الرَجَاء العَظيم

7/11

٧ - حصننا الوحيد

يُوجَّه شعب الله الى الكتاب كحافظ لهم من تأثير المعلمين الكذبة وقوة أرواح الظلمة المضلة. ويستخدم الشيطان كل حيلة ممكنة ليحول بين الناس وحصولهم على معرفة الكتاب. وفي كل انتعاش لعمل اللع ينهض سلطان الشر ليبذل جهدا اعظم ونشاطا أوفر. وسيكون تقليده دقيقا جدا بحيث يشبه الحقيقي، وهكذا يستحيل التمييز بين الاثنين إلا بواسطة الكتاب المقدس. GrH 68.1

سيتعرض الذين يحاولون اطاعة كل وصايا الله للمقاومة والسخرية ولكي يحتملوا التجربة المقبلة يجب عليهم ان يفهموا ارادة الله كما هي معلنة في كلمته. ويستطيعون اكرامه فقط بقدر ما يكون عندهم ادراك صحيح لصفاته وحكمه ومقاصده ويعملون طبقا لها. وليس غير الذين قد حصنوا عقولهم بحقائق الكتاب يثبتون في هذا الصراع الاخير العظيم. GrH 68.2

أوضح المخلص لتلاميذه قبل صلبه انه سيُقتل ويقوم ثانية من القبر. وكان الملائكة حاضرين ليرسخوا هذه الاقوال في عقولهم وقلوبهم. لكن الأقوال غابت عن أذهانهم. وعندما جاء وقت التجربة وجدهم على غير استعداد. ان موت يسوع قد حطم آمالهم بالتمام كما لو لم يكن قد سبق فأنذرهم. كذلك في النبوات نجد المستقبل واضحا أمامنا بكل جلاء كما كان واضحا أمام التلاميذ. لكن جماهيره من الناس لا يدركون من هذه الحقائق المهمة أكثر مما لو لم تكن قد أعلنت. عندما يرسل الله الى العالم انذارات فانه يطلب من كل انسان موهوب بقوى التفكير والتعقل ان يلتفت الى الرسالة ويعيها. إن الضربات المخيفة المقضي بها ضد عبادة الوحش وصورته (انظر رؤيا 9:14- 11) ينبغي أن تقود الكل لدرس النبوات باجتهاد ليتعلموا ما هي سمة الوحش وكيف يمكنهم تجنب قبولها. لكن جماهير الناس لا يريدون الحق الكتابي لأنه يتدخل في رغبات القلب الخاطئ ، والشيطان يقدم اليهم المخاتلات والمخادعات التي يحبونها. GrH 68.3

لكنّ الله سيكون له على الارض شعب يحفظون الكتاب المقدس والكتاب المقدس وحده، كمقياس لكل التعاليم وأساس كل الاصلاحات, فلا آراء العلماء أو استنتاجات العلم ولا عقائد المجامع الكنسية أو قراراتها ولا صوت الاغلبية كل هذه لا ينبغي اعتبارها، منفردة أو مجتمعة، برهانا في جاني أي فقرة من العقيدة الدينية أو ضدها. ينبغي أن نسأل ما اذا كان مستندا الى قول الرب أم لا. وهل هو يبدأ بالقول: “هكذا قال الرب”. يحاول الشيطان دائما أن يجعل الناس يتطلعون الى الاساقفة والرعاة وأساتذة اللاهوت كمرشدين لهم بدلا من ان يفتشوا الكتب لأنفسهم. وإذ يسيطر الشيطان على عقول هؤلاء القادة يمكنه أن يؤثر في الجماهير. GrH 69.1

عندما جاء المسيح ليتكلم بكلام الحياة سمعه عامة الشعب بسرور. لكنّ رئيس الكهنة وقادة الامة عقدوا العزم على التعصب ورفضوا انصع البراهين على كونه مسيا. وقد تساءل الناس قائلين: “كيف لا يؤمن رؤساؤنا وكتبتنا العلماء بيسوع؟ أما كان هؤلاء القوم الاتقياء يقبلونه لو كان هو المسيح؟” إن نفوذ مثل هؤلاء المعلمين هو الذي قاد الامة اليهودية الى رفض فاديها. GrH 69.2

