أعما لالرُّسل
الفصل الخامس والاربعون
رسالة كتبت في رومية
(يعتمد هذا الفصل على ماورد في رسالتي كولوسي وفيلبي )
ان الرسول بولس في اختباره المسيحيالباكر اعطيت له فرصة خاصة ليتعلم ارادة الله بالنسبة الى تابعي يسوع . لقد «اختطف هذا السماءالثالة» «الى الفردوس ، وسمع كلمات لاينطق بها ، ولايسوع لانسان ان يتكلم بها» وهو نفسه يعترف بأنه قد اعطي له ان يرى «مناظر الرب واعلاناته». وان ادراكه لمبادئ حق الانجيل كان مساوي لادراك «فائقيالرسل» ( 2 كورنثوس 12: 2 ، 4 ، 1 ، 11 )كان يدرك ادراكا واضحا كاملا «عرض وطول وعمق وعلو محبة المسيح الفائقة المعرفة» ( افسس 3 : 18 ، 19), AR 425.1
لم يستطع بولس ان يخبر بكل ماشاهده في الرؤيا ، لأنه كان يوجد بين سامعيه من كان يمكن ان يسيؤوا تطبيق أقواله . ولكن مااعلن له اعانه كي يخدم كقائد ومعلم حكيم ، كما ساعده في صوغ الرسائيل التي ارسلها فيما بعد الى الكنائس . والتأثير الذي حدث له حين كان يرى الرؤيا لازمة دائما واعانه كي يقدم صورة صادقة صحيحة للخق المسيحي. فبأقواله ورسائله حمل رسالة قدمت لكنيسة الله العون والقوة منذ ذلك الحين. هذه الرسالة تنطق بوضوح لمسيحي اليوم مبننة المخاطر المزمعة ان تهدد الكنيسة ، والتعاليم الكاذبة التي عليهم ان يواجهوها . AR 425.2
ان رغبة الرسول نحو أولئك الذين ارسل اليهم رسائل النصح والانذار هي: «كي لا نكون في مابعد أطفالا مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم» بلان يصلوا جميعم الى «وحدانية الايمان ومعرفة ابن الله . الى انسان كامل. الى قياس قامة ملء المسيح.» وقد توسلالىمن كانوا تابعين ليسوع في الاوساط الوثنية الا يسلكوا ك«كما يسلك سائر الامم ايضا ببطل ذهنهم ، اذ هم مظلموا الفكر ، ومتجنبون عن حياة الله ..بسبب غلاظة قلوبهم»بل «تسلكون بالتدقيق ، لا كجهلاء بل كحكماء مقتدين الوقت» ( افسس 4: 14 ، 13 ،1 7 ، 18، 5 : 15 ، 16). وقد شجع المؤمنين كي نظروا الى الامام الى الوقت الذي فيه احب المسيح «الكنيسة واسلم نفسه لأجلها — لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة ، لا دنس فيها ولاغصن او شيئ من مثلذلك»كنيسة «مقدسة بلاعيب» ( افسس 5: 25 ، 27 ). AR 426.1
هذه الرسائل المكتوبة لا بقوة انسان بل بقوة الله تشتمل على تعاليم ينبغي للجميع ان يدرسوها ويكمن تكرارها مرارا للنفع والفائدة . ففيها لخصت التقوى العملية ، ووضعت مبادئ يحق لكل كنيسة ان تتبعها ، واوضحت الطريق المؤدي الى الحياة الابدية . AR 426.2
ان بولس في رسالته الى «القديسيين في كولوسي ن والاخوة المؤمنين في المسيح» . والتي كتبت عندما كان سجينافي روما ، يتحدثعن فرحه لأجل ثباتهم في الايمان ، الذي اخبره به ابفراس الذي يقول الرسول عنه انه : «اخبرناايضا بمحبكم في الروح». ثم استطرد يقول : «من اجل ذلك نحن ايضا منذ يوم سمعنا ، لمنزل مصلين وطالبين لأجلكم ان تمتلوا من معرفة مشيئته ن في كل حكمة وفهم روحي لتسلكوا كما يحق للرب، في كل رضى، مثمرنيفي كل عمل صالح ، ونامين في معرفة الله ، متقوين بكل قوة بحسب قدرة مجده ، لكل صبر وطول أناة بفرح» ( كولوسي1:2، 9 ، - 11 ). AR 426.3
