْ مِصْرَ؟ أَلَيْسَ هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْنَاكَ بِهِ فِي مِصْرَ قَائِلِينَ: كُفَّ عَنَّا فَنَخْدِمَ الْمِصْرِيِّينَ؟ لأَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ نَخْدِمَ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَنْ نَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ›. فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: ‹لاَ تَخَافُوا. قِفُوا وَانْظُرُوا خَلاَصَ الرَّبِّ الَّذِي يَصْنَعُهُ لَكُمُ الْيَوْمَ. فَإِنَّهُ كَمَا رَأَيْتُمُ الْمِصْرِيِّينَ الْيَوْمَ، لاَ تَعُودُونَ تَرَوْنَهُمْ أَيْضًا إِلَى الأَبَدِ. الرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُونَ›” (خروج ١٤: ١٠-١٤). SRAr 122.1
يا للسرعة التي فقد فيها الإسرائيليُّون ثقتهم في الله! لقد شاهدوا كلَّ الضربات التي أوقعها على مصر ليُجبر الملك على إطلاق إسرائيل، ولكنْ عندما وقعت ثقتهم في الله تحت الامتحان، أخذوا بالتذمُّر على الرغم مِن رؤيتهم براهين قوَّته التي ظهرت في خلاصهم العجيب. وبدلاً مِن أنْ يضعوا ثقتهم في الله في وقت ضيقهم، تذمَّروا على موسى الأمين، وراحوا يذكِّرونه بما تلفَّظوا به مِن كلمات في مصر تُظهر عدم إيمانهم. لقد اتَّهموه بأنَّه هو السبب في كلِّ ضيقاتهم. فهو الذي شجَّعهم على أنْ يثقوا بالله ويتوقُّفوا عن الشكِّ وعدم الإيمان، وعندئذ سيرون ما الذي سيفعله الربُّ لأجلهم. صرخ موسى متضرِّعًا إلى الربِّ أنْ ينجِّي شعبه المُختار. SRAr 122.2
الخلاص عند البحر الأحمر SRAr 122.3
«فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: ‹مَا لَكَ تَصْرُخُ إِلَيَّ؟ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْحَلُوا. وَارْفَعْ أَنْتَ عَصَاكَ وَمُدَّ يَدَكَ عَلَى الْبَحْرِ وَشُقَّهُ، فَيَدْخُلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ›” (خروج ١٤: ١٥-١٦). أراد الله أنْ يُفهِم موسى أنَّه سيعمل لأجل صالح شعبه ــ فاحتياجهم سيكون فرصة بالنسبة له. وعندما يصلون إلى أبعد ما يمكنهم الوصول إليه، كان على موسى أنْ يطلب منهم أنْ يتقدَّموا إلى الأمام أكثر؛ وكان عليه أنْ يستخدم العصا التي أعطاها الله له ليشقَّ المياه. SRAr 122.4
«‹...وَهَا أَنَا أُشَدِّدُ قُلُوبَ الْمِصْرِيِّينَ حَتَّى يَدْخُلُوا وَرَاءَهُمْ، فَأَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَكُلِّ جَيْشِهِ، بِمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ. فَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ حِينَ أَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ›. فَانْتَقَلَ مَلاَكُ اللهِ السَّائِرُ أَمَامَ عَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ وَسَارَ وَرَاءَهُمْ، وَانْتَقَلَ عَمُودُ السَّحَابِ مِنْ أَمَامِهِمْ وَوَقَفَ وَرَاءَهُمْ. فَدَخَلَ بَيْنَ عَسْكَرِ الْمِصْرِيِّينَ وَعَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ، وَصَارَ السَّحَابُ وَالظَّلاَمُ وَأَضَاءَ اللَّيْلَ. فَلَمْ يَقْتَرِبْ هذَا إِلَى ذَاكَ كُلَّ اللَّيْلِ» (خروج ١٤: ١٧-٢٠). SRAr 123.1
لم يستطع المصريُّون أنْ يروا العبرانيِّين، لأنَّ سحابة الظلام الكثيف كانت أمامهم، تلك السحابة التي كانت نورًا لبني إسرائيل. هكذٰا استعرض الله قوَّته ليختبر شعبه فيما إذا كانوا سيثقون فيه بعد أن قدَّم لهم مثل تلك العلامات التي تدلُّ على رعايته ومحبِّته لهم، وأيضًا ليوبِّخ عدم إيمانهم وتذمُّرهم. «وَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى الْبَحْرِ، فَأَجْرَى الرَّبُّ الْبَحْرَ بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ شَدِيدَةٍ كُلَّ اللَّيْلِ، وَجَعَلَ الْبَحْرَ يَابِسَةً وَانْشَقَّ الْمَاءُ. فَدَخَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ، وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ» (خروج ١٤: ٢١-٢٢). ارتفعت المياه ووقفت على الجانبين مِثل الجدران الصامدة، بينما سار إسرائيل على أرض يابسة في وسط البحر. SRAr 123.2
