المُعلّم الأعظم

10/61

٤ - الــزَّوَان

(يعتمد هذا الفصل على ما جاء في متى ١٣: ٢٤-٣٠، ٣٧-٤٣).

« قَدَّمَ لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ قِائِلاً: يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ. وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى. فَلَمَّا طَلَعَ النَّبَاتُ وَصَنَعَ ثَمَرًا، حِينَئِذٍ ظَهَرَ الزَّوَانُ أَيْضًا » (متى ١٣: ٢٤-٢٦). COLAr 65.1

قال المسيح: « الْحَقْلُ هُوَ الْعَالَمُ » (عدد ٣٨). ولكن يجب أن نفهم هذا على أنه يشير إلى كنيسة المسيح في العالم. فالمثل هو وصف لما يختص بملكوت الله وعمله لخلاص الناس، وهذا العمل يتمّ عن طريق الكنيسة. نعم إنّ الرُّوح الْقُدُس قد خرج إلى كل العالم، وفي كل مكان يرف على قلوب الناس، إنّما في الكنيسة علينا أن ننمو وننضج لنوضع في مخزن الله. COLAr 65.2

« اَلزَّارِعُ الزَّرْعَ الْجَيِّدَ هُوَ ابْنُ الإِنْسَانِ … وَالزَّرْعُ الْجَيِّدُ هُوَ بَنُو الْمَلَكُوتِ. وَالزَّوَانُ هُوَ بَنُو الشِّرِّيرِ ». إنّ الزرع الجيد يمثل من قد ولدوا بكلمة الله. كلمة الحق. والزوان يمثل جماعة هم ثمرة أو تجسم الضلال، والمبادئ الكاذبة. « وَالْعَدُوُّ الَّذِي زَرَعَهُ هُوَ إِبْلِيسُ ». فلا الله ولا ملائكته زرعوا زرعاً يمكن أن يكون زواناً. إنّ الزوان هو ما يزرعه الشيطان دائما فهو عدو الله والإنسان. COLAr 65.3

في بلاد الشرق أحيانا كان إنسان ينتقم من عدوّ له بأن يبذر في حقوله المزروعة حديثاً بذار بعض الأعشاب الضارة. وإذ تطلع وتنمو تكون قريبة الشبه بالحنطة. وإذ تكبر مع الحنطة تضرّ بالمحصول وتجلب على صاحب الحقل الاضطراب والخسارة. وهكذا الشيطان بسبب عداوته للمسيح يبذر بذاره الشرير الضارّ بين البذار الجيد. بذار الملكوت. وهو ينسب ثمار ما قد زرعه إلى ابن الله. فإذ يدس في الكنيسة أولئك الذين يحملون اسم المسيح في حين أنّهم يتنكرون لصفاته فإنّ الشرير يقصد أن يهين الله ويشوّه عمل الخلاص بتعريض النفوس للخطر. COLAr 66.1

وخدام المسيح يحزنون إذ يرون المؤمنين الأمناء والكذبة مختلطين معا في الكنيسة. وهم يتوقون إلى عمل شيء لتنقية الكنيسة. وكعبيد رب البيت هم مستعدون أن يقتلعوا الزوان. ولكن المسيح يقول: « لاَ! لِئَلاَّ تَقْلَعُوا الْحِنْطَةَ مَعَ الزَّوَانِ وَأَنْتُمْ تَجْمَعُونَهُ. دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا إِلَى الْحَصَادِ. » COLAr 66.2

لقد علم المسيح بوضوح أنّ من يصرون على ارتكاب خطية علنية يجب أن يُفصلوا من الكنيسة، إلاّ أنّه لم يسند إلينا عمل الحكم على الأخلاق والبواعث. إنّه يعرف طبيعتنا جيدا بحيث لا يكِلُ إلينا هذا العمل. فلو حاولنا أن نقتلع من الكنيسة من نظن أنهم مسيحيون مزيَّفون فبالتأكيد سنخطئ. فنحن في غالب الأحيان قد نعتبر نفس الناس الذين يحاول المسيح أن يجتذبهم إليه أعضاء لا رجاء فيهم. فلو تعاملنا مع هذه النفوس بموجب حكمنا الناقص فقد يطفئ ذلك آخر رجاء لهم. إنّ كثيرين ممن يظنون أنفسهم مسيحيين سيوجدون ناقصين في النهاية. وكثيرون سيكونون في السماء ممن ظن جيرانهم أنهم لن يدخلوها. إنّ الإنسان يحكم حسب الظاهر أما الله فيدين القلب. سينمو الزوان والحنطة معا إلى الحصاد والحصاد هو انتهاء زمن النعمة. COLAr 66.3

ثمّ إنّ لنا في أقوال المُخَلِّص درسا آخر، درسا في الصبر العجيب والمحبة المشفقة. فكما أنّ جذور الزوان متداخلة ومضفورة مع جذور الزرع الجيد كذلك يمكن أنّ الإخوة الكذبة في الكنيسة يكونون مرتبطين بالتلاميذ الأمناء. إنّ الخلق الحقيقي لهؤلاء الذين يتظاهرون بالإيمان لن يُعلن كاملا، فلو فُصلوا من الكنيسة فقد يتعثّر آخرون الذين لولا هذا الإجراء لظلّوا ثابتين. COLAr 67.1

