قِصَّة الفداء

159/229

٤٠ - نجاة بطرس مِن السجن

يعتمد هذا الفصل على ما جاء في سِفر أعمال الرسل ١٢: ١-٢٣.

كان هيرودس يُجاهر باهتدائه الجديد إلى الإيمان اليهوديّ، وكان حسب الظاهر غيُّورًا في حفظ طقوس الشريعة. كانت إدارة اليهوديَّة بين يديه وخاضعة لحكم كلاوديوس الإمبراطور الرومانيّ؛ وكان هيرودس أيضًا واليًا على الجليل. وتطلّع هيرودس بشوق ليخطب ودَّ اليهود ويكسب رضاهم آملًا أنَّ هذا سيجعله يحتفظ بوظائفه وألقاب الشرف التي كانت له. ولذلك بدأ في تنفيذ رغبات اليهود باضطهاد كنيسة المسيح. وقد ابتدأ عمله بتدمير بيوت المؤمنين وإفساد أمتعتهم؛ ثمَّ ابتدأ في إلقاء قادتهم في السجن. وقبض على يعقوب وألقاه في السجن، ثمَّ أرسل سيَّافًا وقتله، تمامًا كما فعل هيرودس آخر مِن قبله حيث قطع رأس النبيّ يوحنَّا المعمدان. ثمَّ ازدادت جرأته إذ رأى أنَّ اليهود قد سُرّوا كثيرًا بأعماله، فألقى القبض على بطرس. وقد ارتُكِبت أعمال القسوة والوحشيَّة تلك أثناء الاحتفال بعيد الفصح المُقدّس. SRAr 292.1

وقد صفَّق الشعب لِقيام هيرودس بقتل يعقوب، مع أنَّ بعضهم تذمَّروا واشتكوا لكونه قد قتله في خفية، قائلين أنَّه لو تمَّ تنفيذ ذلك الإعدام على الملأ لكان كفيلًا بأنْ يلقي الرعب في قلوب جميع المؤمنين والمتعاطفين معهم. فلأجل هذا ألقى هيرودس ببطرس في السجن مزمعًا أنْ يُشبع نَهَم الشعب إلى رؤية مشهد قتله على مسمع الناس ومرآهم. ولكن اقترح البعض على الحاكم أنَّ إخراج الرسول المُحنَّك ليُقتل أمام كلِّ الشعب المجتمع في أورشليم لإحياء عيد الفصح لن يكون مأمون العاقبة، إذ كان يُخشى أنْ يُثير مظهره الجليل عطف الشعب واحترامهم؛ وكانوا يخشون أيضًا أنْ يلقي بطرس خطابًا مِن خطاباته القويَّة التي سبق أنْ أيقظت الشعب ليقوموا بالبحث والاستقصاء في حياة يسوع المسيح وصفاته، تلك الخطابات التي لم يستطيعوا بكلِّ حيلهم وحججهم أنْ يناقضوها أو يُفنِّدوها. وفي هذه الحالة، خشي اليهود أنْ يُطلَب مِن الملك إطلاق سراحه. SRAr 292.2

وفي حين أرجِئَ إعدام بطرس إلى ما بعد الفصح لأسباب وحجج مختلفة، فقد أتيحَ لكنيسة المسيح الوقت اللازم لفحص القلب والصلاة الحارَّة. كانت تختلط التوسُّلات القويَّة بالدموع والأصوام. وكان المؤمنون يصلُّون بلا انقطاع لأجل بطرس؛ لأنَّهم أحسّوا أنَّهم لا يستطيعون الاستغناء عنه في الخدمة المسيحيَّة؛ وشعروا بأنَّهم وصلوا إلى الحدِّ الذي فيه ستُباد كنيسة المسيح وتتلاشى ما لم يُقدِّم الله لهم عونًا خاصًّا. SRAr 293.1

أخيرًا حُدِّد اليوم الذي سيتمُّ فيه قتل بطرس؛ ومع ذلك فقد كانت صلوات المؤمنين تصعد إلى السماء بلا انقطاع. وبينما كانوا يستجمعون كلَّ نشاطهم وعواطفهم في صلوات وتضرُّعات حارَّة، كانت ملائكة الله تحرس الرسول السجين. إنَّ أقصى درجات الشدَّة والخطورة التي يقع فيها الإنسان هي فُرصة الله السانحة. وُضِع بولس تحت حراسة عسكريَّين اثنين، وكان مُقيَّدًا بسلسلتين، حيث كانت كلُّ سلسلة منهما مُثبَّتة بمعصم أحدهما. ولهذا لم يستطع أنْ يتحرَّك دون علمهما. كانت أبواب السجن موصدة بكلِّ إحكام، وأمامها امتدَّت حراسة مشدَّدة. وهكذا انقطعت كلُّ فرصة للنجاة أو الهرب بالاعتماد على المعونة البشريَّة. SRAr 293.2

إنَّ الأوضاع التي أحاطت بالرسول لم تكن لتُرهبه. فمنذ عودته إلى سابق عهده بعد أنْ أنكر المسيح ظلَّ بكلِّ صلابة يواجه المخاطر ويُظهر شجاعة عظيمة وجُرأة في كرازته بالمُخلِّص المصلوب والمُقام والمُرتفع. لقد أدرك أنَّ الوقت قد حان الآن ليُقدِّم حياته لأجل المسيح. SRAr 294.1

كان بطرس نائمًا كالمعتاد بين الحارسَين في الليلة التي سبقت إعدامه. وإذ تذكَّر هيرودس حين هرب بطرس ويوحنَّا مِن السجن الذي كانا مُحتجزين فيه بسبب إيمانهما، ضاعف احتياطاته هذه المرَّة. ولكي يتأكَّد مِن بقاء الحُرَّاس في أعلى مستويات الحذر واليقظة، جعلهم مسؤولين عن سلامة السجين. كان بطرس سجينًا ــ كما ذُكِر سابقًا ــ في زنزانة منقورة في صخر عملاق، وكانت الأبواب منيعة وموصدة بكلِّ إحكام وعناية. وقع الاختيار على ستَّة عشر حارسًا لتأمين حراسة السجين، بحيث يتناوبون بصورة دوريَّة. وكانت كلُّ دوريَّة مكوَّنة مِن أربعة حُرَّاس في كلِّ نوبة مِن نوبات الحراسة. ولكنَّ الحرس الرومانيّ والمتاريس والمزاليج التي قضت بشكل فعَّال على كلِّ أمل في أنْ ينال السجين العون مِن البشر، كانت موجودة لِتُثْبِت كمال انتصار الله في إنقاذ بطرس مِن السجن. كان هيرودس يرفع يده ضدَّ القدير، وكان سيُصاب بإذلال وهزيمة ماحقتين في محاولته قتل خادم الله. SRAr 294.2