وهكذا عبر بولس بالكلام عما يطلبه للمؤمنين في كلوسي . فما اسمى المثل الاعلى الذي تضعه هذه الكلمات امام تابع المسيح ، انها ترينا الامكانات العجيبة للحياة المسيحية وترينا بوضوح انه لاحد للبركات التي يمكن لأولاد الله ان يحصلوا عليها . فإذ يستزيدون باستمرارمن معرفة الله ، يمكنهم ان يذهبوا من قوة الى قوة، ومن سمو الى سمو في الاختبار المسيحي ، حتى انهم «بحسب قدر مجدة» يصيرون«اهلنا لشركة ميرات القديسين في النور» ( عدد 11 ،12). AR 427.1
وقد عظم الرسول المسيح ومجده امام اخوته كمن به خلق الله كل الاشياء وبه اكمل فداءهم . كام اعلن ان اليد التي تدعم العوالم في الفضاء ، والتي تبقي كل الاشياء في كل مسكونة الله في نظامها المتقن ونشاطها وحركتها التي لاتني ولا تكل ن هي اليد التي سمرت على الصليب لأجلهم. وقد كتب بولس يقول : «فيه خلق الكلل : مافي السماوات وماعلى الارض ، مايرى ومالايرى، سواء كان عرشوا ام سيادات ام ريساسات ام سلاطين. الكل به وله قد خلق . الذي هو قبل كل شيئ ، وفيه يقوم الكل» ( عدد 16 ، 17 ) «وانتم الذين كنتم قبلا اجنبيين واعداء في الفكر ، في الاعمال الشريرة، قد صالحكم الان في جسم بشريته بالموت، ليحضركم قديسين وبلا لوم لا شكوى امامه» ( عدد 21، 22). AR 427.2
ان ابن الله قد تنازل ليرفع الساقطين ، ولأجل ذلك تركالعوالم التي بلا خطية في الاعالي ، التسعة والتعسين الذي احبوه واتى الى هذا العالم ليكون «مجروح لأجل معاصينا ، مسحوق لأجل آثامنا» ( اشعياء 53 : 5 ). كان ينبغي ان يشبه اخوته في كل شيئ . وقد صار بشرا مثلنا . وعرف معنى الجوع والعطش واختبر التعب والاعياء . وكان يسند قلبه بالطعام وينتعش بالنوم . كان غريبا ونزيلا على الارض — كان في العالم وكلنه لم يكن منه . لقد جرب وامتحن كما يجرب الرجال والنساء ويمتحنون في هذه الايام ، ومع ذلك فقد عاش بلا خطية . زاذ كان رقيقا ومشفقا وعطوفاوعلى الدوام منصفا للآخرين فقد مثل صفات الله «والكلمة صار جسداوحل بيننا .. مملواءا نعمة وحقا» ( يوحنا 1 : 14). AR 427.3
ان المؤمنين في كولولسياذ اكنوا محاطين بأعمال الوثنية وتأثيراتها ، كانوا في خطر من ان يجتذبوا بعيدا عن بساطة الانجيل فإذ حذرهم بولس من هذا ووجه انظارهم الى المسيح بوصفه المرشد الامينالوحيد ، كتب يقول لهم : ( فإني اريد ان تعلموا أي جهاد لي لأجلكم ، ولاجل الذين في لاودكية ، وجميع الذين لم يروا وجهي فيالجسد، لكي تتعزى قلوبهم مقترنة في المحبة لكل غنى يقين الفهم ، لمعرفة سر الله الآبوالمسيح ، المدخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم. AR 428.1
