قِصَّة الفداء

192/229

نهضة دينيَّة عظيمة

وفي كلِّ مكان سُمِعَت الشهادة الفاحصة مُحذِّرة الخُطاة مِن أهل العالَم وأعضاء الكنائس لكي يهربوا مِن الغضب الآتي. وكما فعل يوحنَّا المعمدان، السابق للمسيح، كذلك وضع الكارزون الفأس على أصل الشجرة، وألحُّوا على الجميع أنْ يصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة. وكانت أقوالهم وتوسُّلاتهم المُثيرة على نقيض تأكيدات السلام والأمان التي كانت تُسمع مِن المنابر المشهورة، وأينما وصلت الرسالة، كانت تؤثِّر في الناس. SRAr 358.2

إنَّ شهادة الكتاب المُقدَّس البسيطة والمُباشرة، إذ أوصلها الروح القدس إلى القلوب، أحدثت في النفوس تبكيتًا شديدًا عجز الكثيرون عن مقاومته بشكل كامل. واستيقظ المعترفون بالديانة مِن طمأنينتهم الكاذبة. لقد رأوا ارتدادهم ومحبَّتهم للعالَم وعدم إيمانهم وكبريائهم وأنانيَّتهم. وكثيرون طلبوا الربَّ تائبين متذلُّلين. والعواطف التي ظلَّت لفترة طويلة مُتعلِّقة بالأرضيَّات أصبحت الآن مُتعلِّقة بالسماء. واستقرَّ روح الله عليهم، وبقلوب ليِّنة وخاضعة اشتركوا مع غيرهم في إطلاق هذه الصيحة: «خَافُوا اللهَ وَأَعْطُوهُ مَجْدًا، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ سَاعَةُ دَيْنُونَتِهِ» (رؤيا يوحنَّا ١٤: ٧). SRAr 358.3

وقد سأل الخُطاةُ وهم ينتحبون قائلين: «ماذا ينبغي أنْ أفعل لكي أخلص؟». والذين اتَّصفت حياتهم قبلًا بعدم الأمانة صاروا الآن راغبين في التعويض عمَّا اختلسوه. وكلُّ مَن عثروا على السلام في المسيح تاقوا إلى مقاسمة الآخرين هذه البركة. لقد رُدَّت قُلوب الآباء إلى أبنائهم وقلوب الأبناء إلى آبائهم. واكتُسِحَت حواجز الكبرياء والتكتُّم، وقدَّم كثيرون اعترافات مِن أعماق قلوبهم، وحاول أفراد العائلات تخليص الذين كانوا أقرب إليهم وأعزَّ على قلوبهم مِن الجميع. SRAr 359.1

وكثيرًا ما كانت تُسمع صلوات شفاعيَّة حارَّة. وفي كلِّ مكان كانت توجد نفوس في آلام نفسيَّة شديدة وهي تتوسَّل إلى الله. وكثيرون كانوا يقضون الليل بطوله مجاهدين في الصلاة طالبين الحصول على اليقين بأنَّ خطاياهم قد غُفرت، أو طالبين الهداية لأقربائهم أو جيرانهم. إنَّ ذلك الإيمان المُخلص الثابت قد نال غايته. لو أنَّ شعب الله داوَموا على الصلاة المُلحَّة على هذا النحو وقدَّموا طلباتهم أمام عرش الرحمة، لكان لهم اختبار أغنى ممَّا لهم الآن. وتكاد تكون الصلاة والتبكيت الحقيقيّ على الْخَطِيَّةِ منعدمين؛ كما أنَّ الافتقار إلى الإيمان الحيِّ يجعل الكثيرين منَّا محرومين مِن النعمة التي يقدِّمها فادينا الكريم بكلِّ غنى. SRAr 359.2

تقاطَر الناس مِن كلِّ الطبقات لحضور اجتماعات الأدفنتست. فالأغنياء والفقراء والأعلون والأدنون كانوا ــ لأسباب مختلفة ــ مُشتاقين لأنْ يسمعوا بأنفسهم تعليم المجيء الثاني. لقد أوقف الربُّ روحَ المقاوَمة عندَ حدِّها بينما كان عبيده يشرحون للناس أسباب إيمانهم. وفي بعض الأحيان كانت الأداة ضعيفة؛ لكنَّ روح الله كان يمنح قوَّةً لِحقِّه. وفي هذه الاجتماعات كان الناس يُحِسُّون بحضور الملائكة القدِّيسين، فكان كثيرون ينضمُّون إلى المؤمنين كلّ يوم. وعندما تُردَّد البراهين التي تشير إلى قُرب مجيء المسيح، كانت جماهير غفيرة تصغي إلى الأقوال المهيبة في سكوتٍ تامّ. وقد بدا وكأنَّ السماء والأرض تقاربتا. وأحسَّ الجميع بقوَّة الله على الكبار والصغار والمتوسِّطي الأعمار. وسار الناس إلى بيوتهم والتسبيح على شفاههم، وكانت أصوات الفرح تلك تشقُّ سكون نسيم الليل. لم يستطع أحد ممَّن حضروا هذه الاجتماعات نسيان مشاهد الاهتمام العميق هذه. SRAr 359.3