الاباء والانبياء

48/75

الفصل السادس والأربعون—البركات واللعنات

بعدما نفذ الحكم في عخان بموته أمر الرب يشوع أن يصف كل رجال الحرب ويتقدموا للهجوم على عاي ثانية . وقد كانت قوة الله مع شعبه ، ولذلك فسرعان ما احتلوا المدينة . AA 443.1

أما الآن فقد توقفت العمليات الحربية حتى يشترك كل إسرائيل في خدمة دينية مقدسة كان الشعب مشتاقين إلى الحصول على مكان استقرار في كنعان ، إذ أنهم إلى ذلك الحين لم تكن لهم بيوت ولا أراض ، فكي يحصلو على هذه وجب عليهم أن يطردوا الكنعانيين ، ولكن هذا العمل الهام ينبغي إرجاؤه ، لأن واجبا آخر أسمى كان يتطلب اهتمامهم الأول . AA 443.2

كان عليهم قبل حصولهم على ميراثهم أن يجددوا عهد ولائهم لله . ففي آخر تعليمات موسى لهم أرشدهم مرتين إلى أنه ينبغي أن تجتمع كل الأسباط على جبلي عيبال وجرزيم في شكيم لكي يعترفوا اعترافا مقدسا بشرعية الله . فامتثالا لهذه الأوامر ترك كل الشعب ، ليس فقط الرجال بل حتى ( النساء والأطفال والغريب السائر في وسطهم ) (يشوع 8 : 30 — 35) - الجميع تركوا محلتهم في الجلجال وساروا مخترقين أرض أعدائهم إلى وادي شكيم قرب البقعة التي تقع في وسط الأرض . ومع أنهم كانوا محاطين بأعداء لم يخضعوهم بعد فقد كانو آمنين تحت حراسة الله طوال ما ظلوا أمناء له . واليوم كما في أيام يعقوب ( كان خوف الله على المدن التي حولهم ) (تكوين 35 : 5) لم يتضايق العبرانيون . AA 443.3

وكان المكان المعين لهذه الخدمة المقدسة قد تقدس من قبل لصلته بتاريخ آبائهم . ففي هذا المكان أقام إبراهيم أول مذبح للرب في أرض كنعان . وفي هذا المكان نصب كل من إبراهيم ويعقوب خيامهما ، وفي هذا المكان اشترى يعقوب قطعة الحقل الذي كان رجال الأسباط سيدفنون فيه عظام يوسف ، وفي هذا المكان كانت البئر التي حفرها يعقوب ، والبلوطة التي طمر تحتها تماثيل أوثان بيته . AA 443.4

والبقعة المختارة كانت من أجل بقاع فلسطين كلها ، وكانت تستحق أن تكون مسرحا يمثل عليه ذلك المنظر المؤثر الجليل . فذلك الوادي الجميل بما فيه من حقول خضراء تنتشر فيها أغراس الزيتون ، وترويها جداول آتية من ينابيع مياه حية ، وتزينها الأزهار البرية قد بدت أمامهم في شكل جذاب في وسط التلال القفراء . وكان جبل عيبال وجبل جرزيم على طرفي الوادي المتقابلين ، وكانا متقاربين ، كما كانت سفوحهما تصلح لأن تكون منصبة طبيعية . وكان الواقفون على أحد ذينك الجبلين يسمعون كل كلمة يقولها الواقفون على الجبل الآخر ، بينما كانت جوانب الجبلين المنبطحة تصلح لاجتماع جماهير غفيرة من الناس . AA 444.1

وبناء على التعليمات التي أخذت عن موسى أقيم نصب من حجارة عظيمة على جبل عيبال . وعلى هذه الأحجار ، التي كانت قد طليت من قبل بطبقة من الجص ، نقشت الشريعة ، ليس فقط الوصايا العشر التي نطق الله بها من فوق جبل سيناء وكتبت على لوحي حجر ، بل أيضا الشرائع التي أعطيت لموسى وكتبها في سفر . وإلى جانب هذا النصب بني مذبح من حجارة غير منحوتة قدمت عليه ذبائح الله . إن حقيقة كون المذبح أقيم على جبل عيبال الذي وضعت عليه اللعنة كان لها مغزاها ، وهي تدل على أنه لكون إسرائيل قد تعدوا شريعة الله فقد جلبوا على أنفسهم غضبه العادل وكان يمكن أن يفتقدهم بغضبه حالا لولا كفارة المسيح التي يرمز إليها مذبح المحرقة . AA 444.2

وقد أوقف ستة من الأسباط كلهم من نسل ليئة وراحيل على جبل جرزيم . بينما أولئك الذين من نسل الجاريتين ومعهم سبط رأوبين وزبولون وقفوا على جبل عيبال ، وكان الكهنة ومعهم التابوت في الوادي بين الجبلين . فلما ضرب بالبوق أعطى الجميع سكوتا أحرى . ففي وسط ذلك السكون الشامل وعلى مشهد من ذلك الجمهور العظيم وقف يشوع إلى جوار التابوت المقدس وتلا البركات التي ستكون من نصيب من يطيعون شريعة الله . فكل الأسباط الواقفين على جبل جرزيم أجابوا بقولهم : أمين . وبعد ذلك نطق باللعنات فأجاب الواقفون على جبل عيال بقولهم آمين . وكانت ألوف ألوف الأصوات متحدة كما لو كانت صوت رجل واحد في التجاوب المهيب . وبعد ذلك قرئت شريعة الله مع كل الوصايا والأحكام التي قد سلمهم إياها موسى . AA 444.3