«وانما اقول هذالئلا يخدعكم احد بكلام ملق ... فكما قبلتم المسيح يسوعالرباسلكوا فيه ، متأصلين ومبينين فيه ، وموطدين في الايمان ، كما علتمتم ن متفاضلين فيه بالشكر . انظروا انلايكون احد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل ، حسب تقليد الناس ، حسب اركان العالم ، وليس حسب المسيح ، فإنه فيه يحل كل ملئ اللاهوت جسديا ، وانتم مملوؤؤون فهي ، الذيهو رأس كل رياسةوسلطان» ( كولوسي2: 1 — 10). AR 428.2
لقد انبأ المسيح أنه سيقوم ن وبسب تأثيرهم «سيكثر الاثم ) ، وتبرد محبة الكثيرين» . كما انذر التلاميذ ان الخطر الذي ستستهدف له الكنيسة من هذا الشر سيكون اعظم وارهب مما ستتعرض له من جراء اضطهاد اعدائها . وقد حذر بولس جماعةالمؤمنين مرارا عديدة من هؤلاء المعلمين الكذبة . وانه ينبغي لهم ان يتحفظوااكثر من حذرهم من أي خطر آخر ، فإنهم ان قبلوا المعلمين المذبة فإنهم بذلك يفسحون المجال لضلالات بهايظلم العدو بصيرتهم الروحية ، ويزعزع ثقة الحديقي العهد بايمان الانجيل . ان المسيح هو التموذ والمقياس الذي على نوره يمتحنون التعاليم التي تقدم لهم . فكلمالا يتفق مع تعاليمه عليهم ان ينبذوه . فالمسيح المصلوب لأجل الخطية، والمسيح المقام من بين الاموات ، والمسيح الصاعد الى السماء كان هو علم الخلاص الذي كان عليهم ان يتعلموه ويعلمو به AR 428.3
ان انذارات كلمة الله بالنسبة للمخاطر المحدقة بالكنيسة المسيحية لازمة لنا في هذه الايام ، فكما حاول بعض الناس في ايام الرسل بواسطة التقليد والفلسفة ان يلاشو الايمان بالكتب المقدسة كذلك الحال اليوم اذ يحاول عدو البر بواسطة الاراء المسرة التي يبتكرها من ينتمون الى المذهب المسى «بالنقد الاعلى» ومذهب النشوء والارتقاء ، ومناجاة الارواح ، والتصوف ن ومذهب من يعتقدون بالوهية الكون ،يحاول عدو البر ان يضلل النفوس لتسير في الطرق المنهي عنها . ان الكتابالمقدس يشبه في نظر كثيرين مصباحا لازيت فيه ، ذلك لأن عقولهم انحرفت الى قنوات الاعتقاد النظري والتخمينات التي تؤدي بالانسان الى سوء الفهم والارتباك والبلبلة . ان عمل «النقد الاعلى» في الترشيح والتخمين والتشييد من جديد ، يلاشي الايمانبالكتاب كإعلان الهي. وهو يسلب كلمة الله من القدر على ان تسيطرة على حياة البشروتسموا بها وتلهمها . وبواسطة مناجاة الارواح يتعلم جماهيركثيرة من الناس الاعتقاد بأن الشهوة هي اسمى قانون وان الخلاعة حرية وان الانسان مسؤول امام نفسه فقط. AR 429.1
ان تابع المسيح لابد سيواجه «بكلام ملق» الذي حذر الرسول مؤمني كولوسي منه ( كولوسي2 : 4). وسيواجه تأويلات معتنقي مذهبمناجاة الارواح للكتاب المقدس ولكن عليه الا يقبلها . وينبغي ان يسمع صوته عاليا مجلجلا في توكيد واضح صريح لحقائق الكتاب المقدس الابدية . واذ يثبت نظره في المسيح ، عليه ان يتقدم بمثابرة الى الامام في الطريق المرسوم . مبعدا عن نفسه كل الآراء التي لا تتفق وتعليم الله . وينبغيان يكون حق الله موضوع تأمله ولهجه . وعليه ان يعتبر الكتاب المقدس صوت الله مكلما اياه مباشرة . وهكذا يجد الحكمة الالهية . AR 430.1
