قِصَّة الفداء

50/229

الضربات

لم تكن معجزة تحوُّل العصا إلى حيَّة ومُعجزة تحوُّل المياه إلى دم كافيتين ليتحرَّك قلب فرعون، بل زادته بغضًا لبني إسرائيل. فأعمال السحر التي صنعها السحرة التابعين له جعلته يعتقد بأنَّ موسى أجرى هذه المعجزات عن طريق السحر، إلَّا أنَّه بعد أنْ رُفِعَت ضربة الضفادع كان لديه البرهان القاطِع على أنَّ الأمر لم يكن كذلك. كان الله يستطيع أنْ يجعل تلك الضفادع تختفي أو تتحوَّل إلى تُراب في لحظة، لكنَّه لم يفعل ذلك لئلَّا يقول الملك والمصريُّون ــ بعد إزالتها ــ أنَّ ذلك كان نتيجة السحر، كما فعل السحرة. ماتت الضفادع، فكوَّموها معًا في أكوام. كانوا يرون جثثها أمامهم، وقد أفسدت رائحتها المتعفِّنة الهواء. عند هذه النقطة، أقيمت أمام الملك وجميع المصريِّين براهين لم تستطع فلسفتهم الباطلة أنْ تدحضها، وكلُّها تؤكِّد لهم أنَّ هذا العمل لم يكن بفعل السحر، بل كان دينونة مِن إله السماء. SRAr 116.1

لم يستطع السحرة أنْ يُخرِجوا البعوض. إنَّ الربَّ لم يسمح حتَّى بمجرَّد أنْ يتراءى لهم أو للمصريِّين أنَّ في قدرتهم إخراج ضربة البعوض. لقد أزال الربُّ مِن أمام فرعون أيَّ عذر للشكِّ وعَدَم الإيمان، حتَّى أنَّ الله أرغم السحرة أنفسهم على أنْ يقولوا: «هذا إِصْبَعُ اللهِ» (خروج ٨: ١٩). SRAr 116.2

وبعد ذلك أتت ضربة أسراب الذباب. لم يكن الذباب الذي ضرب مصر مِثل الذباب غير المؤذي الذي يزعجنا في بعض فصول السنة، بل كان كبير الحجم ومسمومًا. وكانت لسعته تُسبّب آلامًا شديدة للناس وللبهائم. فصل الله شعبه عن المصريِّين، ولم يسمح للذباب أنْ يظهر في مناطقهم. SRAr 116.3

وأرسل الربُّ بعد ذلك ضربة الوباء على القطعان والمواشي، وفي الوقت ذاته حافظ على مواشي العبرانيِّين، فلم تمت منها ولا واحدة. جاءت بعد ذلك ضربة الدمامِل على الإنسان وعلى الحيوان، ولم يستطع العرَّافون ولا السَّحرة أنْ يحموا أنفسهم منها. ثُمَّ أرسل الربُّ على المصريِّين ضربة البَرَد المُختلط بالنار، ورافقها البرق والرعد. لقد أعطي موعد كلُّ ضربة قبل حدوثها، حتَّى لا يُقال بأنَّها حدثت بمحض الصدفة. أظهر الربُّ للمصريِّين بأنَّ الأرض كلَّها تحت سيطرة إله العبرانيِّين، وأنَّ الرعد والبَرَد والعواصف تطيع صوته. إنَّ فرعون الملك المُتعجرف الذي تساءل ذات مرَّة: «مَنْ هُوَ الرَّبُّ حَتَّى أسْمَعُ لِقَوْلِهِ فَأطْلقَ إِسْرَائِيْلَ؟” (خروج ٥: ٢) تذلّل وقال: «أَخْطَأتُ… الرَّبُّ هُوَ الْبَاْرُّ، وَأَنَا وَشَعْبِي الأَشْرَارُ» (خروج ٩: ٢٧). وتوسَّل إلى موسى أنْ يشفع لأجله أمام الله وأنْ يُنهي البرد والرعد والبرق المُرعب. SRAr 117.1