تمجيد السلطة البشرية- لقد كانت للمسيح بصيرة النبي فرأى عمل تعظيم السلطة البشرية للسيطرة على الضمائر، الأمر الذي كان لعنة في كل العصور. وإنذراته التي وجهها إلى الشعب حتى لا يتبعوا أولئك القادة العميان إنما سجلت لإنذار الأجيال المقبلة. GrH 70.1

تحتفظ كنيسة روما للاكليروس بحق تفسير الكتاب المقدس. ومع أن الاصلاح قدم الكتاب الى الجميع فان المبدأ نفسه الذي سارت عليه روما جموعا غفيرة في الكنائس البروتستانتية من تفتيش الكتاب لأنفسهم.لقد تعلموا ان يقبلوا تعاليمها كما قد فسرتها الكنيسة، ويوجد آلاف ممن لا يجرؤون على قبول شيء يناقض عقيدتهم أو تعليم كنيستهم الثابت. GrH 70.2

فان كثيرين مستعدون هكذا لأن يستودعوا حفظ أرواحهم بين أيدي رجال الاكليروس. إنهم يمرون بتعاليم المخلص مر الكرام حتى يكادون لا يلاحظونها، ولكن هل الخدام معصومون؟ وكيف نستأمنهم على ارشاد نفوسنا ما لم نعلم من كلمة الله انهم حاملو مشعل النور؟ ان انعدام الشجاعة الادبية يجعل كثيرين يسيرون في اثر خطوات العلماء، وبنفورهم من الفحص والاستقصاء بأنفسهم ولأنفسهم يصيرون مكبلين في سلاسل الضلال. انهم يرون ان الحق الخاص بهذا العصر مكشوف للعيان بكل وضوح في الكتب ويحسون بقوة الروح القدس مرافقا لإعلانه، الا انهم يسمحون لمقاومة الاكليروس بان تبعدهم عن النور. GrH 70.3

يستحوذ الشيطان على جماهير كثيرة لنفسه اذ يربطهم بخيوط حريرية، خيوط المحبة لمن هم أعداء صليب المسيح. ويمكن لهذا الارتباط أن يكون ارتباط الآباء أو الأبناء أو الأزواج أو ارتباطاً اجتماعياً. والنفوس الممسَكة تحت سلطتهم ليست لديها الشجاعة الكافية أو الاستقلال لإطاعة اقتناعها بالواجب. GrH 70.4

كثيرون يدعون قائلين انه لا يهم ما الذي يعتقده الانسان اذا كانت حياته حياة مستقيمة. لكن العقيدة هي التي تشكل الحياة. فاذا كان النور والحق في متناول ايدينا ونحن نهمل الاستفادة من ميزات استماعه ورؤيته فإننا في الواقع نرفضه، ونحن نختار الظلمة ونفضلها على النور. GrH 71.1

ليس الجهل عذرا عن الضلال أو الخطيئة فيما كل الفرص ماثلة أمام الإنسان ليعرف ارادة الله. ها رجل مسافر يأتي الى مكان به طرق متشعبة كثيرة وتوجد على جانب الطريق لافتة تشير الى نهاية كل طريق. فإذا هو أغفل تلك اللافتة واتخذ اي طريق يتراءى له انه الصواب، فقد يكون مخلصا تمام الاخلاص ولكن من المرجح ان يجد نفسه سائرا في طريق مخطئ غير الذي يريده. GrH 71.2

الواجب الأول والأهم - لا يكفي ان تكون نوايا الانسان صالحة، ولا يكفي ان نفعل ما نظنه صوابا ولا ما يقول الخادم عنه انه صواب. وعليه أن يفتش الكتب لنفسه. ان لديه خارطة تشير الى كل علامة من معالم الطريق في سياحته الى السماء، وينبغي الا يخمن من جهة أي شيء. GrH 71.3

ان أول واجب واعظمه على كل كائن عاقل هو ان يتعلم من الكتاب ما هو الحق ثم يسير في النور ويشجع الآخرين على التمثل به. وعلينا بمساعدة الله أن نكوَّن آراءنا لأنفسنا اذ ان علينا ان نجيب عن انفسنا امام الله. GrH 71.4

إن العلماء لكونهم يدَّعون ادعاءات عظيمة بأنهم علماء وحكماء فهم يعلمون الناس بأن للكتاب معنى غامضاً خفياً روحياً لا يظهر في لغته الحالية. هؤلاء القوم معلمون كذبة. ان لغة الكتاب ينبغي شرحها طبقاً لمعناها الواضح ما لم يكن هنالك رمز أو استعارة. فلو اخذ الناس الكتاب كما يُقرأ لامكن انجاز عمل يُفرح قلوب الملائكة ويضم الى حظيرة المسيح آلافا فوق آلاف ممن يهيمون الآن في تيه الضلال. GrH 71.5