ان معرفة الله كما هي معلنة في المسحي هي المعرفة التي ينبغي ان يمتلكها جميع المخلصين . هذه هي املعرفة اتي تحدث تغييرا في الخلق . واذ يقبلها الانسان في حياته فهي تخلق النفس خليقة جديدة على صورة المسيح. هذه هي المعرفة التي يدعوا اولاده ليقبلوها ، وكل ما عداها باطل وعدم. AR 430.2
في كل عصر وفي كل امة نجد ان الاساس الحقيقي لبناء الاخلاق هو هو لم يتبدل،أي المبادئ المتضمنة في كلمة الله . ان القانون الامين الاكيد الوجيد هو ان نفعل مايقوله الله: «وصايا الرب مستقيمة»، «الذي يصنع هذا لايتزعوع الى الدهر» ( مزمور19 : 8 ، 15: 5 ). وقد واجه الرسل النظريات الكاذبة بكلمة الله قائلين : «لايستطيع احد ان يضع اساسا آخر غير الذين وضع» ( 1 كورنثوس 3 : 11). AR 430.3
ان مؤمني كولوسي عند اهتدائهم وعمادهم تعهدوا ان يلقوا بعيدا عنهم كل المعتقدات والاعمال التي كانت قبلا جزء من حياتهم وان يكونوا امنباء في ولائهم للمسيح . وقد ذكرهم بولس بهذا في رسالتهوناشدهم الا ينسوا انهم لكي يثبتوا ولائهم للمسيح . وقد ذكرهم بولس بهذا في رسالتهوناشدهم الا ينسواانهم لكي يثبتوا على عهودهم عليهم ان يبذلوا جهدا مستمرا في محاربة الشرور التي تحاول السيطرة عليهم. فقال لهم «فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق ن حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموابما فوق لا بما على الارض ، لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله» ( كولوسي3 : 1 — 3). AR 430.4
«ان كان احد في المسيح فهو خليقة جديدة : الاشياء العتيقة قد مضت ، هوذا الكل قد صار جديدا» ( 2 كورنثوس 5 : 17). فبواسطة قوة المسيح امكن للرجال والنساء ان يحطموا سلاسل العادات الشريرة . لقد نبذوا عنهم الانانية . فالنجسون صارو وقورينوالسكيرون اصبحوا صاحين .، والخلعاء طاهرين . والنفوس التي كانت تحمل صورة الشيطان تغيرت فصار تحمل صورة الله . هذا التغييرهو في ذاته آية الآيات. والتغييرالذي يحدث بواسطة الكلمة هو من اعمق اسرار الكلمة. نحن لانستطيع ان ندركه ولكننا فقط نؤمن ، كما هو معلن في الكتاب : «المسيح فيكم رجاء المجد» ( كولوسي 1 : 27). AR 431.1
عندما يسيطر روح الله على العقل والقلب . تنشد النفس المتجددة انشودة جديدة لأن ذلك المؤمن يتحقق ان وعدالله قد تم في اختباره وان تعدياته قد غفرت اون خطيته قد سترت. لقد تاب الى اللهعن مخالفته للشريعة الالهية وآمن بالمسيح الذي مات لأجل تبرير الانسان : «فاذ قاد تبررنا بالايمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح» ( رومية 5 : 1 ). AR 431.2
ولكن لان هذا هو اختبار المسيحي، ينبغي الا يجلس مكتوفاليدين قانعا بما قد عمل لأجله. فذاك الذي قد عقد العزم على ان يدخل الملكوت الروحي سيجد ان كل قوى وشهوات طبيعته الاصلية غير المتجددة ، تسانهدا كل جيوش ممكلة الظلام، مصطفة لمحاربته ،ففي كل يوم عليه ان يجدد تكريسه ، وفي كل يوم عليه ان يحارب الشر . والعادات القديمة وميوله الموروثة لعملالشر والخطأ ، كلها ستحاول التسلط عليه فعليه ان يكون أبدا على حذر من هذه كلها محاولا ان ينتصره بقوة المسيح . AR 431.3
