قِصَّة الفداء
٣٦ - موت اسْتِفَانُوس
يعتمد هذا الفصل على ما جاء في سِفر أعمال الرسل ٦: ٨ ــ ٧: ٦٠.
كان اسْتِفَانُوس نشيطًا جدًّا في عمل الله، وقد جاهر بإيمانه بكلِّ جُرأة. «فَنَهَضَ قَوْمٌ مِنَ الْمَجْمَعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مَجْمَعُ اللِّيبَرْتِينِيِّينَ وَالْقَيْرَوَانِيِّينَ وَالإِسْكَنْدَرِيِّينَ، وَمِنَ الَّذِينَ مِنْ كِيلِيكِيَّا وَأَسِيَّا، يُحَاوِرُونَ اسْتِفَانُوس. وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُقَاوِمُوا الْحِكْمَةَ وَالرُّوحَ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِ» (أعمال الرسل ٦: ٩-١٠). إنَّ هؤلاء التلاميذ التابعين لكبار الحاخامات شعروا بالثقة مِن إحراز انتصار ميسور على اسْتِفَانُوس في جدال علنيّ لكونه ــ حسب زعمهم ــ غير متعلّم. ولكنَّه لم يتكلَّم بقوَّة الروح القدس وحسب، بل اتَّضح أمام جميع الحاضرين أنَّه كان تلميذًا للنبوءات ومتبحِّرًا في كلِّ ما يختصُّ بالشريعة. وقد دافع بكلِّ براعة عن الحقائق التي هبَّ لمناصرتها، وهزم خصومه هزيمة نكراء. SRAr 262.1
لقد امتلأ بالكراهية المُرَّة لاسْتِفَانُوس الكهنةُ والرؤساءُ الذين شاهدوا القوَّة العجيبة المُعلنة التي تجلَّت في خدمته. وبدلًا مِن أنْ يخضعوا لِثِقل الأدلَّة التي أوردها، صمَّموا على إسكات صوته بالقضاء عليه بالموت SRAr 262.2
وهكذا ألقوا القبض على اسْتِفَانُوس وأحضروه للمحاكمة أمام مجمع السنهدريم. SRAr 262.3
وقد دُعي علماء اليهود مِن البلدان المُجاورة لكي يُفنِّدوا الحجج التي سيُدلي بها المتَّهم وينقضوها. وكان حاضرًا أيضًا شاول الذي كان قد تميَّز بكونه مُقاومًا غيورًا ضدَّ تعاليم المسيح ومضطهِدًا لكلِّ مَن آمن به. وقد قام هذا الرجل المُتعلِّم بدور قياديّ في مقاومة اسْتِفَانُوس. واستخدم قوَّة فصاحة المعلِّمين ومنطقهم للتأثير على القضيَّة وإقناع الشعب بأنَّ اسْتِفَانُوس كان يُعلِّم تعاليم مخادعة وخطيرة. SRAr 262.4
لكنَّ شاول وجد في اسْتِفَانُوس إنسانًا على معرفة وعلمٍ عالٍ كعلمه هو، ووجد أنَّ اسْتِفَانُوس تمتَّع بفهم وإلمام كامل بقصد الله في نشر الإنجيل بين ربوع الأمم الأخرى. كان اسْتِفَانُوس مؤمنًا بإله إبراهيم وإسحق ويعقوب، وكان قد ترسَّخ فيه الاقتناع بما يتمتَّع به اليهوديُّ مِن امتيازات؛ لكنَّ إيمانه كان واسع الأفق، وكان يعلم بأنَّ الساعة قد أتت حين لن يكتفي المؤمنون الحقيقيُّون بالسجود في هياكل مصنوعة بأيدي البشر وحسب؛ ولكن سيمكنهم أنْ يعبدوا الله بالروح والحقِّ مِن خلال الكلمة. لقد سقطت الغشاوة عن عيني اسْتِفَانُوس وفطن إلى نهاية ذاك الذي أبْطِلَ بموت المسيح. SRAr 263.1
لم يستطع الكهنة والرؤساء أنْ يتغلَّبوا على حكمة اسْتِفَانُوس الواضحة والهادئة رغم عنفهم الشديد في مُعارضته. وقد عقدوا العزم على أنْ يمثِّلوا به، وبينما كانوا بذلك يُشبعون كراهيَّتهم وانتقامهم أرادوا في نفس الوقت أنْ يُخيفوا الآخرين ويمنعوهم مِن قبول عقيدته. كانت التهم تُثار ضدَّه بشكل مهيب للغاية. وقد دفعوا رشوة لشهود زور ليشهدوا بأنَّهم سمعوه يُجدِّف على الهيكل والناموس، قائلين «سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: ‹إِنَّ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ هذَا سَيَنْقُضُ هذَا الْمَوْضِعَ، وَيُغَيِّرُ الْعَوَائِدَ الَّتِي سَلَّمَنَا إِيَّاهَا مُوسَى›» (أعمال الرسل ٦: ١٤). SRAr 263.2
فإذ وقف اسْتِفَانُوس وجهًا لوجه أمام الذين كانوا يحاكمونه للدفاع عن تهمة التجديف، أشرق على وجهه نور مقدَّس. «فَشَخَصَ إِلَيْهِ جَمِيعُ الْجَالِسِينَ فِي الْمَجْمَعِ، وَرَأَوْا وَجْهَهُ كَأَنَّهُ وَجْهُ مَلاَكٍ» (أعمال الرسل ٦: ١٥). وكثيرون ممَّن أبصروا هذا النور على ملامح اسْتِفَانُوس ارتعدوا وغطّوا وجوههم، ولكنْ لم يتداعَ عدمُ إيمانهم العنيد ولا تردَّد تعصُّبُهم. SRAr 263.3