خدمة الشفاء

19/271

«غنيمة العاتي تفلت»

لقد برهن المسيح على أن له السيادة التامة على الرياح والأمواج والناس الذين فيهم شياطين. فذاك الذي سكن العاصفة وهذا البحر المضطرب تكلم بالسلام العقول الحائرة التي غلبها الشيطان على أمرها. KS 45.1

كان يسوع يتكلم في مجمع كفرناحوم عن أنه قد أرسل ليحرر عبيد الخطية. ولكنه قطع بصيحة رعب. ذلك أن رجلاً مجنوناً اندفع من بين الشعب إلى الأمام وصرخ قائلا: «آه ما لنا ولك يا يسوع الناصري . أتيت لتهلكنا. أنا اعرفك من انت قدوس الله» (مرقس 1: 24). KS 45.2

انتهر يسوع الشيطان قائلاً: «اخرس واخرج منه. فصرعه الشيطان في الوسط و خرج منه ولم يضره شيئا» (لوقا 4: 35). KS 45.3

إن السبب في مرض هذا الرجل وبلاء كان أيضاً بسبب حياته هو. لقد استهوته مسرات الخطية وفكر في أن يجعل الحياة عيدا للأكل والطرب وكرنفالأعظيماً. إن عدم اعتداله، وطيشه قد أفسدا وشوها السجايا النبيلة في طبيعته، فسيطر الشيطان عليه سيطرة تامة. وقد استولى عليه الندم بعد فوات الفرصة. فعندما كان يمكنه أن يضحي بالغنى والسعرات ليسترد رجولته الضائعة صار ضحية عاجزة في قبضة الشر. KS 45.4

وإذ كان في حضرة المخلص أوقظ يتوق إلى الحرية، ولكن الشيطان قاوم قوة المسيح. فعندما حاول الرجل أن يلجأ إلى يسوع في طلب العون وضع الروح الشرير في فمه كلاما، فصرخ من عذاب الخوف، لقد أدرك المجنون جزئيا أنه في حضرة من يستطيع أن يطلقه حراً، ولكن عندما حاول أن يصير في متناول تلك اليد القوية سيطرت عليه إرادة شخص آخر ونطق بكلام شخص آخر. KS 45.5

وكان الصراع بين رغبته وقوة الشيطان صراعاً رهيباً. وقد بدا وكأن ذلك الإنسان المعذب ينبغي أن يفقد حياته في ذلك الصراع مع العدو الذي دمر رجولته، ولكن المخلص تكلم بسلطان وحرر الأسير، فوقف الرجل الذي كان فيه الشيطان أمام الناس المندهشين جراء رابط الجاش. KS 45.6

وبصوت الفرح شكر الله على خلاصه. فالعين التي كانت منذ قليل تتقد بنار الجنون صارت تشع منها أنوار الذكاء و تفيض بدموع الشكر . وقد أبهمت الدهشة الشعب. وحالما استردوا أنفاسهم واستطاعوا الكلام جعلوا يقولون بعضهم لبعض: «ما هو هذا التعليم الجديد لأنه بسلطان يأمر حتى الأرواح النجسة فتطيعه» (مرقس 1 :27) . KS 45.7

توجد جماهير كثيرة اليوم ممن هم تحت سيطرة الأرواح الشريرة تماماً كما كان مجنون كفرناحوم. فكل من يختارون ترك وصايا الله يضعون أنفسهم تحت سيطرة الشيطان . كثيرا ما يتحرش الإنسان بالشر ظنا منه أنه يستطيع التخلص منه متى أراد، ولكنه يُغوى وينجرف قليلاً قليلاً حتي يجد نفسه تحت سيطرة إرادة أقوى من إرادته. وهو لا يقوى على التخلص من قوتها الخفية، فقد تتحكم فيه الخطية السرية أو الشهوة المتكبرة وتأسره فيمشي عاجزاً مجنون كفرناحوم. KS 46.1

ومع ذلك فإن حالته غير ميئوس منها. إن الله لا يسيطر على عقولنا رغم إرادتنا. ولكن لكل إنسان الحرية في اختيار السلطان الذي يريد أن يخضع له. إنه لم ينحدر أحد إلي دركة مسحيقة وليس أحد فاسدا جدا إلا ويمكنه أن يجد الخلاص في المسيح. إن المجنون وهو في بيت الصلاة أمكنه أن ينطق بكلام الشيطان وحده، ومع ذلك فإن صراخ قلبه الذي لم ينطق به قد مسمع . إن كل صرخة تصدر من النفس المحتاجة وإن لم يعبر عنها بالكلام لابد أن تسمع. والذين يرضون بالدخول في عهد مع الله لا يتركون لسلطان الشيطان أو ضعف طبيعتهم. KS 46.2

«هل تسلب من الجبار غنيمة وهل يقتل سبي المنصور... هكذا قال الرب حتى سبي الجبار ينسلب وغنيمة العاتي تقلت وأنا أخاصم مخاصمك واخلص أولادك» (اشعیاء ۲4:4۹و25). KS 46.3

وذاك الذي بالإيمان سيفتح باب القلب للمخلص سيكون التغيير الذي يحدث فيه مدهشا وعجيبا. KS 46.4