قِصَّة الفداء

145/229

رؤية المسيح

كان المشهد مِن أكثر المشاهِد تشويشًا. فرفاق شاول امتلأوا خوفًا، وكاد يعميهم لمعان النور الساطع. لقد سمعوا صوتًا ولكنَّهم لم يروا أحدًا، وبالنسبة لهم فقد كان الأمر غامضًا وغير مفهوم. أمَّا شاول، فإذ كان منطرحًا على الأرض، فَهمَ الكلام الذي قيل له، وبكلِّ جلاء رأى أمامه ابن الله. إنَّ نظرة واحدة إلى ذلك الكائن المجيد طبعت صورته إلى الأبد في نفس ذلك اليهوديّ المصعوق. وقد اخترقت تلك الكلمات شفاف قلبه بقوَّة مروِّعة. وانسكب فيض مِن نور في مخادع علقه المظلم كاشفًا له عن جهالته وخطئه. وقد رأى شاول الآن أنَّه، إذ كان يتصوَّر نفسه مُتحمِّسًا لخدمة الله عن طريق اضطهاد أتباع المسيح، كان في الحقيقة يقوم بعمل الشيطان. SRAr 269.2

لقد رأى جهالته في ثقته في تأكيدات الكهنة والرؤساء الذين تمكَّنوا بفضل مناصبهم المقدَّسة مِن التأثير على عقله تأثيرًا عظيمًا، وجعلوه يعتقد بأنَّ قصَّة القيامة كانت اختلاقًا ماكرًا مِن صنع تلاميذ يسوع. أمَّا الآن، إذ وقف المسيح نفسه ظاهرًا أمام شاول، فالعظة التي ألقاها اسْتِفَانُوس عادت بقوَّتها إلى ذهنه. تلك الكلمات التي قال الكهنة أنَّها تجديف بدت له أنَّها عين الحقيقة. وفي ساعة الاستنارة الرائعة تلك، كان عقله يفكِّر بسرعة عظيمة. لقد تتبَّع نبوءات الكتاب المقدَّس عبر التاريخ، ورأى أنَّ رفض اليهود ليسوع وصلبه وقيامته وصعوده، كلُّها أمور كان الأنبياء قد سبق فأنبأوا بها وبرهنت على أنَّه هو المسيَّا الموعود به. لقد تذكَّر كلمات اسْتِفَانُوس: «هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً، وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ» (أعمال ٧: ٥٦)، وعَلِمَ بأنَّ ذلك الشهيد المُحتضر كان ينظر إلى مملكة المجد. SRAr 270.1

ما كان أعظم هذا مِن إعلان يراه مضطهِد المؤمنين! لقد أشرق في نفسه نورٌ جليٌّ، لكنَّه كان نورًا رهيبًا. عرف شاول الآن بكلِّ يقين أنَّ المسيح قد أتى إلى الأرض ليُتمّم إرساليَّته وأنَّه رُفِض وقاسى الإهانة وتمَّت محاكمته وصلبه على أيدي مَن قد أتى ليخلِّصهم. وعرف أيضًا أنَّه قد قام مِن الأموات وصعد إلى السماوات. في تلك اللحظة المُرعبة تذكَّر شاول كيف أنَّه وافق على قتل القدِّيس اسْتِفَانُوس، وكيف أنَّه كان الوسيلة التي تسبَّبت بموت الكثيرين مِن القدِّيسين الأفاضل بسبب الاضطهاد القاسي. SRAr 270.2

«فَقَاَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: ‹يَارَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟› فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: ‹قُمْ وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ›” (أعمال الرسل ٩: ٦). لم يتطرَّق إلى عقل شاول الشكُّ بأنَّ ذلك كان بالحقيقة يسوع الناصريّ الذي كلَّمه، وأنَّه كان بالحقيقة المسيَّا الذي ظلَّ الشعب ينتظرونه زمانًا طويلًا ليأتي تعزية لهم وفداءً. SRAr 270.3

بعد أن انسحب ذلك المجد الباهر ونهض شاول عن الأرض، وجد نفسه أعمى لا يُبصر. لقد كان بهاء مجد المسيح أعظم مِن أنْ تحتمله العيون البشريَّة. فلمَّا انسحب ذلك النور اكتنف عينيه ظلامُ الليل الدامس. وقد اعتقد بأنَّ هذا العمى هو قصاص مِن الله على اضطهاده القاسي لتلاميذ يسوع. وإذ كان يتلمَّس طريقه في ذلك الظلام المُخيف، قام رفاقه الخائفون المُتحيِّرون باقتياده بيده إلى دمشق. SRAr 271.1