قِصَّة الفداء

160/229

أنقذه الملاك

في تلك الليلة الأخيرة قبل تنفيذ حكم الإعدام، أرسلت السماء ملاكًا قويًّا لينزل ويُنقذ بطرس، فانفتحت ــ مِن دون تدخُّل إنسان ــ الأبواب القويَّة التي كان قدِّيس الله محبوسًا خلفها؛ وقام ملاك العليِّ بالمرور مِن خلالها، ثمَّ انغلقت ثانية خلفه دون أدنى ضجيج. ودخل الزنزانة المنحوتة في الصخر، وهُناك وجد بطرس مُستلقيًا نائمًا نوم الاطمئنان الناشئ عن البراءة والثقة الكاملة في الله، بينما كان مُقيَّدًا بقيود ربطته بحارسَين قويَّين على جانبيه. استنار السجن بالنور المحيط بالملاك، ولكنَّ ذلك النور لم يوقظ الرسول النائم. إنَّه النوم العميق الذي يُنعش ويُجدِّد، وهذا ينتج عن ضمير صالح. SRAr 294.3

لم يستيقظ بطرس إلى أنْ أحسَّ بلمسة يد الملاك وسمع صوته يقول له: «قُمْ عَاجِلًا!” (أعمال الرسل ١٢: ٧). رأى زنزانته التي لم تنعم أبدًا بأشعَّة الشمس وقد غمرها نور السماء وملاكًا واقفًا قبالته بمجد عظيم. وها هو بطرس يطيع بحركة تلقائيَّة صوت الملاك؛ وإذ ينهض رافعًا يديه، يجد أنَّ السلسلتين قد كُسرتا مِن معصمَيه. ومرَّة أخرى يسمع صوت الملاك قائلًا: «تَمَنْطَقْ وَالْبِسْ نَعْلَيْكَ» (أعمال الرسل ١٢: ٨). SRAr 295.1

مرَّة أخرى يطيع بطرس بطريقة تلقائية مُثبِّتًا نظراته المُتسائلة في زائره السماويّ، وهو يظنُّ أنَّه يحلم أو يرى رؤيا. وقف الجنود المسلَّحون جامدين في أماكنهم كأنَّهم قد نُحتوا مِن الرُّخام، ومرَّة أخرى يُصدر الملاك أمره قائلًا: «الْبَسْ رِدَاءَكَ وَاتْبَعْنِي” (أعمال الرسل ١٢: ٨). عند ذلك، تحرَّك الكائن السماويُّ صوب الباب، وتبعه بطرس الذي كان ثرثارًا كعادته، أمَّا الآن فقد عقدت الدهشة لسانه. تجاوزا الحرس الجامدين ووصلا إلى الباب الموصد بمزاليج ثقيلة والذي انفتح لهما مِن ذاته، ثمَّ انغلق ثانية في الحال؛ فيما كان الحُرَّاس في الداخل والخارج يقفون في أماكن حراستهم بدون أدنى حركة. SRAr 295.2

وبعد ذلك، وصلا إلى الباب الثاني الذي كان عليه أيضًا حرَّاس يحرسونه مِن الداخل والخارج؛ وقد فُتِح لهما كما انفتح الباب الأوَّل بدون صرير أو ضوضاء قد تُصدِرها المزاليج الحديديَّة؛ وقاما بالمرور عبره، وانغلق ثانية بلا ضجَّة. وبنفس الطريقة اجتازا مِن خلال الباب الثالث، وأخيرًا وجدا نفسيهما في الشارع الخارجيّ. لم تُسمع كلمة واحدة؛ ولم يشعر أحد بوقع أقدامهما؛ تقدَّم الملاك أمامه مُحاطًا بنور يُبهر الأنظار، أمَّا بطرس الذي استولت عليه الدهشة والحيرة فقد تبع منقذه وهو ما يزال يعتقد بأنَّه يحلم. وهكذا عبرا شارعًا تلو الآخر، وإذ انتهت مهمَّة الملاك، اختفى فجأة. SRAr 295.3

وإذ اختفى النور السماويّ، أحسَّ بطرس بالظلام الدامس مِن حوله؛ ولكنْ عندما اعتادت عيناه على الظلام خفَّ سواده، ووجد نفسه وحيدًا في ذلك الشارع الساكن ونسيمُ الليل البارد يُداعِب جبهته. لقد أدرك الآن أنَّ ما أصابه لم يكن حُلمًا أو رؤيا. لقد صار حُرًّا طليقًا في حيٍّ مألوفٍ مِن أحياء المدينة؛ وكان يعرف ذلك المكان معرفة جيِّدة إذ كثيرًا ما كان يزوره، وكان ينتظر أنَّه سيمرُّ فيه في الغد لآخر مرَّة عندما كان سيُساق إلى مكان إعدامه. حاول أنْ يسترجع إلى ذاكرته أحداث الدقائق الأخيرة، فتذكَّر أنَّه كان قد نام وهو موثق بين جنديَّين بعد أنْ خلع نعليه وثيابه. فراح يتحسَّس جسمه ليجد أنَّه كان لابسًا حزامه وكلَّ ملابسه. SRAr 296.1

كان معصماه متورِّمين مِن أثر الحديد القاسي الذي كان فيهما، وقد تحرَّرا الآن مِن القيود، وتأكَّد مِن أنَّ حُرِّيته لم تكن خداعًا أو تضليلًا، بل حقيقة واقعة مُباركة. في صبيحة اليوم التالي كان سيُساق ليلقى حتفه؛ ولكنْ، هوذا ملاك قد أنقذه مِن السجن والموت. «الآنَ عَلِمْتُ يَقِينًا أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَنِي مِنْ يَدِ هِيرُودُسَ، وَمِنْ كُلِّ انْتِظَارِ شَعْبِ الْيَهُودِ» (أعمال الرسل ١٢: ١١). SRAr 296.2