بعد ذلك أرسل الربُّ ضربة الجراد. اختار الملك أنْ يتلقَّى الضربات بدلًا مِن أنْ يخضع لله. لقد رأى مملكته بأكملها تُعاني تحت وطأة تلك الضربات والأحكام المخيفة دون أنْ يبدو عليه الندم. ثمّ أرسل الربُّ ظلامًا على مصر. لم يكن الظلام مجرَّد حرمان الشعب مِن النور، بل كان الجوُّ خانقًا للغاية، بحيث صار مِن الصعب التنفُّس؛ ولكنَّ العبرانيِّين تمتَّعوا بجوٍّ نقيٍّ ونور في مساكنهم. SRAr 117.2

أنزل الله على مصر ضربة مُرعبة أخرى، وكانت أقسى وأكثر ضراوة مِن جميع سابقاتها. إنَّ الاعتراض على آخر طلب قدَّمه موسى أتى مِن طرف الملك وكهنة الأوثان. فالشعب المصريّ رَغِبَ في أن يُسمح للعبرانيِّين بأنْ يرحلوا عن مصر. أخبر موسى فرعون وشعب مصر، وبني إسرائيل أيضًا، بالضربة الأخيرة وبطبيعتها وأثرها. تأسَّست فريضة الفصح في تلك الليلة الرهيبة للغاية بالنسبة للمصريِّين والمجيدة للغاية بالنسبة لشعب الله. SRAr 117.3

كان مِن الصعب جدًّا أنْ يخضع ملك مصر والشعب المُتكبِّر والوثنيّ لمطالِب إله السماء. كان خضوع ملك مصر سيتمُّ بشكل بطيء للغاية. فعندما كانت تسقط عليه أقسى الويلات كان يخضع قليلًا؛ ولكنْ عندما كانت تُرفع الضربات، كان يسحب كلَّ ما كان قد منحه. وهكذا، أتت على مصر ضربة تلو الأخرى، ولم يخضع الملك إلَّا بإجباره على الخضوع عن طريق ويلات غضب الله المخيفة. وقد استمرَّ الملك في تمرُّده حتَّى بعد خراب مصر. SRAr 118.1

أخبر موسى وهارون فرعونَ بطبيعة وتأثير كلِّ ضربة كانت ستأتي إثر رفضه السماح للإسرائيليِّين بالرحيل. وكان يرى في كلِّ مرَّة تلك الضربات تحدث تمامًا كما قيل له؛ ومع ذلك لم يخضع. في البداية، كان يسمح لهم فقط بأنْ يقدِّموا ذبائحهم لله في أرض مصر؛ ثمَّ بعد أنْ قاست مصر الكثير مِن غضب الله، سمح فقط للرجال بأن يذهبوا. وبعد أنْ كادت مصر تلاقي دمارًا شاملًا مِن جرَّاء ضربة الجراد، سمح لأبنائهم وزوجاتهم أيضًا بأنْ يذهبوا، لكنَّه لم يسمح لهم بأنْ يذهبوا بماشيتهم. عندئذ أخبر موسى الملك بأنَّ ملاك الله سيقتل كلَّ بكر مِن أبناء المصريِّين. SRAr 118.2

إنَّ كلَّ ضربة كانت أكثر قربًا مِن فرعون وأكثر قسوة مِن سابقتها، وهذه الضربة ستكون أكثر قسوة مِن كلِّ ما سبقها. لكنَّ الملك المتعجرف استشاط غضبًا، ولم يتواضع أو يخضع. وعندما رأى المصريُّون الاستعدادات الكبيرة التي كانت تجري بين بني إسرائيل لأحداث تلك الليلة المُرعبةِ، سخروا مِن علامة الدم المرشوش على عتبات أبوابهم. SRAr 118.3