وقد كتب بولس إلى أهل كولوسى يقول: «فَأَميتُوا أَعْضَاءَكُمُ الَّتي عَلىَ الأرْض، ... الَّذينَ بَيْنَهُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً سَلَكْتُمْ قَبْلاً، حينَ كُنْتُمْ تَعيشُونَ فيِهَا. وَأَمَّا الآنَ فاطْرَحُوا عَنْكُمَْ أَنْتُمْ أَيْضًا الْكُلَّ: الْغَضَبَ، الَسَّخَطَ، اَلْخُبْثَ، التَّجْديفَ، الْكلاَمَ الْقَبيحَ مَنْ أَفْوَاهكُمَْ... فَالْبَسُوا كَمُخْتاري الله الْقدَّيسينَ الْمَحْبوبينَ أَحْشَاءَ رَأْفَات، وَاُطْفًا، وَتَوَاضُعًا، وَوًدَاعَةً، وَطُولَ أَنًاة، مَُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامحَينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إِنْ كَانَ لاًحَد عَلَى أَحَد شَكًْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسيحُ هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًاً. وَعَلَى جَميعِ هذه الْبَسُوا الْحَبَّةً اَلَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَال. وَلْيَمْلِكً فيِ قُلُوبًكُمْ سَلاَمُ الله الَّذِي إِلَيْهِ دُعِيُمْ فيِ جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَكُونُوا شَاَكَرِيِنَ» (كولوسي ٥:٣- ١٥) AR 432.1
إن الرسالة إلى كولوسي مليئة بالتعاليم القيمة لكل من يعملون في خدمة المسيح، التعاليم التي تبين وحدة القصد وسمو الهدف التي ترى في حياة من يمُثًل المُخَلَّص أصدق تمثيل. فإذ ينفض يديه من كل ما قد يعيقه عن التقدم في طريق السماء، أو ما يجعل إنساناً آخر يميل عن الطريق الضيق، فهذا المؤمن يعلن في حياته اليومية الرحمة والشفقة والتواضع والواعة والصبر ومحبة المسيح. AR 432.2
ان حاجتنا العظة هي الى قوة حياة اسمى واطهر وانبل . واننا نعطي للعالم من تفكيرنا ماهو فوق الحاجة ، اما ملكوت السماواتفنوليه القليل من تفكيرنا . AR 432.3
ان المسيحي في محاولته الوصول الى المثل الاعلى الذي قد رسمه الله له ينبغي الا ييأس من شيئ. ان الجميع مدعوون الى الكمال الادبي والروحيبنعمة المسيح وقوته. ويسوع هو مصدر القوة ونبع الحياة . انه يأتى بنا الى كلمته ، ومن شجرة الحياة يقدم لنا اوراقا لشفاء النفوس المريضة بالخطية. وهو يقدونا الى عرش الله ويضع في افواهناصلاة ندخل بموجبها الى صلة وثيقة بشخصه. ولأجلنا يحشد كل قوات السماء المقتدرة ,. وفي كل خطوة نلمس قوته الحية . AR 432.4
ان الله لايقيم حدا لتقدم اولئك الذين يرغبون في «ان تمتلئوا من معرفة مشيئته ، في كل حكمة وفهم روحي». فبواسطة الصلاة والسهر والنمو في المعرفة والفهم ، فإنهم«يتوقوون بكل قوة بحسبقدرة مجده». وبهذه الطريقة يتأهبون لخدمة الاخرين . ان المخلص يقصد ان يكون بنو الانسان،المطهرون والمقدسون مساعدين له . وعلينا ان نشكره على هذا الامتياز حيث قد «اهلنا لشركة ميراث القديسين في النور ، والذي انقذنا من سلطان الظلمة ، ونقلنا الى ملكوت ابن محبته». AR 433.1
