قِصَّة الفداء

202/229

٥٤ - رسالة الملاك الثَّالث

عندما دخل المسيح قدس الأقداس في المقدس السماويّ ليُنجز عمل الكفَّارة الختاميّ، عَهدَ إلى خُدَّامه بآخر رسالة رحمة يمكن أنْ تُقدَّم إلى العالَم. هذا هو إنذار الملاك الثالث في رؤيا يوحنَّا ١٤. وبعد إعلانها مُباشرة يرى النبيُّ ابن الإنسان آتيًا في مجده ليجمع حصاد الأرض. SRAr 379.1

وكما سبق وأنبأت به الأسفار المقدَّسة، فإنَّ خدمة المسيح في قدس الأقداس ابتدأت عند ختام الأيَّام النبويَّة في عام ١٨٤٤. وهذا ما تنطبق عليه كلمات الرائي: «وَانْفَتَحَ هَيْكَلُ اللهِ فِي السَّمَاءِ، وَظَهَرَ تَابُوتُ عَهْدِهِ فِي هَيْكَلِهِ» (رؤيا يوحنَّا ١١: ١٩). يوجد تابوت عهد الله في المسكن الثاني مِن المَقدِس. وإذ دخل المسيح إلى هناك ليشفع لأجل الخطاة، انفتح الهيكل الذي في الداخل وظهر تابوت عهد الله. لقد أعلِنَ مجد الله وقدرته لأولئك الذين شاهدوا المُخلِّص بالإيمان وهو يقوم بعمله الشفاعيّ. وإذ ملأت أذيال مجده الهيكلَ، سطع على شعبه المنتظر على الأرض نورٌ مِن قدس الأقداس. SRAr 379.2

لقد اتَّبعوا بالإيمان رئيس كهنتهم مِن القدس إلى قدس الأقداس، ورأوه يتوسَّل باستحقاق دمه أمام تابوت عهد الله. وفي داخل ذلك التابوت المقدَّس كانت هناك شريعة الآب نفسها التي تكلَّم بها الله مِن وسط رعود سيناء وكتبها بإصبعه على لوحَي الحجر. لم تُلغَ وصيَّة واحدة؛ ولم يتغيَّر حرف أو نُقطة. وفي حين أعطى الله نسخة مِن شريعته إلى موسى، فقد احتفظ بالأصل العظيم في المقدس الأعلى. وإذ تتبَّع الباحثون عن الحقِّ أثر الوصايا المقدَّسة، وجدوا الوصيَّة الرابعة في قلب الوصايا العشر كما أعلِن عنها منذ البدء: «اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ، وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. لاَ تَصْنَعْ عَمَلاً مَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ الَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ. لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ. لِذلِكَ بَارَكَ الرَّبُّ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدَّسَهُ» (خروج ٢٠: ٨-١١). SRAr 379.3

إنَّ روح الله قد عمل في قلوب تلاميذ كلمته أولئك، فأجبِرُوا على الاقتناع بأنَّهم في جهلهم قد تعدّوا الوصيَّة الرابعة مِن خلال إهمالهم حفظ يوم راحة الخالق. وهكذا بدأوا يفحصون أسباب حفظ اليوم الأوَّل مِن الأسبوع بدلًا مِن اليوم الذي قدَّسه الله. ولم يستطيعوا أنْ يجدوا في الكتاب برهانًا على أنَّ الوصيَّة الرابعة قد ألغِيت أو أنَّ يوم السبت قد تغيَّر؛ والبركة التي بها قُدِّس اليوم السابع لم تُنزَع عنه أبدًا. كانوا يطلبون بكلِّ أمانة أنْ يعرفوا مشيئة الله ويعملوها، فإذ وجدوا الآن أنَّهم كانوا مُتعدِّين على شريعته، ملأ الحزن قلوبهم وأعلنوا في الحال ولاءهم لله مِن خلال حفظ سبته المُقدَّس. SRAr 380.1

وقد بُذِلَت جهود كثيرة وجادَّة لهدم إيمانهم، وما كان بإمكان أحد إلَّا أنْ يفهم أنَّه إذا كان المَقدِس الأرضيّ صورة ومثالًا للمَقدِس السماويِّ، فالشريعة المحفوظة في التابوت على الأرض كانت هي صورة طبق الأصل عن الشريعة التي في التابوت في السماء، وأنَّ قبول الحقِّ الخاصِّ بالمَقدِس السماويّ يتضمَّن اعترافًا بمطالب شريعة الله والالتزام بحفظ السبت المذكور في الوصيَّة الرابعة. SRAr 381.1

وقد وجد الذين قبلوا النور الخاصَّ بشفاعة المسيح ودوام شريعة الله أنَّ هذه كانت الحقائق المقدَّمة في الرسالة الثالثة. لقد أعلن الملاك قائلًا: «هُنَا صَبْرُ الْقِدِّيسِينَ. هُنَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ وَإِيمَانَ يَسُوعَ» (رؤيا يوحنَّا ١٤: ١٢). إنَّ هذه الرسالة قد سُبِقَت بإنذار خطير ومُخيف: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْجُدُ لِلْوَحْشِ وَلِصُورَتِهِ، وَيَقْبَلُ سِمَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ أَوْ عَلَى يَدِهِ، فَهُوَ أَيْضًا سَيَشْرَبُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ اللهِ، الْمَصْبُوبِ صِرْفًا فِي كَأْسِ غَضَبِهِ» (رؤيا ١٤: ٩، ١٠). فلكي نفهم هذه الرسالة ينبغي علينا أنْ نفسِّر الرموز المُستعملة فيها. فما الذي يرمز إليه الوحش والصورة والسِّمة؟ مرَّة أخرى عاد الباحثون عن الحقِّ إلى دراسة النبوءات. SRAr 381.2