قِصَّة الفداء

191/229

٥٠ - رسالة الملاك الأوَّل

إنَّ النبوءة الخاصَّة برسالة الملاك الأوَّل، والتي تكشَّفت في سفر الرؤيا ١٤، وجدت إتمامها في الحركة المجيئيَّة بين السنوات ١٨٤٠-١٨٤٤. ففي كلٍّ مِن أوروبا وأمريكا ترك روحُ الربِّ في نفوس رجال الإيمان والصلاة أثرًا عميقًا، إذ لفت انتباههم إلى دراسة النبوءات. وهكذا، فإذ تتبَّعوا التاريخ الموحى به، رأوا بُرهانًا مُقنِعًا على أنَّ نهاية كلِّ شيء قد اقتربت. حثَّ روح الله خدَّامه على أنْ يُقدِّموا الإنذار. فانتشرت في الأماكن البعيدة والقريبة رسالة البشارة الأبديَّة القائلة: «خَافُوا اللهَ وَأَعْطُوهُ مَجْدًا، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ سَاعَةُ دَيْنُونَتِهِ» (رؤيا يوحنَّا ١٤: ٧). SRAr 356.1

وفي كلِّ مكان وصل إليه المُرسلون في أنحاء المعمورة، أرْسِلَت بُشارة مجيء المسيح القريب. وفي بلاد مُختلفة وُجِدت جماعات نائية ومنعزلة مِن المسيحيِّين الذين توصَّلوا عن طريق دراسة الكتاب المُقدَّس إلى الإيمان بأنَّ مجيء المُخلِّص قد اقترب. في بعض أنحاء أوروبَّا، حيث كانت القوانين قمعيَّة لدرجة أنَّها منعت الكرازة بعقيدة المجيء، اندفع الأطفال الصغار ملزَمين بالروح لإعلان الخبر، وكثيرون أصغوا إلى ذلك الإنذار المهيب. SRAr 356.2

لقد أعطِيَ لِـ (وليم ميلر) وزملائه أنْ يبشِّروا بالرسالة في أمريكا، والنور الذي اشتعل مِن خلال عملهم أضاء حتَّى وصل إلى بلاد بعيدة. أرسلَ اللهُ ملاكَه ليعمل في قلب مُزارِع لم يكن يؤمن بالكتاب المُقدَّس وليقوده لفحص النبوءات. كانت ملائكة الله تزور ذلك الرجل المُختار مرَّات عديدة لترشد ذهنه وتفتح إدراكه ليفهم النبوءات التي ظلَّت قاتمة بالنسبة لشعب الله. لقد أعْطِيَت له أوَّل حلقة في سلسلة الحقِّ، ونال إرشادًا مكَّنه مِن البحث عن حلقة تلو الأخرى إلى أنْ نظر إلى كلمة الله بإعجاب وتقدير. وفيها رأى سلسلة متكاملة مِن الحقِّ. لقد انفتَحت أمامه الآن تلك الكلمة التي كان يعتبرها غير موحى بها، فرأى جمالها ومجدها. ولاحظ كيف أنَّ مقطعًا مِن الكتاب المُقدَّس يفسِّر آخر، وعندما كان يستغلق عليه فهم مقطع ما، كان يجد في جزءٍ آخر مِن الكلمة ما يُفسِّره. كان ينظر إلى كلمة الله المُقدَّسة بكلِّ فرح ويُكِنَّ لها أعمق الاحترام والتوقير. SRAr 356.3

وإذ تتبَّع مسار النبوءات أدرك أنَّ سكَّان الأرض كانوا يعيشون المشاهد الختاميَّة في تاريخ هذا العالَم؛ ومع ذلك فهم لم يعلموا بالأمر. نظرَ إلى الكنائس، فرأى فسادها؛ لقد نزعوا عواطفهم مِن يسوع ووضعوها في العالَم؛ كانوا يسعون وراء الكرامة العالميَّة بدلًا مِن الكرامة التي تأتي مِن فوق؛ وبذلك فهم كانوا يتمسَّكون بالثراء الدنيويّ بدلًا مِن أنْ يكنزوا لهم كنوزًا في السماء. لقد رأى الرياء والظلام والموت في كلِّ مكان، واحتدَّت روحه فيه. إنَّ الله دعاه ليترك مزرعته مثلما دعا أليشع ليترك ثيرانه وحقله ويتبع إيليَّا. SRAr 357.1

ابتدأ وليم ميلر يكشف للناس بكلِّ رعدة أسرار ملكوت الله، حيث حمل سامعيه عبر النبوءات إلى المجيء الثاني للمسيح. إنَّ شهادة الأسفار المُقدَّسة التي تشير إلى مجيء المسيح سنة ١٨٤٣ أيقظت اهتمامًا واسعًا. وقد اقتنع الكثيرون بصحَّة البراهين المأخوذة مِن الفترات النبويَّة، وإذ ضحّوا بكبرياء التشبُّث بآرائهم قَبِلوا الحقَّ بكلِّ سرور. بعض الخُدَّام تخلُّوا عن وجهات نظرهم ومشاعرهم الطائفيَّة، وتركوا رواتبهم وكنائسهم، واتَّحدوا مع غيرهم في الإعلان عن مجيء يسوع. SRAr 357.2

ومع ذلك، فقد كان يوجد قليلون مِن الخُدَّام الذين قبلوا هذه الرسالة؛ ولهذا فقد سُلِّمَت الرسالة بالأكثر إلى العلمانيِّين البسطاء. لقد ترك المزارعون حقولهم والميكانيكيُّون آلاتهم والتجار تجارتهم وأرباب المِهَن مراكزهم؛ ومع ذلك فقد كان عدد العاملين صغيرًا مقارنة بالعمل الذي كان ينبغي إتمامه. إنَّ حالة الكنيسة الآثِمة والعالَم الذي انغمس في الشرِّ أثقلت نفوس الحُرَّاس الأمناء، فاحتملوا بكلِّ سرور ورضا المشقّات والحرمان والآلام ليدعوا الناس للتوبة المؤدّية إلى الخلاص. وبالرغم مِن مقاومة الشيطان، فقد تقدَّم العمل بثبات إلى الأمام، وقَبِلَ الآلاف حقيقة المجيء. SRAr 358.1