قِصَّة الفداء
النطق بالحُكم
قدَّم يعقوب شهادته بعزم وتصميم معلنًا أنَّه كان في قصد الله أنْ يمنح الأمم نفس الامتيازات والبركات التي منحها لليهود. لقد رأى الروح القدس أنَّه ليس حسنًا أنْ تُفرض الشريعة الطقسيَّة على المُهتدين مِن الأمم؛ وهكذا رأى الرسلُ والشيوخُ المسألة أيضًا بعد أنْ قاموا بفحصها بتدقيق، وكان رأيهم مُتَّفقًا مع روح الله. وبما أنَّ يعقوب كان رئيسًا للمجمع، فكان قراره النهائيّ هو: «لِذلِكَ أَنَا أَرَى أَنْ لاَ يُثَقَّلَ عَلَى الرَّاجِعِينَ إِلَى اللهِ مِنَ الأُمَمِ» (أعمال الرسل ١٥: ١٩). SRAr 307.3
لقد حكم يعقوب بأنَّه ينبغي ألَّا يُفرَض على الأمم الناموس الطقسيُّ ــ وعلى الخصوص فريضة الختان ــ أو أنْ يُوصَوا بحفظه. وقد حاول يعقوب أنْ يطبع على عقول إخوته حقيقة أنَّ الأمم بتحوُّلهم مِن عبادة الأوثان إلى عبادة الله، قد حدث في إيمانهم تغيير عظيم؛ وينبغي توخِّي الحذر الشديد لئلَّا يزعجهم أحد بمسائل مُربِكة ومشكوك فيها لئلَّا تخور قواهم ويفشلوا في اتِّباع المسيح. SRAr 308.1
ومع ذلك، فقد كان على الأمم أنْ يمتنعوا عن العادات التي تتعارض مع آراء إخوتهم اليهود، أو التي يمكن أن تخلق في عقولهم التعصُّب والتَّحيُّز ضدَّهم. ولذلك فقد أجمع الرسل والشيوخ على أنْ يوصوا الأمم عن طريق رسائل يرسلونها إليهم بالامتناع عن أكل ما ذُبِح للأوثان وعن الزنا والمخنوق والدم. وكان يجب توصيتهم بأنْ يحفظوا الوصايا ويعيشوا عيشة مقدَّسة. وقد أكَّدوا للأمم بأنَّ الرجال الذين أعلنوا لهم بأنَّهم ملزمون بالختان، لم يتلقّوا تفويضًا مِن الرسل بذلك. SRAr 308.2
وامتدح الرسل لهم بولس وبرنابا باعتبارهما رجلين قد بذلا نفسيهما وخاطرا بحياتهما لأجل الربِّ. أرسِلَ يهوذا وسيلا مع هذين الرسولين ليخبرا الأمم شفاهًا بحكم المجمع. وقد أرسِلَ خدَّام الله الأربعة إلى أنطاكية ومعهم الخطاب والرسالة التي وضعت حدًّا ونهاية لكلِّ المجادلات؛ لأنَّها كانت صادرة عن أعلى سُلطة على الأرض. SRAr 308.3
وقد كان المجمع الذي أصدر حكمه في هذه القضيَّة مكوَّنًا مِن الذين كان لهم الفضل في تأسيس الكنائس المسيحيَّة مِن اليهود والأمم. وكان حاضرًا في ذلك المجمع شيوخ مِن أورشليم ومندوبون مِن أنطاكية، وكانت أعظم الكنائس تأثيرًا مُمثَّلة في المجمع. لم يدَّعِ المجمع العصمة مِن الخطأ في المداولات، ولكنَّه كان يسير في أعماله بموجب الحكم النيِّر وعظمة الكنيسة التي أقامها الله بحسب مشيئته. لقد رأوا بأنَّ الله نفسه أجاب عن تلك المسألة كونه قد أعطى الروح القدس للأمم، وكان عليهم أنْ يتبعوا إرشاد الروح. SRAr 308.4
لم يُدعَ كلُّ أعضاء الكنائس المسيحيَّة ليُبدوا رأيهم في تلك المسألة. ولكنَّ الرسل والشيوخ والرجال ذوي النفوذ والحكم الصائب، هم الذين صاغوا ذلك الحكم وبعثوا به، ولذلك فقد أجمعت الكنائس المسيحيَّة على قبوله. ومع ذلك فلم يكن الجميع راضين عنه؛ فلقد كان هناك حزب مِن بعض الإخوة الكذبة الذين ادَّعوا بأنَّهم يقومون بالعمل على مسؤوليَّتهم. وقد أمعنوا في التذمُّر والكشف عن أخطاء غيرهم، وكانوا يقترحون خططًا جديدة ويحاولون هدم ما أنجزه الرجال ذوي الخبرة الذين أقامهم الله ليعلِّموا الناس تعاليم المسيح. وكان على الكنيسة أنْ تواجه مِثل هذه العقبات منذ البداية، وسيظلُّ الحال هكذا إلى نهاية الزمان. SRAr 309.1