وقد كتبت رسالة بولس الى اهل فيلبي عندما كان سجينا في روما مثلها مثل رسالة كولوسي . وكانت كنيسة فيلبي قد ارسلت الى بولس بعض العطايابيد ابفرودتس الذي يدعوه بولس: «اخي والعمال معي ، والمتجد معي ورسولكم ، والخادم لخاجتي». واذ كانابفرودتس في روما «مرض قريبا من الموت ، لكن الله رحمه». ثم يقول بولس الرسول : «وليساياه وحده بل اياي ايضا لئلا يكون لي حزن على حزن». فإذ سمع المؤمنون في فيلبيبمرض ابفرودتس امتلأت قلوبهم فزعا عليه ، وقد قرر العودة اليهم. وكتب الرسول يقول : «اذ كان مشتاقاا الى جميعكم ومغموما ، لانكم سمعتم انه كان مريضا ... فاأرسلته اليكم بأوفر سرعة ، حتى اذا رأيتموهتفرحون ايضا وأكون انا اقل حزنا . فاقبلوه في الرببكل فرح ، وليكن مثله مكرما عندكم . لأنه من اجل عمل المسيح قارب الموت، مخاطرا بنفسه ، لكي يجبر نقصان خدمتكم لي» ( فيلبي 2 : 25 — 30). AR 433.2
وقد ارسل بولس رسالة الى مؤمنيفيلبي بيد ابرودتس وفيها شكرهم على عطاياهم التي قد ارسلوها اليه . لقد كانت كنيسة فيلبي اسخى جميع الكنائس في تدبير احتياجات الرسول . وقد قال الرسول في رسالته : «واتم ايضا تعلمونايها الفيلبيون انه في بداءة الانجيل ، لما خرجت من مكدونية ، لم تشاركني كنيسة واحدة في حساب العطاء والاخذ الا انتم وحدكم ,. فإنكم في تسالونيكي ايضا رسلتم الى مرة ومرتين لحاجتي . ليس اني اطلب العطية ، بل اطلب الثمرالمتكاثر لحسابكم . ولكني قد استوفيت كل شيئ واستفضلت. قد امتلأت اذ قلبت من ابفروديسالاشياء التي من عندكم ، نسيم رائحة طيبة ، ذبيحة مقبولة مرضية عند الله» ( فيلبي 4 : 15 — 18). AR 434.1
وهاهو يكتب اليهم قائلا: «نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح . اشكرالهي عند كل ذكري اياكم دائما في كل ادعيتي ، مقدما الطلبة لأجل جميعكم بفرح ، لسبب مشاركتكم في الانجيلممن اول يوم الى الآن. واثقا بهاذ عينه ان الذي ابتدأ فيكم عملا صالحا يكمل الى يوم يسوع المسيح . كما يحق لي ان افتكرهذا من جهة جميعكم ، لأني حافظكمفي قلبي ، في وثقي ، وفي المحاماة عن الانجيل وتثبيته ،انتم الذين جميعكمشركائي في النعمة . فان الله شاهد لي كيف اشتاق الى جميعكم .. وهذا اصليه : ان تزداد محبتكم ايضا اكثر فأكثر في المعرفة وفي كل هم، حتى تميزا الامور المتخالفة ، لكي تكونو مخلصين وبلا عثرة الى يوم المسيح ، مملئين من ثمر البر الذي بيسوع المسيح لمحد الله وحمد» ( فيبلي 1 : 2 — 11). AR 434.2
لقد اعانت نعمة الله بولس في جسنه وساعدته كي يفرح في الضيق . فبإيمان ويقين كتب الى اخوته في فيبلي يقول لهم ان سجنه كان من نتائجه تقدم الانجيل . فقال : «ثم اريد ان تعلموا ايها الاخوة ان اموري قد آلت اكثر الى تقدم الانجيل ، حتى ان وثقي صارت ظاهرة في المسيح في كل دار الولاية وفي باقي الاماكناجمع . واكثر الاخوة ، وهم واثقون في الرب بوثقي ، يجترئون اكثر على التكلم بالكلمة بلا خوف» ( فيلبي 1 : 12 — 14). AR 434.3