لقد أخذ إسرائيل الشريعة من فم الله رأسا في سيناء ، وهو الذي كتب تلك الوصايا المقدسة بيده ، وهي لا تزال محفوظة في التابوت . والآن ها هي تكتب للمرة الثانية في مكان حيث يمكن أن يطلع عليها الجميع ، كما كان لجميعهم امتياز أن يشاهدوا لأنفسهم شروط العهد الذي بموجبه يمكنهم امتلاك كنعان ، ووجب عليهم جميعا أن يعلنوا قلوبهم لشروط العهد ومصادقتهم على البركات أو اللعنات في حال حفظها أو إهمالها . إن الشريعة لم تكتب على تلك الأحجار التذكارية فقط ، ولكن يشوع قرأها بنفسه في مسامع كل إسرائيل . وقبل ذلك بأسابيع قليلة نطق موسى في ماسمع الشعب بكل ما ورد في سفر التثنية بشكل أحاديث ، ومع ذلك فقد أعاد يشوع قراءة الشريعة في مسامعهم . AA 445.1

ولم يكن رجال إسرائيل هم وحدهم الذي أصغوا إلى قراءة الشريعة ، بل أيضا ( النساء والأطفال ) ، لأنه كان من المهم جدا لهؤلاء أيضا أن يعرفوا واجبهم ويقوموا به . وقد أوصى الله إسرائيل بخصوص هذه الوصايا قائلا : ( ضعوا كلماتي هذه على قلوبكم ونفوسكم ، واربطوها علامة على أيديكم ، ولتكن عصائب بين عيونكم ، وعلموها أولادكم ... لكي تكثر أيامك وأيام أولادك على الأرض التي أقسم الرب لآبائك أن يعطيهم إياها ، كأيام السماء على الأرض ) (تثنية 11 : 18 — 21) . AA 445.2

وفي آخر كل سبع سنين كان ينبغي أن تقرأ كل الشريعة أمام كل إسرائيل . فقد أمر موسى قائلا : ( في نهاية السبع السنين ، في ميعاد سنة الإبراء ، في عيد المظال ، يحنما يجيء جيمع إسرائيل لكي يظهروا أمام الرب إلهك في المكان الذي يختاره ، تقرأ هذه التوراة أمام كل إسرائيل في مسامعهم . اجمع الشعب ، الرجال والنساء والأطفال والغريب الذي في أبوابك ، لكي يسمعوا ويتعلموا أن يتقوا الرب إلهكم ويحرصو أن يعملوا بجميع كلمات هذه التوراة . وأولادهم الذين لم يعرفوا ، يسمعون ويتعلمون أن يتقوا الرب إلهكم كل الأيام التي تحيون فيها على الأرض التي أنتم عابرون الأردن إليها لكي تمتكلوها ) (تثنية 31 : 10 — 13) . AA 445.3

إن الشيطان يدأب في العمل دائما محاولا أن يفسد كلام الله ويعمي العقول ويظلم الأذهان ، وهكذا يسوق الناس الى الخطية ، ولهذا نجد الله يتكلم كلاما واضحا جدا وهو يجعل كل مطاليبه واضحة هكذا جدا بحيث لا يخطئ فهمها أحد . والله يسعى باستمرار ليجعل الناس يقتربون منه ليكونوا تحت ظل حماته حتى لا يستخدم الشطان قوته القاسية الخادعة ضدهم . لقد تنازل الله فكلمهم بصوته ، وكتب بيده تلك الوصايا الحية . وهذه الأقوال المباركة النابضة بالحياة والتي يشع منها نور الحق سلمت للناس كمرشد ودليل كامل . ولكون الشطيان مستعدا أبدا أن يصرف العقول ويميل العواطف عن مواعيد الله ومطاليبه ، لهذا علينا أن نبذل كل الجهد في تثبيت هذه الأقوال الإلهية المقدسة في عقولنا وطبعها على قلوبنا . AA 445.4

وعلى المعلمين الدينيين أن يبذلوا جهدا أعظم في تعليم الشعب الحقائق والدروس التي يستقونها من تاريخ الكتاب ، فضلا عن انذارات الرب ومطالبيه . وينبغي أن تقدم هذه في لغة بسيطة تناسب أفهام الأطفال . كما أنه من واجب الخدام والآباء أن يهتموا بتعليم الصغار الحقائق الكتابية . AA 446.1

إن الآباء قادرون ولذلك عليهم أن يشوقوا الأطفال لمعرفة التعاليم الواردة في الكتاب المقدس . ولكن إذا كانوا يريدون حقا أن يشوقوا أبناءهم وبناتهم لمعرفة ما جاء في كتاب الله فينبغي أن يكونوا هم أنفسهم محبين للكتاب وشاعرين بلذة قراءته . عليهم أن يحيطوا بتعاليمه ، وكما أمر الله إسرائيل عليهم هم أيضا أن يتكلموا بها ( حين تجلوسن في بيتوكم وحين تمشون في الطريق ، وحين تنامون ، وحين تقومون ) (تثنية 11 : 19) . فالذين يرغبون في أن يحب أولادهم الله ويوقروه عليهم أن يحدثوهم عن صلاحه وجلاله وقدرته كما هو معلن في الكتاب وفي أعمال الخلق . AA 446.2

كل أصحاح وكل آية في الكتاب هي رسالة من الله للناس . وعلينا أن نربط كلمته كعلامة على أيدينا وكعصائب بين عيوننا . لو درس شعب الله كلمته وأطاعوها لهدتهم الآن كما قد هدى بني إسرائيل عمود السحاب نهارا وعمودا النار ليلا . AA 446.3

* * * * *