المُعلّم الأعظم
التربة — بجانب الطريق
إنّ ما يتناوله مثل الزارع بالأكثر هو التأثير الذي يحدث في نمو البذار بواسطة التربة التي يقع عليها. بهذا المثل كان المسيح في الواقع يقول لسامعيه: إنّه ليس أمرا مأمون العاقبة لكم أن تقفوا كمنتقدين على عملي، أو أن تشعروا بالفشل وخيبة الأمل لأنّه لا يوافق آراءكم. فالسؤال البالغ في أهميته لكم هو هذا: كيف تتصرفون إزاء رسالتي؟ فمصيركم الأبدي يتوقف على قبولكم أو رفضكم إياها. COLAr 38.2
وفي تفسيره للبذار الذي سقط بجانب الطريق قال: « كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ الْمَلَكُوتِ وَلاَ يَفْهَمُ، فَيَأْتِي الشِّرِّيرُ وَيَخْطَفُ مَا قَدْ زُرِعَ فِي قَلْبِهِ. هذَا هُوَ الْمَزْرُوعُ عَلَى الطَّرِيقِ » (متى ١٣: ١٩). COLAr 39.1
إنّ الزرع المزروع على الطريق يمثل ويصور كلمة الله إذ تسقط على قلب إنسان غير منتبه إلى ما يسمع. إنّ القلب الذي يصير طريقاً لحركة العالم التجارية ومسرّاته وخطاياه مشبّه بالطريق الصلب المطروق الذي تدوسه أقدام الناس والبهائم. فإذ تكون النفس منغمسة في أغراضها الذاتية وتمتعاتها الخاطئة فهي تتقسّى « بِغُرُورِ الْخَطِيَّةِ » (عبرانيين ٣: ١٣). فالقوى الروحية تصاب بالشلل. الناس يسمعون الكلمة ولكنهم لا يفهمونها ولا يدركون أنها تنطبق عليهم. وهم لا يستوعبون حاجاتِهم أو خطرهَم. إنهم لا يحسّون بمحبة المسيح ويتجاوزون رسالة نعمته وكأنّ لا شأن لهم بها. COLAr 39.2
وكما أنّ الطيور تسرعَ في خطف البذار من الطريق كذلك الشيطان يسرع في خطفِ بذار الحقّ الإلهي من النفس. فهو يخشى لئلا توقظ كلمة الله العديمي الاكتراث وتحدث أثرها في القلب القاسي. فالشيطان وملائكته يوجدون بين الجماعات التي يُكرز لها بالإنجيل. ففي حين أن ملائكة السماء يحاولون أن يؤثروا في القلوب بكلمة الله فإنّ العدّو متيقظ ليجعل الكلمة عديمة التأثير. فبغيرة تضارع خبثه يحاول أن يعرقل عمل روح الله. وفي حين أن المسيح يجتذب النفس بمحبته فالشيطان يحاول أن يبعد انتباه الإنسان الذي يحركه روح الله ليطلب المُخَلِّص. إنه يشغل عقله بمشاريع دنيوية. إنه يثير الانتقاد أو يوعز بالشكوك وعدم الإيمان. فانتقاء المتكلم للكلمات اللغوية أو طريقته في الكلام قد لا تعجب السامعين فيفكرون في هذه النقائص. وهكذا فالحق الذي يحتاجونه والذي قد أرسله الله إليهم رحمة منه لا يدوم تأثيره. COLAr 39.3
وللشيطان كثيرون من المساعدين. فكثيرون ممن يعترفون بأنهم مسيحيون يساعدون المجرّب على خطف بذار الحق من قلوب الآخرين. وكثيرون ممن يستمعون للكرازة بكلمة الله يجعلونها مادة للانتقاد في بيوتهم. وهم يجلسون في منصة القضاء ليحكموا على العظة كما يفعلون لدى سماع خطاب يلقيه محاضر أو خطاب أحد الساسة. فالرسالة التي يجب اعتبارها كلمة الرب لهم يفكرون فيها باستخفاف أو بالتعليقات التهكّمية. وهم بكلّ حرية يتباحثون في أخلاق الخادم وبواعثه وأعماله وتصرفات زملائهم من أعضاء الكنيسة، وهم ينطقون بأحكام صارمة، ويتفرغون للقيل والقال والافتراء وهذا في مسامع غير المتجددين. وغالبا ما تقال هذه الأقوال من الوالدين في مسامع أولادهم. وبذلك يتلاشى الاحترام والتوقير لخدام الله والإكرام لرسالتهم. وكثيرون يتعلّمون الاستخفاف بكلمة الله نفسها. COLAr 40.1
وهكذا ففي بيوت من يعترفون بأنهم مسيحيون يتعلم الشباب أن يكونوا ملحدين. ثم يسأل الوالدون لماذا لا يهتم أولادهم أكثر بالإنجيل؟ ولماذا هم على أتم استعداد للشك في صدق الكتاب المُقَدَّس؟ وهم يستغربون كيف يغدو من الصعب عليهم جدا الوصول إليهم بواسطة المؤثرات الأدبية والدينية. ولكنهم لا يرون أن مثالهم هم هو الذي قسّى قلوب أولادهم. فالبذار الجيد لا يجد مجالا فيه يمد جذوره فيخطفه الشيطان. COLAr 41.1