كثيرا ما يكون هنالك فصل من الكتاب يقول عنه العلماء انه غامض او يمرون به مرورا سريعا اذ يعتبرونه عديم الاهمية ولكنه يكون مملوءا بالعزاء والتعليم لمن قد تعلم في مدرسة المسيح. ادراك حق الكتاب لا يتوقف بالأكثر على قوة الذهن الذي يستخدم في البحث كما على توحيد القصد وبساطته، والرغبة والشوق الحار في طلب البر. GrH 72.1

نتائج تجاهل الصلاة ودراسة الكلمة - ينبغي الا ندرس الكتاب من دون صلاة. فالروح القدس وحده هو الذي يستطيع ان يجعلنا نشعر بأهمية تلك الاشياء التي يسهل فهمها أو يمنعنا من تحريف الحقائق التي يصعب ادراكها. ان عمل ملائكة السماء هو اعداد القلب بحيث يفهم كلمة الله لكي يسحر جمالها قلوبنا ونحيا وننتعش ونتقوى بمواعيدها. ليقابل الشيطان بسلاح الكتاب. فالتجارب في غالب الأحيان تبدو كأنها لا تُغْلَب لأن المُجَرَّب بسبب إهماله الصلاة ودرس الكتاب لا يستطيع أن يتذكر مواعيد الله بسرعة ويقابل الشيطان بسلاح الكتاب. لكنّ الملائكة يعسكرون حول الذين يرغبون في تعلم امور الله، وفي وقت الحرج والحاجة العظمى ينُجدون ذاكرتهم بالحقائق ذاتها التي يحتاجون إليها. GrH 72.2

“وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمى فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم” (يوحنا 26:4:14). ولكن ينبغي قبل ذلك ان ندخر تعاليم المسيح في اذهاننا حتى يذكرنا بها روح الله في وقت الخطر. GrH 72.3

ومصير الارض بمن يعيشون عليها والذين يتكاثرون كل يوم موشك ان يتقرر. وعلى كل تابع للمسيح ان يسأل بكل غيرة قائلا: ” ماذا تريد يا رب ان افعل؟” (أعمال 6:9). وعلينا الآن ان نطلب اختبارا عميقا حيا لأمور الله. لم يبق لدينا وقت نضيعه ولا برهة واحدة. ونحن في أرض الشيطان المسحورة. فلا تناموا يا حراس الله. GrH 73.1

كثيرون يهنئون أنفسهم على الأخطاء التي لا يرتكبونها. فلا يكفي ان يكونوا اشجارا في جنة الله بل عليهم ان يحققوا انتظاراته في الاتيان بثمر. ففي اسفار السماء مسجل ضدهم انهم معطَّلون ومبطلون للأرض. ان قلب المحبة المتأني الصبور لا يزال يتوسل الى الذين قد استهانوا برحمته واساءوا استخدام نعمته. GrH 73.2

في الصيف لا يرى فرق ظاهر بين الاشجار الدائمة الاخضرار وغيرها من الاشجار، ولكن عندما تجئ زوابع الشتاء وبرده تبقى الاشجار الدائمة الاخضرار بلا تغيير بينما الاشجار الاخرى تتجرد من أوراقها. فلو استيقظت المقاومة وساد التعصب واشتعلت نيران الاضطهاد فان الفاترين والمرائين سيترنحون ويسلمون في عقيدتهم، لكن المسيحي الامين سيظل ثابتا كالصخر وسيتقوى ايمانه ويلمع رجاؤه اكثر ما في ايام النجاح. GrH 73.3

“فَإِنَّهُ يَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عَلَى مِيَاهٍ، وَعَلَى نَهْرٍ تَمُدُّ أُصُولَهَا، وَلاَ تَرَى إِذَا جَاءَ الْحَرُّ، وَيَكُونُ وَرَقُهَا أَخْضَرَ، وَفِي سَنَةِ الْقَحْطِ لاَ تَخَافُ، وَلاَ تَكُفُّ عَنِ الإِثْمَارِ.” (إرميا 8:17). GrH 73.4