قِصَّة الفداء

49/229

بنو إسرائيل يتأثَّرون بمحيطهم

عَلِمَ المصريُّون بما كان بنو إسرائيل يترقَّبون حدوثه، وسخروا مِن آمالهم في النجاة، وتكلَّموا بازدراء عن قُدرة إلههم. لقد وجَّهوا نظرهم إلى حالهم باعتبارهم أمَّة عبيد، وجعلوا يعايرونهم قائلين: «لو كان إلهكم عادلًا ورحيمًا ويفوق آلهة المصريِّين في القدرة، فلماذا لم يجعلكم أمَّة مِن الأحرار؟ لما لا يُظهر عظمته وقدرته، ولا يرفع مِن شأنكم؟». SRAr 113.3

ثُمَّ وجَّه المصريُّون انتباه بني إسرائيل إلى حالتهم كشعب، حيث كانوا يعبدون آلهة بمحض اختيارهم، وهي كانت آلهةً اعتبرها الإسرائيليُّون كاذبة ومُزيَّفة. قالوا بكلِّ ابتهاج أنَّ آلهتهم هي التي جلبت لهم النجاح ومنحتهم الطعام واللباس والغنى الوفير، وأنَّ آلهتهم قد أسلمَت الإسرائيليِّين بين أيديهم ليكونوا خدَّامًا لهم، وأنَّ لديهم القدرة على إذلالهم وإهلاكهم حتَّى لا يكونوا شعبًا فيما بعد. لقد سخروا مِن فِكرة أنْ يتمكَّن العبرانيُّون مِن النجاة مِن العبوديَّة. SRAr 114.1

تباهى فرعون بأنَّه يريد أنْ يرى إله بني إسرائيل وهو ينقذهم مِن بين يديه. لقد حطَّمت هذه الكلمات آمال كثيرين مِن بني إسرائيل، وظهر الوضع لهم تمامًا كما صوَّره الملك ومستشاروه. كانوا يعلمون بأنَّهم يُعامَلون مُعاملة العبيد، وكان لا بدَّ لهم مِن أنْ يتحمَّلوا كلَّ ما أراد مسخِّروهم وحُكَّامهم أنْ يوقعوه عليهم مِن اضطهاد. كان أولادهم الذكور قد قُتِلوا وطُورِدوا. كما أنَّ حياتهم نفسها كانت عبئًا ثقيلًا، وكانوا يؤمنون بإله السماء ويعبدونه. SRAr 114.2

ثمَّ قارنوا حالهم بحال المصريِّين. لم يكن المصريُّون يؤمنون البتَّة بالإله الحيِّ الذي له القدرة على الإهلاك والخلاص. بعضهم كان يعبد الأوثان والمصوَّرات المصنوعة مِن الخشب أو الحجر، بينما اختار آخرون عبادة الشمس والقمر والنجوم؛ ومع ذلك فقد كانوا أمَّة غنيَّة ومُزدَهِرة. وبعض العبرانيِّين اعتقدوا أنَّه إذا كان الله فوق كلِّ الآلهة فهو لم يكن ليتركهم عبيدًا لأمَّة تعبد الأوثان. SRAr 114.3

أدرك خُدَّام الله الأمناء أنَّ الرَّبَ سمح لهم بأنْ يذهبوا إلى مصر بسبب عدم أمانتهم لله كشعب وميلهم للتزاوج مع الأمم الأخرى، وهذا ما قادهم إلى الوثنيَّة. وأكَّدوا لإخوتهم بكُلِّ ثقة أنَّ الله سيُخرجهم مِن مصر وسيكسر نير عبوديَّتهم عن قريب. SRAr 114.4

كان الوقت قد حان ليستجيب الله لصلوات شعبه المقهور، وليُخرجهم مِن مصر مِن خلال استعراض هائل لقوَّته حتَّى يكون المصريُّون مرغمين على الاعتراف بأنَّ إله العبرانيِّين، الذي أبغضوه، هو فوق جميع الآلهة. وهو الآن سيُعاقبهم على وثنيَّتهم وكبريائهم وتفاخرهم بالبركات التي أعطتها لهم آلهتهم العديمة الإحساس. سيُمجِّد الله اسمه لكي تسمع الأمم الأخرى بقوَّته وترتعد مِن عَظمة أعماله، وهكذا يرجع شعبه بالكامل عن وثنيَّتهم ويُقدِّمون له عبادة طاهرة إذ يشهدون أعماله العجيبة. SRAr 115.1

لقد أظهر الله، مِن خلال إنقاذ إسرائيل مِن مصر، رحمته المميَّزة لشعبه أمام جميع المصريِّين بكلِّ جلاء. رأى الله، بسابِق علمه، أنَّه مِن المُناسِب أنْ ينفِّذ أحكامه على فرعون ليعرف أنَّ قوَّة الله تفوق كلَّ ما عداها، وذلك مِن خلال اختبار مُرٍّ ومؤلم، حيث إنَّه لن يقتنع بأيَّة وسيلة أخرى. سيُقدِّم الله لكلِّ الأمم برهانًا نموذجيًا وإيضاحيًّا لا لبس فيه على قُوَّته الإلهية وعدالته حتَّى يُعْلَن اسمه في المسكونة كلِّها. كان قصد الله أنْ يقوم استعراض قوَّته هذا بتقوية إيمان شعبه وأنْ تعبده الأجيال القادمة بثبات وأمانة، هو وحده الذي أجرى لأجلهم عجائب رحمته. SRAr 115.2

بعد أنْ أمرَ فرعون الناسَ بصنع قوالب اللبن بدون أنْ يحصلوا على القشِّ (التبن)، أعلن موسى لفرعون أنَّ الله الذي يدَّعي فرعون عدم معرفته سيجبره على أنْ يخضع لمطالبه ويعترف بسلطته كحاكم أسمى. SRAr 115.3