إنّ تعليم هذا المثل يبَّين معاملات الله للناس والملائكة. إنّ الشيطان مخادع ومخاتل. فعندما أخطأ في السماء فحتى الملائكة الباقون على ولائهم لله لم يعرفوا خُلقَه على حقيقته. وهذا هو السبب الذي لأجله لم يهلك الله الشيطان في الحال. فلو أهلكه حالا لما أدرك الملائكة القديسون عدالة الله ومحبته. والشك في صلاح الله كان يمكن أن يكون زرعا شريرا يثمر ثمرا مرُا من الخطية والشقاء. ولذلك فقد أبقى الله على أصل الشرّ لكي يظهر أخلاقه بالتمام. فمدى أجيال طويلة أحتمل الله عذاب رؤية عمل الشر، وقدَّم هبة جلجثة السرمدية مفضِّلاً هذا على أن يرى أي إنسان مخدوعاً بتمويهات الشرير، إذ لم يكن من الممكن اقتلاع الزوان بدون أن يتعرض الزرع الجيد الثمين لخطر القلع. أفلا يجب علينا أن نكون صبورين على بني جنسنا كما يصبر رب السماء والأرض على الشيطان؟ COLAr 67.2

لا حق للعالم في أن يشك في صدق المسيحية لأنَّه يوجد في الكنيسة أعضاء غير مستأهلين، ولا ينبغي للمسيحيين أن تضعف قلوبهم بسبب هؤلاء الإخوة الكذبة. كيف كانت الحال في الكنيسة الأولى؟ لقد انضم حنانيا وسفيرة إلى جمهور التلاميذ. وسيمون الساحر اعتمد. وديماس الذي ترك بولس كان محسوباً مؤمناً. ويَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ كان معدودا ضمن الرسل. إنّ الفادي لا يريد أن تهلك أو تضيع نفس واحدة، وقد سُجل اختباره مع يهوذا ليظهر طول أناته وصبره على الطبيعة البشرية الفاسدة، وهو يأمرنا أن نحتملها كما سبق هو فاحتملها. لقد قال إنّ الإخوة الكذبة سيوجدون في الكنيسة إلى انقضاء الدهر. COLAr 67.3

ولكن حاول الناس اقتلاع الزوان برغم إنذار المسيح. لقد لجأت الكنيسة إلى السلطات المدنية لمعاقبة من كان يُظنّ أنهم فاعلوا شرّ. والذين خرجوا على العقائد المقرّرة سُجنوا وعذُبوا وقُتلوا بتحريض الرجال الذين كانوا يدعون أنّهم إنّما يفعلون ما صادق عليه المسيح. ولكنّ الروح الذي يوحي بمثل هذه الأعمال ليس هو روح المسيح بل روح الشيطان. فهذه هي وسيلة الشيطان في إخضاع العالم لسلطانه. لقد أُسيء تمثيل الله بواسطة الكنيسة بهذه الوسيلة التي اتبعتها في معاملة من حسبتهم هراطقة. COLAr 69.1

إنّ المسيح في هذا المثل لا يعلِّم بوجوب محاكمة الآخرين وإدانتهم بل يعلمنا الوداعة وعدم الثقة بالذات. ليس كل ما يُزرع في الحقل هو زرع جيّد. إنّ وجود الناس في الكنيسة ليس برهاناً على كونهم مسيحيين. COLAr 69.2

كان الزوان قريب الشبه بالحنطة جداً عندما كان النبات أخضرَ، ولكن عندما ابيضّ الحقل للحصاد لم تكن هنالك مشابهة بين الأعشاب العديمة النفع والحنطة المحمّلة والمثقلة بالسنابل الممتلئة حنطة. والخطاة الذين يتظاهرون بالتقوى يندمجون إلى حين بين أتباع المسيح الأمناء ويُحسب أن مظهر المسيحية يخدع كثيرين. ولكن عند حصاد العالم لن يكون هنالك أي تشابه بين الخير والشر. وحينئذ فالذين قد انضموا إلى الكنيسة دون أن يقبلوا المسيح سينكشفون. COLAr 69.3

إنّ الزوان يُسمح له بأن ينمو في وسط الحنطة وبأن يتمتع بكل امتيازات الشمس والأمطار، ولكن في وقت الحصاد « تَعُودُونَ وَتُمَيِّزُونَ بَيْنَ الصِّدِّيقِ وَالشِّرِّيرِ، بَيْنَ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَمَنْ لاَ يَعْبُدُهُ » (ملاخي ٣: ١٨). والمسيح نفسه سيقرر من هم المستحقّون لأن يسكنوا مع أسرة السماء. وهو سيحكم على كل إنسان بحسب أقواله وأعماله. إنّ العقيدة أو الاعتراف لا يساوي شيئا في الميزان. ولكن الخلق هو الذي يقرر المصير. COLAr 69.4

إنّ المُخَلِّص لا يشير إلى وقت في المستقبل فيه يستحيل كل الزوان إلى حنطة. فالحنطة والزوان ينميان معاً إلى الحصاد الذي هو انتهاء العالم. حينئـذ يُحـزم الـزوان حـزماً ليحرق، أمّا الحنطــة فتُجـمــع إلى مخـــزن الله: « حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ » وإذ ذاك « يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ، وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ » (متى ١٣: ٤١، ٤٢). COLAr 70.1