ان لنا في اختبار بولس هذا درسا ، لأنه يعلن لنا عن طريقة الله في العمل . ان الرب يستطيع ان يخرج النصرة مما يبدو انه فشل وهزيمة . واننا في خطر من ان ننسى الله، وننظر ما يرى بدلا من ان ننظر بعين الايمان الى ما لايرى. فعندما يحالفنا سوءالحظ او تحل بنا كارثة او بلية فسرعان مانتهم الله بالاهمالاو القسوة . واذا كان يرى من المناسب او يوقف نفعنافي ناحية ما ، فإننا ننوح ولا نجلس لنفكر في ان الله قد يعمل لخيرنا بهذه الطريقة. اننا نحتاج ان نتعلمان التأديب هو جزء من خطته العظيمة، وان المسيحي وهو تحت عصا التأديب قد يخدم سيده احيانا اكثر مما لو كان يشتغل يقوم بخدماته النشطة. AR 435.1
ان بولس يوجه انظار اهل فيلبي الى المسيح كمثال لهم في الحياة المسيحية قائلا : «الذي اذ كان في صورة الله ، لم سحب خلسة ان يكون معادلالله . لكنه اخلى نفسه ، آخذا صورة عبد ، صائرافي شبه الناس . واذ وجد في الهيئة كانسان ، وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب .» AR 435.2
ثم استطرد يقول: «اذا يااحبائي ، كما اطعتم كل حين ، اليس كما في حضوري فقط ، بل الآن بالأولى جدا في غيابي، تمموا خلاصكم بخوف ورعدة ، لأن الله هو العامل فيكم ان تريدوا وان تعملوا من اجل المسرة .افعلوا كل شيئ بلا دمدمة ولا مجادلة، لكي تكونو بلا لو ، وبسطاء ، اولادا لله بلا عيبفي وسط جيلمعوج وملتو ، تيضئون بينهم كأنوار في العالم . متمسكين بكلمة الحياة الافتخاري في يوم المسيح ، بأني لم اسع باطلا ولاتعبت باطلا» ( فيبلي : 5 — 8 ، 12 — 16). AR 435.3
لقد سجل هذا الكلام لمساعدة كل نفس مجاهدة . ان بولس يرفع مثال الكمال عاليا ويرينا كيف يمكننا بلوغه والوصول اليه . فيقول : «تمموا خلاصكم بخوف ورعدة ، لأن الله هو العامل فيكم» AR 436.1
ان عمل نيل الخلاص هو عمل مساهمة مشتركة وعملية متصلة. فينبغي ان يوجد تعاون بين الله وبين الخاطئ التائب. هذا لازم وضروري لأجل تكوين مبادئ صائبة وعادلة في الخلق . فعلى الانسان ان يبذلجهودا جادة لينتصر على مايعطله عن بلوغ الكمال . ولكنه يعتمد بالتمام على لاحراز النجاح. ان المجهود البشري قاصر في حد ذاته. فبدون معونة القوة الالهية لاجدوى منه. فالله يعمل والانسان يعمل كذلك، ولكن الانسان هو الذي يجب عليه ان يقاوم التجربة وعليه ان يستمد قوته من الله . فمن الناحية الواحدة توجد الحكمة والرأفة والمدرة غير المحدودة ، ومن الاخرى يوجد الضعف والشر والعجز التام. AR 436.2
ان الله يريدنا ان نسيطر على نفوسنا . ولكنه لايستطيع مساعدتنا في ذلك بدون رضانا وتعاوننا . ان روح الله يعمل عن طريق القوى والذكاء والمقدرة المعطاة للانسان . اننا من ذواتنا لانستطيع التوفيق بين الاغراض والرغبات والميولو بين ارادة الله . ولكن اذا رغبنا فالمخلص سيتمم هذا لنا : «هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله، ومستأسرين كل فكر الى طاعة المسيح» ( 2 كورنثوس 10 : 5 ). AR 436.3
