خدمة الشفاء

166/271

البيـــــــــــت

١ - خدمة البيت

إن رد الإنسانية ورفعها يبدأ من البيت. وعمل الوالدين هو أساس كل عمل آخر. فالمجتمع مكون من الأسر وهو يكون كما يصنعه رؤوس العائلات. إن من القلب ومخارج الحياة» (أمثال 4 : 23)، وقلب المجتمع والكنيسة والأمة هو البيت. وخير المجتمع ونجاح الكنيسة وازدهار الأمة ونجاحها كل ذلك يتوقف على مؤثرات البيت . KS 217.1

إن فرص الحياة البيئية وأهميتها ممثلة في حياة يسوع. فذاك الذي أتى من السماء ليكون لنا مثالا ومعلما قضى ثلاثين سنة كأحد أفراد البيت في الناصرة، والكتاب لا يخبرنا بشيء عن هذه السنين إلا كلاما موجزا جدا. فلم تسترع انتباه الشعب معجزات عظيمة. ولم تتأثر خطواته جموع مشتاقة، ولا أصغت إلى أقواله. ومع ذلك المدى هذه السنين كلها كان يتمم رسالته الإلهية. لقد عاش كواحد منا مقاسما الآخرين في الحياة البيئية، خاضعا لنظامها، ومتمما واجباتها، وحاملاً أثقالها. وفي الرعاية الواقية لبيت وضيع ، وهو يقاسمنا في اختبارات حياتنا العادية، «كان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس» (لوقا٢ : ٢ه). KS 217.2

ومدى سني العزلة هذه كانت تفيض من حياته أنهار من العطف والعون. إن آثاره و صبره واحتماله و شجاعته وإيمانه و مقاومته للتجربة و سلامه وفرحه الهادئ كانت إلهاما دائماً. لقد أدخل إلى البيت جوا نقيا عذبا. حياته كانت تشبه خميرة تعمل عملها في وسط عناصر المجتمع. لم يقل أحد إنه أجرى معجزة، ومع ذلك فإن القوة - قوة المحبة المانحة الشفاء - كانت تخرج منه إلى المجربين والمرضى والخائري العزم . وبدون أن يبدو فضوليا خدم الآخرين منذ حداثته. وبسبب هذا فعندما بدأً خدمته العلنية كان الجمع الكثير يسمعه بسرور. KS 217.3

إن سني المخلص الباكرة هي أكثر من أن تكون مثالا للشباب، فهي درس وينبغي أن تكون تشجيعا لكل والد أو والدة. إن دائرة واجبات العائلة والبيئة هي أول حقل للخدمة لمن يرغبون في العمل لرفع شأن بني جنسهم. ولا يوجد حقل العمل أهم من ذلك المسلم لمؤسسي البيت وحرّاسه. لا يوجد عمل مسلم لخلائق بشرية يتضمن نتائج أعظم وأبعد مدى من عمل الآباء والأمهات. KS 217.4

إن الذين يقررون مستقبل المجتمع هم شباب اليوم وأولاده. وإن ما سيصير إليه هؤلاء الشباب والأولاد يتوقف على البيت. وإن الجزء الأكبر والأوفر من المرض والشقاء والجرائم التي هي لعنة على الإنسانية مرجعه إلى نقص التربية البيتية. فلو كانت الحياة البيتية نقية وصادقة وكان الأولاد الخارجون من كنف البيت مؤهلين لمواجهة تبعات الحياة ومخاطرها فكم كان التبدل الذي يحدث ويُرى في العالم يبدو عظيما! KS 218.1

إن جهوداً عظيمة تبذل ، فالوقت والمال والعمل تنفق بدون حدود في مشاريع ومؤسسات لأجل إصلاح حال ضحايا العادات الشريرة. وحتى هذه الجهود لا تكفي لمواجهة الحاجة العظمى . ومع ذلك فمن اتفه النتيجة ! وما أقل من ينقذون نهائيا! KS 218.2

إن جماهير كثيرة من الناس يتوقون إلى حياة أفضل، إلا أنه تعوزهم الشجاعة وقوة العزيمة التي بها يتخلصون من سلطان العادة. إنهم يتراجعون فلا يبذلون مجهودا ولا يكافحون ولا يقدمون على التضحية المطلوبة فتتحطم حياتهم وتهلك . وهكذا فحتى الناس ذوو العقول الذكية الممتازة والمطامح العالية والقوى النبيلة الذين ، تولوا موقفهم هذا لكانوا بالطبيعة والتهذيب مؤهلين لأن يملأوا وظائف ذات ثقة ومسؤولية، ينحطون ويهلكون في هذه الحياة والحياة الآتية. KS 218.3

ما أمرّ الصراع الذي يشتبك فيه أولئك الذين يحاولون استرداد رجولتهم! ان كثيرين من الناس في بنياتهم المحطمة طيلة حياتهم وإرادتهم المترنحة وعقولهم الضعيفة وقوى طقوسهم الواهنة يحصدون ثمار الشر الذي قد زرعوه . فما أكثر ما كان يمكن عمله لو عولج الشر في بادئ الأمر ! KS 218.4

ان المسؤولين عن هذا العمل إلى حد كبير هم الأباء. ففي المحاولات التي تبذل لوقف استشراء الإدمان وغيره من الشرور التي تنهش أحشاء المجتمع كالسرطان، لو وُجه انتباه أعظم لتعليم الآباء كيف يصوغون عادات أولادهم وأخلاقهم لكانت النتيجة الصالحة لذلك تصل إلى مئة ضعف . فالعادة التي هي قوة هائلة تناصر الشر، في مقدورهم أن يصيروا قوة للخير. فعليهم أن يعالجوا النهر من منبعه وواجبهم أن يوجهوه الوجهة الصحيحة. KS 218.5

ويمكن للآباء أن يضعوا لأولادهم أساس حياة صحية سعيدة. فيمكنهم أن يرسلوهم إلى خارج بيوتهم مزودين بقوة أدبية لمقاومة التجربة، و بشجاعة وقوة لمصارعة مشاكل الحياة بنجاح كبير. وفي إمكانهم أن يفهموها بالعزم وينمو في نفوسهم القوة على جعل حياتهم سبباً في تمجيد الله وجلب البركة إلى العالم. وفي قدرتهم أن يصنعوا لأرجلهم مسالك مستقيمة في نور النهار وفي ظلام الليل يرتفعون إلى أعالي السماء المجيدة. KS 218.6

إن رسالة البيت تمتد إلى أبعد من أفراد العائلة. فيجب أن يكون البيت المسيحي KS 219.1

مثالا يمثل ويصور سمو المبادئ الحقيقية للحياة. وهذه الصورة تصبح قوة للخير في العالم. إن ما للبيت الأمين من تأثير في قلوب الناس وحياتهم هو أقوى من كل العظات التي تلقى من على المنابر . فإذ يخرج الشباب من مثل هذا البيت فإنهم يذيعون الدروس التي قد تعلموها. وهكذا تدخل إلى البيوت الأخرى مبادئ الحياة أسمى وأشرف، مما يؤول إلى بنيان المجتمع ورفع شأنه. KS 219.2