قِصَّة الفداء

143/229

موت شهيد

وعند هذا الحدِّ جُنَّ جنون الكهنة والرؤساء مِن فرط الغضب. لقد كان تصرُّفهم أقرب إلى الوحوش الكاسرة منه إلى البشر، فهجموا على اسْتِفَانُوس وهم يصرُّون بأسنانهم، لكنَّه لم يرتعب؛ فقد كان يتوقَّع حدوث ذلك. كان وجهه هادئًا، وأشرق عليه نور ملائكيّ. ولم يرتعب مِن الكهنة الساخطين والرُّعاع الثائرين. «وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، فَرَأَى مَجْدَ اللهِ، وَيَسُوعَ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ. فَقَالَ: ‹هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً، وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ›” (أعمال الرسل ٧: ٥٥-٥٦). SRAr 265.2

إنَّ المنظر الذي أحاط باسْتِفَانُوس اختفى عن عينيه؛ وانفتحت أمامه أبواب السماء. وإذ نظر إلى الداخل، رأى مجد مساكن الله، كما رأى المسيح وكأنَّه قام للتوِّ عن عرشه ووقف مُستعدًّا لمُساندة خادمه الذي كان على وشك أنْ يموت شهيدًا مِن أجل اسمه. وإذ وصف اسْتِفَانُوس المشهد المجيد الذي كانت عيناه تشخصان إليه، لم يعد باستطاعة مضطهديه أنْ يحتملوا أكثر مِن ذلك، فسدُّوا آذانهم حتَّى لا يسمعوا كلامه وصاحوا بأصوات عالية وهجموا عليه بوحشيَّة وبنفسٍ واحدةٍ. «فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوس وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: ‹أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي›. ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: ‹يَارَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ›. وَإِذْ قَالَ هذَا رَقَدَ» (أعمال الرسل ٧: ٥٩-٦٠). SRAr 266.1

وسط عذابات هذا الموت القاسي، صلَّى هذا الشهيد الأمين ــ كما فعل معلِّمه الإلهيُّ ــ لأجل قاتليه. لقد طُلِبَ مِن الشهود الذين اتَّهموا اسْتِفَانُوس أنْ يكونوا أوَّل مَن يرميه بالحجارة. فخلع هؤلاء ثيابهم ووضعوها عند رجلَي شاول، الذي كان قد أدَّى دورًا ناشطًا في الخصومة وأعطى موافقته على موت السجين. SRAr 266.2

ولكنَّ استشهاد اسْتِفَانُوس أثَّر تأثيرًا عميقًا على كلِّ مَن شاهدوه. وقد كان تجربة قاسية على الكنيسة، ولكنْ كان مِن نتائجه اهتداء شاول واعتناقه الإيمان الجديد. ولم يكن بالإمكان أنْ يُمسح مِن ذاكرة شاول إيمانُ الشهيد وثباته والمجد الذي ظهر عليه. كما أنَّ ختم الله على وجهه، وكلماته التي لمست قلوب جميع الذين سمعوها ــ ما عدا أولئك الذين تقسَّت قلوبهم بمقاومة النور ــ بقيت راسخة في أذهان الحاضرين، وشهدت على صدق ما قد أعلنه. SRAr 266.3

إنَّ اسْتِفَانُوس لم يُحكَم عليه بحكم شرعيّ، بل أعطيَت رشوة كبيرة للسُّلطات الرومانيَّة كي لا تتقصَّى هذه القضيَّة. بدا شاول مُتشبِّعًا بغيرة مجنونة عند محاكمة اسْتِفَانُوس وموته. وبدا أنَّ غضبه قد ثار بسبب اقتناعه الدفين بأنَّ الله قد أكرم اسْتِفَانُوس بينما كان الناس يهينونه. SRAr 266.4

وقد ظلَّ شاول يضطهد كنيسة الله، ويتصيَّد المؤمنين، ويقبض عليهم في بيوتهم، ويُسلِّمهم إلى الكهنة والرؤساء ليُسجنوا ويُقتلوا. إنَّ غيرته في المُضيّ قُدمًا في الاضطهاد أرعبت المسيحيِّين الساكنين في أورشليم. ولم تبذل السُّلطات الرومانيَّة مجهودًا خاصًّا لإيقاف أعمال القسوة تلك، بل كانت تُناصر اليهود في الخفاء بهدف استمالتهم وكسب رضاهم. SRAr 267.1

إنَّ شاول المُتعلِّم كان أداة قويَّة في يد الشيطان لإتمام تمرُّده على ابن الله؛ لكنَّ سيِّدًا أقوى وأعظم مِن الشيطان كان قد اختار شاول ليأخذ مكان اسْتِفَانُوس الشهيد في الكرازة ويتألّم لأجل اسم المسيح. كان شاول رجلًا ذا مكانة عظيمة بين اليهود نظرًا لعلمه وغيرته في اضطهاد المؤمنين. ولم يُنتَخب ليصير عضوًا في مجلس السنهدريم إلَّا بعد موت اسْتِفَانُوس، وذلك تقديرًا للدور الذي لعبه في تلك المأساة. SRAr 267.2