ان من يريد ان يبني خلقا متناسقا قويا ، ويريد ان يصير مسيحيا متزنا ، عليه ان يقدم كل شيئ ويفعل كل شيئ لأجل المسيحلان الفادي لايقبل خدمةمجزأة، فعليه ان يتعلم كل يوم معنى تسليم الذات . عليه ان يدرس كلمة الله متفهما معناها مطيعا لوصاياها . وهكذا يمكنه بلوغ مقياس التفوق المسيحي. والله يعمل معه يوما فيوما مكملا الخلق الذي سيثبت في وقت الامتحان النهائي. ويوما فيوم يؤدي المؤمن أمام الناس والملائكة تجربة سامية مبينا ما يمكن للانجيلان يفعله للبشر الساقطين . AR 436.4
وقد كتب بولس يقول : «انا لست احسب نفسي اني قد ادركت . ولكني افعل شيئا واحدا : اذ انا انسىماهو وراء وأمتد إلى ماهو قدام ، اسعى نحو الغرضلأجل جعالة دعوة الله العليافي المسيح يسوع» ( فيلبي 3 : 13 ، 14 ). AR 437.1
لقد عمل بولس اعمالا كثيرة . فمنذ الوقت الذي قدم فيه ولاءه للمسيح ، ازدحمت حياته بخدمات لاتكل . فمن مدينة الى مدينةومن بلد الى بلد كان يسافر مخبرا الناسبموضوع الصليب، وكان يربح مهتدين للانجيلكما كان يؤسس كنائس. وكان يرعى هذه الكنائس رعاية دائمة ويكتب اليها رسائيل كثيرة تتضمن تعاليم ثمينة . واحياناكان يزاول حرفته ليكب قوته اليومي . ولكن في كل اعمال ونشاطات حياته ، لم يغب عن نظره قط غرض واحد عظيم ، وهو ان يتقدم الى جعالة دعوته العليا . وقد وضع أمامه هدفا واحدا ثابتا — وهو ان يكون امينا لذاك الذي اعلن نفسه له عند باب دمشق . ولم يمكن لشيئ ان ياحول نظره عن هذا الغرض . فكونه يعظم ثليب الجلجثة. كان هو الباعث الذي استوعب كل تفكيره والذي كان ملهما له في كلامه واعماله. AR 437.2
ان ذلك الهدفالعظيم الذي دفع بولس الى الامتداد الى ماهو قدام وجه المشقات والصعوبات ينبغي ان يدفه كل خادم للمسيح ان يكرس نفسه بالتمام لخدمة الله . وستعرض أمامه الجواذب الدنيوية لتحول انتباهه بعيدا عن المخلص ، ولكن عليه ان يسعى نحو الغرض ، مبرهنا للعالم وللملائكة وللناس ان الامل في رؤية وجه الله يساوي كل الجهد والتضحية اللذين يتطللبهما بلوغ هذا الرجاء. AR 437.3
ان بولس مع كونه سجينا فانه لم يفشل . وبدلا من ذلك فإن نغمة الانتصار ترن في كل الرسائل التي كتبها من روما للكنائس. فقد كتب الى اهل فيلبي يقول : «افرحو في الرب كل حين ، واقول ايضا افرحوا .. لاتهتموا بشيئ ، بل في كل شيئ بالصلاة والدعاءمع الشكر ، لتعلم طلباتكم لدى الله . وسلام الله الذي يفوق كل عقل ، يحفظ قلوبكم وافكاركم في المسيح يسوعاخيرا ايهاالاخوة كل ماهو حق، كل ماهو جليل ، كل ماهو عادلنكل ماهو طاهر ، كل ماهو مسر ، كل ماصيته حسن، ان كانتفضيلة وان كان مدخ ، ففي هذه افتكروا» «فيملأ الهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد المسيح يسوع ... نعمة ربنا يسوعالمسيح جميعكم آمين» (فيلبي 4 : 4 ، 8 ، 9 ، 19 ، 23), AR 437.4