أعما لالرُّسل
الفصل السادس والاربعون
اطلاق سراح بولس
عندما بوركت خدمات بولس في روما باهتداء نفوس كثيرة وتقوية المؤمنين وتشجعيهم، بدأت تتجمع السحب التي كانت تتهدد ، ليس فقط سلامته بل ايضا نجاح الكنيسة وتقدمها . فحين وصل الى رومااولا وضع تحت حراسة رئيس معسكر الحرس الامبراطوي الذي كان رجلا عادل ومستقيما ، وعن طريق رأفته وحلمه كانت لبولسحرية نسبية لمواصلة القيام بعمل الانجيل . ولكن قبل نهاية سنتي السجن، حل محل هذا الرجل موظف قاس لم يكن الرسول ينتظر منه أي معروف خاص. AR 439.1
وقد صار اليهود الآن انشط مما كانوا في مساعيهم . ضد بولس، وقد وجدوا لهم معينا مقتدرا في شخص المرأة المتهتكة التي جعلها نيرون زوجة الثانية ، والتي لكونها مهتدية يهودية ، القت بكل نفوذها لمساعدتهم في خططهم الاجرامية ضد بطل المسيحية. AR 439.2
ولم يكن بولس ينتظر كثيرا من العدالة منالقيصر الذي قد رفع دعواه اليه . فقد كان نيرون اكثر انحطاطا من الناحية الادبية ، واكثر استهتارا في اخلاقه، وفي الوقتنفسه اكثر اقتدارا في قسوته الفظيعة من أي حاكم سابق . ان عنان الحكم لايمكن ان يوكل الى ملك اشد منه طغيانا . ففي اول سنة من حكمه قتل بالسم اخاه الاصغر ، ابن ابيه ، الذي كان الوارث الشرعي للعرش. وقد انحدر نيرون من بؤرة عميقة للرذيلة والجريمة الى بؤرة اكثر عمقا، حتى قتل امه ، وبعد ذلك قتل زوجته . لم تكن هنالك رذيلة افضع من ان يقترفها ، ولا عمل اشد سفالة من ان ينحدر اليه، لقد كانت اعماله لاتثير سوى الكراهيةوالبغض والازدراء في كل عقل نبيل . AR 439.3
هذا وان الآثام التي ارتكبت في بلاطه كانت منحطة ورهيبة الى اقصى حد ، بحيث لايمكن وصفها. إن شروره وخلاعته خلقت اشمئزازا ونفورا ، حتى في نفوس العديد ممن اجبروا على مشاركته في جرائمه . فباتوا في خوف مستمرمما سيتمخض به من فظائع يقترحها عليهم . ومع ذلك فحتى مثل تلك الجرائم التي ارتكبها نيرون لم تؤثر في ولاه رعاياهله . اقد اعترف به بوصفه الحاكم المطلق على العالم المتدمن كله واكثر من هذا ، فقد كان يتقبل الكرامات المقتصرة على الله ، ويعبد كإله. AR 440.1
فمن وجهة نظر الحكم البشري ، كانت ادانة بولس امام مثل هذا القاضي مؤكدة . ولكن الرسول كان يحس انه طالما ظل على ولائه واخلاصه لله، فليس هناك مايخشاه . فذلك الذيكان حارسا له فيما مضى يستطيع ايضا ان يقيه من خيث اليهود وحقدهم ، ومن سلطان القيصر . AR 440.2
وقد كان الرب حاميا لعبده . فعند محاكمة بولس وجد ان التهم الموجهة ضده لم يكن ممكنا اثباتها .وعلى غير ماكان يتوقعه الجميع ، ومراعاة للعدالة التي كانت مغايرة تماما لخلق نيرون ، اعلن ذلك القيصر ان الاسير غير مذنب فأزيلت القيود عن بولس ومرة اخرى امسى انسانا حرا . AR 440.3
فلو ارجئت محاكمته وقتا اطول ، او لو ابقى في روما الى السنة التاليةلأي سبب ، لكان قد هلك حتما في الاضطهاد الذي حدث حينئذ. وفي غضون مدة سجن بولس زاد عدد المهتدين الى المسيحية زيادة عظيمة بحيث استرعت انتباه السلطات واثارت عداوتها . وقد ثار غضب الامبراطور خصوصا عندما اهتدى الى المسيح بعض اعضاء بيته، وسرعان ماوجد علة جعل لأجلها المسيحيين هدفا لقسوته التي لاترحم. AR 440.4
ففي ذلك الوقت تقريبا حدث حريق هائلفيروما دمر حوالي نصف المدينة. وقد انتشرت اشاعة تقول ان نيرون نفسه هوالذي امرباضرام النار في المدينة، فلكي يحولعن نفسه التهمة تظاهر بسخاء وكرم عظيمينبكونه ساعد الذين بلا مأوى والمعدمين. ومع ذلك فقد اتهم بتلك الجريمة . فهاج الناس وغضبوا . فكلي يبرئ نفسه ولكي تتخلص المدينة من جماعة من الناس كان هو يخشاها ويبغضها ، الصق نيرون التهمة بالمسيحييين . وقد افلحت مكيدته ومات آلاف من اتباع المسيح منالرجال والنساء والاطفال ميتات قاسية. AR 441.1
وقد أبقى على حياة بولس فلم يلحقه هذا الاضطهاد ، لأنه حالمااطلق سراحه غادر روما . وقد احسن استخدام فترة الحرية الاخيرة. هذه بكل اجتهاد اذ خدم في الكنائس وقد حاول ان يقيم اتحادا اوثق بينالكنائس اليونانية والكنائس الشرقية ويحصن عقولالمؤمنين ضد التعاليم الكاذبة التي كانت تزحف الى الكنائس لكي تفسد ايمانها . AR 441.2
ان التجارب والهموم التي احتملهابولس اثرت على قوه الجسدية . وقد ادركته ضعفات الشيخوخة. واحس انه يقوم بآخر عمل له ، وكلما قصرت مدة خدمته كلما زادت جهوده التي بذل فيها قصاراه . وقد بدا كأن لاحد لغيرته . فإذ كان ثابتا في عزمه وسريعا في عمله وقويا في ايمانه ، كان يسافر من كنيسة الى كنيسة في اقطار عديدة، ويحاول بكل وسيلة في مقدوره ان يشدد أياديالمؤمنين ليكونوا أمناءفي خدمة ربح النفوس ليسوع، وفي الازمنة الصعبة التي كانوا قادمين عليها يظلون ثابتينفي ايمان الانجيل ويشهدون للمسيح شهادة امينة. AR 441.3