الرَجَاء العَظيم
٨ - دفاعاً عن الحق
ان واجب السجود لله مبني على حقيقة كونه هو الخالق. “هَلُمَّ نَسْجُدُ وَنَرْكَعُ وَنَجْثُو أَمَامَ الرَّبِّ خَالِقِنَا” (مزمور 100: 3؛6:95). GrH 74.1
في رؤيا 14 يُطلب من الناس أن يسجدوا للخالق وأن يحفظوا وصايا الله. وإحدى هذه الوصايا تشير مباشرة إلى الله الخالق إذ تقول: “واما اليوم السابع ففيه سبت للرب الهك ... لأن في ستة ايام صنع الرب السماء والارض والبحر وكل ما فيها واستراح اليوم السابع لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه” (خروج 20: 10و11). زد على هذا قول الرب عن السبت انه: “علامة ... لتعلموا اني انا الرب الهكم” (حزقيال 20: 20). ولو كان جميع الناس يحفظون السبت لكانت افكارهم وعواطفهم تنعطف الى الخالق كموضوع للإكرام والعبادة، ولما وُجد عابد وثن أو كافر أو ملحد. ان حفظ السبت هو علامة من علامات الولاء للإله الحقيقي “الذي صنع السماء والارض والبحر وينابيع المياه” ويتبع ذلك ان الرسالة التي تأمر الناس يابلسجود لله وحفظ وصاياه تأمرهم على الخصوص بحفظ الوصية الرابعة. GrH 74.2
استرجاع الحق - ان عمل اصلاح السبت الذي سيتم في الايام الاخيرة سبق فأنبئ به في نبوة اشعياء الذي يقول: “هكذا قال الرب احفظوا الحق واجروا العدل لأنه قريب مجئ خلاصي واستعان بري. طوبى للإنسان الذي يعمل هذا ولابن الانسان الذي يتمسك به الحافظ السبت لئلا ينجسه والحافظ يده من كل عمل شر ... وابناء الغريب الذين يقترنون بالرب ليخدموه وليحبوا اسم الرب ليكونوا له عبيدا كل الذين يحفظون السبت لئلا ينجسوه ويتمسكون بعهدي آتي بهم الى جبل مقدسي وافرحهم في بيت صلاتي” (إشعياء 56: 1و2و6و7). GrH 74.3
هذا الكلام ينطبق على العصر المسيحي كما يبرهن سياق الكلام)إشعياء 56: 8(. هنا يرمز إلى جمع الأمم بواسطة الإنجيل في الوقت الذي فيه يبشر عبيده كل الأمم بالبشارة المفرحة. GrH 75.1
والرب يأمر قائلاً: “صُرَّ الشهادة اختم الشريعة بتلاميذي” (إشعياء (8: 16 . ان ختم شريعة الله يوجد في الوصية الرابعة. فهذه الوصية وحدها من دون باقي الوصايا العشر ترينا اسم معطي الشريعة ولقبه. وعندما أبدل السبت بالسلطان البابوي أُخذ الختم من الشريعة. ويُطلب من تلاميذ يسوع ان يرجعوه بتمجيدهم واكرامهم لسبت الوصية الرابعة ووضعه في مركزه الشرعي كتذكار ان واجب السجود لله مبني على حقيقة كونه هو الخالق. “هَلُمَّ نَسْجُدُ وَنَرْكَعُ وَنَجْثُو أَمَامَ الرَّبِّ خَالِقِنَا” مزمور 100: 3؛95: 6). GrH 75.2
يصر البروتستانت الآن على القول إن قيامة المسيح في يوم الاحد جعلته يوم الراحة المقدس للمسيحيين. لكن المسيح ولا رسله اعطوا هذا اليوم مثل هذه الكرامة. ان حفظ يوم الاحد كتشريع مسيحي يجد اصله في “سر الاثم” (2تسااونيكي 2: 7) الذي كان قد بدأ حتى منذ أيام بولس. وأي سبب شرعي يمكن اعطاؤه لذلك التغيير الذي لم يقره الكتاب المقدس؟ GrH 75.3
انها حقيقة يسلم بها البرتستانت اجمالا وهي المتعلقة “بصمت العهد الجديد المطبق حول إعطاء أمر قاطع عن يوم الراحة الأحد، أول الأسبوع أو حول القواعد المحددة لحفظه” GrH 75.4
“لم يحدث تغيير في اليوم حتى وقت موت المسيح”، “وعلى قدر ترينا شهادة الكتاب فإنهم الرسل لم يقدموا أمراً قاطعاً يفرض على المسيحيين هجر اليوم السابع -السبت- وحفظ اليوم الأول من أيام الأسبوع” GrH 76.1