كان المصريُّون خلال تلك الليلة يحتفلون بأنَّ بني إسرائيل قد وقعوا في قبضتهم مرَّة أخرى. لقد ظنُّوا بأنْ لا سبيل أمامهم للهروب؛ فالبحر كان ممتدًّا أمامهم، وجيوش المصريِّين احتشدت مِن ورائهم. وفي الصباح، عندما وصلوا إلى البحر، وجدوا طريقًا يابسًا، فالمياه كانت قد انشقَّت، ووقفت كالجدران على الجانبين، وكان بنو إسرائيل يسيرون على أرض يابسة في منتصف الطريق وسط البحر. انتظر المصريُّون لبعض الوقت لكي يُقرِّروا أفضل طريق يمكنهم سلوكه. لقد أصيبوا بخيبة أمل وتملَّكهم الغضب إذ أدركوا أنَّ طريقًا غير متوقَّع قد فُتح أمام العبرانيِّين في البحر بينما كانوا على وشك الوقوع في قبضتهم وكانوا متمكِّنين منهم. فقرَّروا أنْ يتعقَّبوهم. SRAr 124.1
«وَتَبِعَهُمُ الْمِصْرِيُّونَ وَدَخَلُوا وَرَاءَهُمْ. جَمِيعُ خَيْلِ فِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ إِلَى وَسَطِ الْبَحْرِ. وَكَانَ فِي هَزِيعِ الصُّبْحِ أَنَّ الرَّبَّ أَشْرَفَ عَلَى عَسْكَرِ الْمِصْرِيِّينَ فِي عَمُودِ النَّارِ وَالسَّحَابِ، وَأَزْعَجَ عَسْكَرَ الْمِصْرِيِّينَ، وَخَلَعَ بَكَرَ مَرْكَبَاتِهِمْ حَتَّى سَاقُوهَا بِثَقْلَةٍ. فَقَالَ الْمِصْرِيُّونَ: ‹نَهْرُبُ مِنْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّ الرَّبَّ يُقَاتِلُ الْمِصْرِيِّينَ عَنْهُمْ›” (خروج ١٤: ٢٣-٢٥). SRAr 124.2
تجرَّأ المصريُّون ودخلوا في الطريق الذي أعدَّه الله لشعبه، وسارت ملائكة الله وسط جيوشهم ونزعت عجلات مركباتهم. لقد حلَّت بهم المصائب، وتباطأ تقدُّمهم كثيرًا، وبدأ القلق يساورهم. تذكَّروا الضربات التي أوقعها عليهم إله العبرانيِّين في مصر ليجبرهم على إطلاق إسرائيل، وظنُّوا أنَّ الله يمكن أن يُسلِّمهم جميعًا إلى يد بني إسرائيل. أدركوا أنَّ الله كان يُقاتل نيابة عن بني إسرائيل، وخافوا خوفًا عظيمًا واستداروا ليهربوا منهم، حينئذ قال الربُّ لموسى: »مُدَّ يَدَكَ عَلَى الْبَحْرِ لِيَرْجعَ الْمَاءُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ، عَلَى مَرْكَبَاتِهِمْ وَفُرْسَانِهِمْ». SRAr 124.3
«فَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى الْبَحْرِ فَرَجَعَ الْبَحْرُ عِنْدَ إِقْبَالِ الصُّبْحِ إِلَى حَالِهِ الدَّائِمَةِ، وَالْمِصْرِيُّونَ هَارِبُونَ إِلَى لِقَائِهِ. فَدَفَعَ الرَّبُّ الْمِصْرِيِّينَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ. فَرَجَعَ الْمَاءُ وَغَطَّى مَرْكَبَاتِ وَفُرْسَانَ جَمِيعِ جَيْشِ فِرْعَوْنَ الَّذِي دَخَلَ وَرَاءَهُمْ فِي الْبَحْرِ. لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ وَلاَ وَاحِدٌ. وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَمَشَوْا عَلَى الْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ، وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ. فَخَلَّصَ الرَّبُّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ. وَنَظَرَ إِسْرَائِيلُ الْمِصْرِيِّينَ أَمْوَاتًا عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ. وَرَأَى إِسْرَائِيلُ الْفِعْلَ الْعَظِيمَ الَّذِي صَنَعَهُ الرَّبُّ بِالْمِصْرِيِّينَ، فَخَافَ الشَّعْبُ الرَّبَّ وَآمَنُوا بِالرَّبِّ وَبِعَبْدِهِ مُوسَى” (خروج ١٤: ٢٧-٣١). SRAr 125.1
وإذ شاهد العبرانيُّون عمل الله العظيم إذ قام بتدمير المصريِّين، صاروا نفساً واحدة ورنَّموا تسبيحة بليغة المعنى ومليئة بالشكر لله. SRAr 125.2