خدمة الشفاء

18/271

اذهبي ولا تخطئي أيضاً

كان عيد المظال قد انتهى منذ قليل، وكان الكهنة والمعلمين في أورشليم قد أحبطت مؤامراتهم ضد يسوع. وعندما أقبل المساء «مضى كل واحد إلى بيته. أما يسوع فمضى الى جبل الزيتون» (يوحنا7 : 53؛ 8: 1) . KS 43.1

لقد ترك يسوع المدينة باحتياجها وشغبها والجموع المشتاقة والمعلمين الغادرين وأنطلق إلى بساتين الزيتون حيث أمكنه الانفراد مع الله. ولكنه عاد إلى الهيكل في الصباح الباكر، وإذا اجتمع الشعب حوله جلسا يعلمهم . KS 43.2

ولكن سرعان ما قواطع ، فإن جماعة من الفريسيين والكتبة دنوا منه وهم يسحبون امرأة يكاد يقتلها الرعب اتهموها، بأصوات قاسية متحمسة، بأنها قد كسرت الوصية السابعة. فإذ دفعوها أمام يسوع قالوا وهم يصنعون الاحترام الرياء: «يامعلم هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم فماذا تقول أنت» ؟ (يوحنا ٨: 4 و5). KS 43.3

إن احترامهم الكاذب كان يخفي وراءه مؤامرة دفينة إهلاكه، فلو أطلق يسوع المرأة لاتهم باستخافه بناموس موسى ، ولو أعلن أنها تستحق الموت اشتكوا عليه للرومان بأنه يدّعي لنفسه سلطة هي من حق الرومان وحدهم. KS 43.4

نظر يسوع إلى ذلك المشهد - إلى الضحية المرتفعة وهي مجلة بعارها، وإلى أولئك الأحبار الصارمي الوجوه المجردين حتى من العطف الإنساني، وقد انقبضت روحه الطاهرة النقية من ذلك المنظر. وإذ لم يبد أية علامة تدل على أنه قد سمع سؤالهم، انحنى وثبت عينه على الأرض وابتدأ يكتب في التراب. KS 43.5

فإذا نفذ صبرهم أمام تأخيره وعدم اكتراثه الظاهر اقترب منه أولئك المشتكون ملحين في طلب اهتمامه، ولكن إذا وقعت أبصارهم على الأرض عند قدميه حيث كان هو ينظر سكتت أصواتهم ، فقد راوا أمام عيونهم خفايا حياتهم الشريرة مسطرة على الأرض. KS 43.6

وإذا قام يسوع. وثبت عينيه على أولئك الشيوخ المتآمرين قال لهم: «من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر» (يوحنا ٨: 7). ثم انحنى مرة أخرى استأنف الكتابة. انه لم يطرح ناموس موسى جانباً ولا تعد سلطة روما، فانهزم المشتکون. والأن إذ تمزقت ثياب قداستهم الكاذبة عنهم وقفوا مذنبين ومحكوماً عليهم أمام الطهارة الكاملة. وإذ ارتعبوا خشية أن يفتضح شر حياتهم الخفي أمام الشعب في رؤوس منحنية وبعيون ذليلة انسحبوا، تاركين ضحيتهم مع المخلص الرحيم . KS 43.7

انتصب المسيح، وإذ نظر إلى المرأة قال لها: «أين هم أولئك المشتكون عليك . أما دانك أحدا؟ فقالت لا أحد يا سيد. فقال لها يسوع ولا أنا أدينك. اِذهبي ولا تخطئي أيضا).(يوحنا 8: 10و 11). KS 43.8

كانت المرأة قد وقفت أمام يسوع مطأطئة الرأس و مرتعدة خوفاً. إن قوله: «من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر» كان في نظرها بمثابة حكم الموت ولم تجرؤ على أن ترفع عينيها إلى وجه المخلص ، ولكنها بكل سكون أنتظرت الحكم عليها. ولشدة دهشتها رأت المشتركين عليها يرحلون صامتين مرتبكين. وحينئذ وقعت على مسامعها كلمات الرجاء: «ولا انا ادينك .. اذهبي ولا تخطئي أيضا»، فذاب قلبها. وإذ طرحت نفسها عند قدمي يسوع سكيت محبتها وشكرها في دموعها التي سقيتها. بدموع الحزن والانسحاق تعترف بخطاياها. KS 44.1

كان هذا بالنسبة لها بدء حياة جديدة ، حياة الطهارة والسلام المكرسة لله. إن يسوع إذ رفع هذه النفس الساقطة أجرى معجزة أعظم من شفاء أعظم مرض جسدي مستعصي. لقد شفي المرض الروحي الذي نهايته الموت الأبدي. وصارت هذه المرأة التائبة واحدة من أخلص تابعية ويثبتهم. قبل محبة مضحية وتكريس برهنت على شكرها له على رحمته الغافرة. لم يقدم العالم لهذه المرأة الخاطئة سوى الاحتقار والازدراء ، ولكن السعيد البار الذي بلا خطية رثى لضعفها ومد لها يد العون . ففي حين أن الفريسيين المرائين نبذوها قال لها يسوع: «اذهبي ولا تخطئي أيضاً». KS 44.2

إن يسوع لا يريد أن من قد دفع في فدائهم هذا الثمن الغالي يصيرون ألعوبة التجارب العدو. وهو لا يريدنا أن تنهزم ونهلك. إن ذاك الذي سد أفواه الأسود في الجدب والذي سار مع الشهود الأمناء في وسط اتون النار ما تزال له نفس الرغبة في أن يعمل لأجلنا لنقهر كل شر في طبيعتنا واليوم هو يقف أمام مذبح الرحمة مقدماً لله صلوات من يستنجدون به. إنه لا يطرد أي إنسان نائح منسحق القلب ابدا، بل يقدم عفواً مجانياً لكل من يقبلون إليه في طلب الغفران والتجديد. إنه لا يخبر أياً كان كل ما يريد أن يعلنه، ولكنه يأمر كل نفس خائفة مرتعدة أن تشجع. فكل من أراد، يمكنه أن يتمسك بقوة الله، ويتصالح معه. فيصنع الله صلحا معه. KS 44.3

إن النفوس التي تتجه إلى يسوع لتلجأ إليه يرفعها فوق إتهامات الألسن ومخاصمته. ولا يمكن لأي إنسان أو أي من الملائكة الأشرار أن يتهم هذه النفوس بالخيانة. إن المسيح يوحدهم في طبيعته الإلهية البشرية. إنهم يقفون إلى جوار حامل الخطايا العظيم في النور الذي يشع عليهم من عرش الله. KS 44.4

إن آدم يسوع المسيح يطهر «من كل خطية» (1 يوحنا 1: 7). KS 44.5

«من سیشتکي على مختاري الله. الله هو الذي يبرر، من هو الذي يدين . المسيح» هو الذي مات بل بالحري قام أيضاً الذي هو أيضاً عن يمين الله الذي أيضاً يشفع فينا» (رومية ۳۳:۸ و 34). KS 44.6