يعترف اتباع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ان كنيستهم هي التي غيرت يوم السبت ويعلنون ان حفظ البروتستانت يوم الاحد هو بمثابة اعتراف منهم بسلطانها. نجد هذه الحقيقة “في عهد الناموس القديم كان يوم السبت هو اليوم المقدس، لكن الكنيسة كما قد علمها يسوع المسيح وبموجب توجيهات روح الله، ابدلت يوم السبت بيوم الاحد، ولذلك فنحن نقدس اليوم الاول لا السابع. ان يوم الاحد معناه، كما هو الآن، يوم الرب.” GrH 76.2
يُعطى هذا الامر: “ناد بصوت عالٍ. لا تمسك. ارفع صوتك كبوق واخبر شعبي بتعديهم”. أولئك الذي يقول الرب عنهم “شعبي” هم الذين يوبَّخون على تعدياتهم. هنا نرى فريقا من الناس يظنون انفسهم ابرارا في خدمة الرب. لكن التوبيخ الصارم الخطير الذي ينطق به ذاك الذي هو فاحص القلوب يبرهن انهم كانوا يدوسون على الوصايا الالهية (إشعياء 58: 1و2). GrH 76.3
وبعد ذلك يشير النبي الى الفريضة التي قد تُركت فيقول: “وَمِنْكَ تُبْنَى الْخِرَبُ الْقَدِيمَةُ. تُقِيمُ أَسَاسَاتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ، فَيُسَمُّونَكَ: مُرَمِّمَ الثُّغْرَةِ، مُرْجعَ الْمَسَالِكِ لِلسُّكْنَى إِنْ رَدَدْتَ عَنِ السَّبْتِ رِجْلَكَ، عَنْ عَمَلِ مَسَرَّتِكَ يَوْمَ قُدْسِي، وَدَعَوْتَ السَّبْتَ لَذَّةً، وَمُقَدَّسَ الرَّبِّ مُكَرَّمًا، وَأَكْرَمْتَهُ عَنْ عَمَلِ طُرُقِكَ وَعَنْ إِيجَادِ مَسَرَّتِكَ وَالتَّكَلُّمِ بِكَلاَمِكَ، فَإِنَّكَ حِينَئِذٍ تَتَلَذَّذُ بِالرَّبِّ” (إشعياء 58: 12-14). GrH 76.4
لقد حدثت “ثغرة” في الشريعة الالهية عندما أبدل السبت بسلطان روما. ولكن قد جاء الوقت الذي فيه ترمم الثغرة. GrH 77.1
إن السبت كان آدم يحفظه وهو في حالة البرارة في جنة عدن. وحتى بعدما سقط آدم وتاب وعندما طُرد من ذلك المسكن السعيد. وكان كل الآباء يحفظونه من هابيل الى نوح البار الى ابراهيم الى يعقوب. عندما حرر إسرائيل أعلن شريعته لذلك الجمهور. GrH 77.2
السبت الحقيقي حُفِظَ دائماً - منذ ذلك اليوم الى يومنا هذا حفظ سبت الوصية الرابعة. ومع أن “إنسان الخطيئة” أفلح في دوس سبت الوصية الرابعة المقدسة بالأقدام، وُجدت نفوس امينة في اماكن خفية مستترة كانت تحفظ السبت. GrH 77.3
هذه الحقائق في ارتباطها بـ “البشارة الأبدية” ستميز كنيسة المسيح في وقت ظهوره. “هنا الذين يحفظون وصايا الله وعندهم إيمان يسوع” (رؤيا 14: 12). GrH 77.4
والذين قبلوا النور الخاص بالقدس وشريعة الله امتلأوا فرحا عندما رأوا انسجام الحق. وقد كانوا يبتغون ان يقدم النور الى جميع المسيحيين. لكنّ تلك الحقائق التي تحدث خلافا بينهم وبين العالم لم تجد ترحيبا من كثيرين ممن يدعون انهم اتباع المسيح. GrH 77.5
وعندما قُدمت مطالب السبت جعل كثيرون يقولون: “لقد كنا دائما نحفظ يوم الاحد كما حفظه آباؤنا من قبل وكثيرون من الصالحين الاتقياء ماتوا سعداء وهم يحفظونه. ان حفظ هذا السبت الجديد سيخرجنا عن الانسجام مع العالم. وماذا تستطيع شرذمة صغيرة تحفظ اليوم السابع ان تفعل ضد كل أهل العالم الذين يحفظون يوم الاحد؟” بمثل هذه الحجج حاول اليهود أن يبرروا رفضهم المسيح. وكذلك في عهد لوثر كان البابويون يجادلون قائلين ان المسيحيين الحقيقيين ماتوا معتنقين الايمان الكاثوليكي ولذلك فهذا الدين كافٍ للخلاص. مثل هذه المجادلات قد تصير مانعا قويا لكل تقدم في العقيدة. GrH 77.6
