قِصَّة الفداء

146/229

يُوجَّه إلى الكنيسة

جاءت الإجابة على سؤال شاول كما يلي: «قُمْ وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ» (أعمال الرسل ٩: ٦). لقد أرسل يسوع ذلك اليهوديَّ المتسائل إلى كنيسته، حيث أمكنه أنْ يحصل على معرفة ما توجَّب عليه فعله. لقد قام المسيح بعمليَّة الإعلان والتبكيت؛ والآن أصبح التائب في حالة تمكِّنه مِن أنْ يتعلَّم مِن الذين أقامهم الله لتعليم الحقِّ الإلهيّ. وهكذا أعطى يسوع موافقته على سُلطة كنيسته المنظَّمة، ووضع شاول في اتِّصال بممثِّليه على الأرض. إنَّ نور السماء حرم شاول مِن البصر، لكنَّ يسوع، الشافي الأعظم، لم يُعِد إليه البصر في الحال. إنَّ كلَّ البركات تفيض مِن المسيح، لكنَّه الآن أسَّس كنيسة لتمثِّله على الأرض، وإليها يرجع إرشاد الخاطئ التائب في طريق الحياة. والرجال أنفسهم الذين قصد شاول أنْ يُهلِكهم كان ينبغي أنْ يصيروا معلِّمين له في الديانة التي أبغضها واضطهدها. SRAr 271.2

لقد تعرَّض إيمان شاول لامتحان قاسٍ خلال ثلاثة أيَّام مِن الصلاة والصوم في بيت يهوذا في دمشق. كان أعمى تمامًا، وكان عقله في ظلام مُطبق فيما يتعلَّق بما كان مطلوبًا منه. لقد تمَّ إرشاده للذهاب إلى دمشق، حيث سيُقال له ما ينبغي عليه أنْ يفعل. وفي حيرته ويأسه صرخ إلى الربِّ بإخلاص. «وَكَانَ فِي دِمَشْقَ تِلْمِيذٌ اسْمُهُ حَنَانِيَّا، فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ فِي رُؤْيَا: ‹يَا حَنَانِيَّا!›. فَقَالَ: ‹هأَنَذَا يَارَبُّ›. فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: ‹قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى الزُّقَاقِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُسْتَقِيمُ، وَاطْلُبْ فِي بَيْتِ يَهُوذَا رَجُلاً طَرْسُوسِيًّا اسْمُهُ شَاوُلُ. لأَنَّهُ هُوَذَا يُصَلِّي، وَقَدْ رَأَى فِي رُؤْيَا رَجُلاً اسْمُهُ حَنَانِيَّا دَاخِلاً وَوَاضِعًا يَدَهُ عَلَيْهِ لِكَيْ يُبْصِرَ›” (أعمال الرسل ٩: ١٠-١٢). SRAr 271.3

لم يكد حنانيَّا يُصدِّق كلمات الملاك المُرسَل، لأنَّ الأخبار عن اضطهاد شاول المُرّ لقدِّيسي أورشليم انتشرت في كلِّ مكان. فتجرَّأ على الاعتراض قائلًا: «‹يَارَبُّ، قَدْ سَمِعْتُ مِنْ كَثِيرِينَ عَنْ هذَا الرَّجُلِ، كَمْ مِنَ الشُّرُورِ فَعَلَ بِقِدِّيسِيكَ فِي أُورُشَلِيمَ. وَههُنَا لَهُ سُلْطَانٌ مِنْ قِبَلِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُوثِقَ جَمِيعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِكَ›” (أعمال الرسل ٩: ١٣-١٤). لكنَّ الأمر الذي صدر إلى حنانيَّا كان قاطعًا: «اذْهَبْ! لأَنَّ هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ» (أعمال الرسل ٩: ١٥). SRAr 272.1

وامتثالًا لتوجيهات الملاك خرج حنانيَّا طالبًا الرجل الذي كان منذ عهد قريب ينفث تهديدًا وقتلًا على كلِّ مَن كانوا يؤمنون باسم يسوع. وخاطبه قائلًا: «‹أَيُّهَا الأَخُ شَاوُلُ، قَدْ أَرْسَلَنِي الرَّبُّ يَسُوعُ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جِئْتَ فِيهِ، لِكَيْ تُبْصِرَ وَتَمْتَلِئَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ›. فَلِلْوَقْتِ وَقَعَ مِنْ عَيْنَيْهِ شَيْءٌ كَأَنَّهُ قُشُورٌ، فَأَبْصَرَ فِي الْحَالِ، وَقَامَ وَاعْتَمَدَ» (أعمال الرسل ٩: ١٧-١٨). SRAr 272.2

وهنا يُقدِّم المسيح مِثالًا على أسلوبه في العمل لأجل خلاص الإنسان. كان يُمكنه أنْ يقوم بكلِّ هذا العمل لأجل شاول بشكل مباشر؛ لكنَّ هذا لم يكن يتَّفق مع خطَّته. فبركاته ينبغي أنْ تأتي عن طريق وسائله التي عيَّنها هو. كان على شاول أنْ يقوم بعمل شيء مِن ناحية اعترافه لأولئك الذين كان يفكِّر في إهلاكهم؛ وكان على الرجال الذين كرَّسهم الله للعمل بالنيابة عنه أنْ يقوموا بعمل جادّ ومُخلِص. SRAr 273.1

وهكذا صار شاول طالبًا يتعلَّم مِن التلاميذ. وهو يرى نفسه في ضوء الناموس خاطئًا. ويسوع، الذي كان شاول في جهالته قد اعتبره دجَّالًا، يراه الآن على أنَّه الأساس الذي بُنيت عليه ديانة شعب الله منذ أيَّام آدم ومُكمِّل الإيمان الذي ظهر الآن بكلِّ وضوح لبصيرته المُستنيرة؛ وأنَّه حامي الحقِّ ومُتمِّم النبوءات. كان بولس ينظر إلى يسوع في السابق على أنَّه كان يجعل شريعة الله عديمة القوَّة والتأثير؛ ولكنَّ الله عندما ألهب بإصبعه بصيرة شاول الروحيَّة، أدرك بأنَّ المسيح كان هو مُبدِع كلِّ نظام الذبائح اليهوديَّة؛ وأنَّه أتى إلى العالَم لأجل الغاية الصريحة التي هي تزكية شريعة أبيه؛ وأنَّ في موته التقى الرمز بالمرموز إليه. لقد رأى شاول نفسه رئيس الخطاة في ضوء الناموس الأدبيِّ الذي آمن به وكان يحفظه بكلِّ حماس. SRAr 273.2