وقد تحاجج كثيرون قائلين ان حفظ يوم الاحد هو عقيدة ثابتة وعادة ذائعة اصطلحت عليها الكنيسة مدى قرون عديدة. والمرد على هذه الحجة تبرهن ان يوم السبت وحفظه كانا اقدم واكثر انتشاراً بنسبة قدم العالم نفسه، فلقد وضعه القديم الأيام. GrH 78.1
لسبب عدم وجود شهادة من الكتاب تسندهم جعلوا يجادلون بإصرار لا يكل قائلين: “لماذا لا يفهم عظماؤنا قضية السبت هذه؟” الذين يعتنقون عقيدتكم هذه هم قلة. فلا يعقل ان تكونوا صادقين وعلى صواب ويكون كل رجال العلم في العالم مخطئين وعلى ضلال.” GrH 78.2
فلأجل تفنيد امثال تلك الحجج كانت الحاجة تدعو الى اقتباس تعاليم الكتاب وتاريخ معاملات الله مع شعبه في كل العصور. والسبب الذي لأجله لا يكثر من استخدام العلماء والعظماء ليكونوا في طليعة القائمين بحركات الاصلاح هو كونهم يثقون بعقائدهم ونظرياتهم ونظمهم اللاهوتية ولا يحسون بحاجة الى التعلُّم من الله. فالرجال الذين قد نالوا قدرا قليلا من العلم في المدارس يدعون احيانا لإعلان الحق، لا لانهم غير متعلمين بل لأنهم غير متكلين على انفسهم الى حد يجعلهم لا يشعرون بحاجتهم الى التعلُّم من الله. ووداعتهم وطاعتهم تجعلانهم عظماء. GrH 78.3
الإيمان والشجاعة - لم يكن الله يريد ان يهيم العبرانيون على وجوههم في البرية اربعين سنة. بل كان يريد ان يدخلهم ارض كنعان مباشرة ويثبت اقدامهم فيها شعبا مقدسا سعيدا. لكنهم “لم يقدروا ان يدخلوا لعدم الايمان” (عبرانيين 3: 19). وبهذه الطريقة ذاتها لم تكن ارادة الله ان يتاخر مجئ المسيح الى هذا الحد ويظل شعبه في عالم الخطيئة والحزن كل هذه السنين. يؤخر على مجيئه حتى تتاح للخطاة فرصة لسماع الانذار ويجدوا فيه ملجأ قبلما ينصب غضب الله. GrH 78.4
والآن كما في كل العصور الماضية يثير تقديم الحق مقاومة شديدة. فان كثيرين وبروح خبيثة يهاجمون اخلاق الذين يصمدون في ل عن أرميا انه خائن، وبولس اتهم بانه قد نجس الهيكل. ومنذ ذلك اليوم الى الآن نجد ان الدفاع عن الحق غير المقبول ويشككون في بواعثهم. لقد اتهم ايليا بأنه مكدر اسرائيل، وقي كل من يريدون ان يكونوا مخلصين في ولائهم للحق يشهَّر بهم على انهم مثيرو فتن او هراطقة او منشقون. GrH 79.1
ان الاعتراف بالايمان الذي نطق به القديسون والشهداء، وتلك المثل الحية، مثل القداسة والاستقامة التي لا تتقلقل، لتلهم شجاعة اولئك الذين يُدعَون اليوم ليكونوا شهود لله. أما خادم الله في هذا العصر فالرب يأمره قائلا “ارفع صوتك كبوق واخبر شعبي بتعديهم وبيت يعقوب بخطاياهم” ، “فقد “(إشعياء 58: 1؛ حزقيال 33: 7). GrH 79.2
إن العقبة العظيمة التي تمنع من قبول الحق هي ما ينطوي عليه ذلك من تعب وعار. هذه هي الحجة الوحيدة ضد الحق، التي لم يستطع المدافعون عنه ان يدحضوها. لكن أتباع المسيح الأمناء لا ينتظرون حتى يشتهر الحق ويذيع وإنما يقبلون حمل الصليب ويقولون مع بولس الرسول: “لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً”. ويقولون معه أيضاً على لسان موسى: “حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر” (2كورنثوس4: 17؛ عبرانيين 11: 26). GrH 80.1
علينا ان نختار الصواب لكونه صوابا ونترك النتائج لله. ان العالم يدين باصلاحاته العظيمة للرجال ذوي المبدأ والايمان والجرأة. فبواسطة مثل هؤلاء ينبغي ان يتم الاصلاح وبتقدم في عصرنا هذا. GrH 80.2