التربيـــة

4/60

مَعرفـَة الخيّر وَالشر

مع ان ابوينا الاولين قد خلقا بارين ومقدسين فأنهما لم يوجدا في وضع يجعل من المستحيل عليهما ان يخطئا . کان یمکن لله ان یخلقهما بحیث لا تکون عندهما القوة التعدی علی مطالبه ، ولکن فی تلك الحاله ما کان هنالك نمو في اخلاقهما ، وما كانت خدمتهما تعتبر طوعية أو اختيارية بل كانت تصير خدمة القهر والارغام والتعسف . ولذلك فقد اعطاهما القوة على الاختيار - القوة للخضوع او الالتجاء الى العصیان . فقبلما امكنهما ان یحصلا علی ملء البرکات التی تاق الى ان یمنحهما ایاها کان ینبغی ان تمتحن محبتهما وولاؤهما Tr 26.1

في جنة عدن كانت توجد « شجرة معرفة الخير والشر . . . و اوصی الرب الاله آدم قائلا من جمیع شجر الجنة تا کل اکلا . و اما شجرة معرفة الخير والشر فلا تا کل منها » ( تکوین ۲ : ۹ - ۱۷ ) . کانت ارادة الله الا يعرف آدم وحواء الشر - فمعرفة الشر - معرفة الخطية ونتائجها من التعب المضني والهم الجزع والخيبة والحزن والالم والموت ـ هذا منعته وأبعدته محبة الله بعیدا . Tr 26.2

وفيما کان الله يطلب الخير للانسان کان الشيطان يطلب هلاكه . فعندما تجرأت حواء على الاقتراب من الشجرة المنهى عنها غير مكترثة لانذار الله بخصوص تلك الشجرة وقفت في مواجهة عدوها . فاذ اوقظ أهتمامها و فضولها تقدم الشيطان لينكر كلمة الله وليوعز بالشك في حكمته وصلاحه . فاذ قالت المرأة عن ثمر شجرة المعرفة «قال الله لا تأکلا مه ولا تمساه لئلا تموتا» اجابها الشيطان قائلا : «لن تموتا . بل الله عالم انه يوم تأكلان منه تنفتخ اعینكما و تكونان کالله عارفین الخیر والشر» (ا تکویر ۳ : ۳ - ٥ ) Tr 27.1

أراد الشیطان بهذا أن یجعل الامر يبدو وکان معرفة الخير هذا الممتزج بالشر ستكون بركة ، وان الله اذ نهاهما عن الاکل من ثمر الشجرة کان یحرمهما من خیر عظیم . وقد الح قائلا انه بسبب الخواص العجيبة التي في تلك الشجرة لمنح الحكمة والقوة نهاهما الله عن ان يذوقا ثمرها وأنه كان يحاول بهذا ان يحول بينهما وبين بلوغ نضج أنبل والحصول على سعادة أعظم . وقد اعلن انه هو نفسه قد اکل من الثمرة المنهی عنها و کان من نتائج ذلك انه حصل على القدرة على النطق - وانهما اذا كانا هما ايضا يأكلان منھا فسیبلغان محیط۔ وجود اسمی ویدخلان الی مجال ارحب للمعرفة Tr 27.2

أن الشیطان فی حین انه ادعی انه قد حاصل علی خیر عظیم بواسطة اکله من الشجرة المنهی عنها فانه اخفی حقیقة کونه بسبب عصیانه صار مطرودا من السماء . هانا كانت كذبة مخبوءة تحت قناع من الحق الظاهري بحيث ان حواء اذ ” فتنت وقلقت وخدعت لم تفطن الى تلك الخدیعة . لقد اشتهت ما حرمه الله ، و شکـَّت فی حكمیته ، والقت بعيدا عنها الايمان الذي هو مفتاح المعرفة Tr 28.1

عندما رأت حواء ان الشجرة «جيدة للأكل وانها بهجة للعيون وان الشجرة شهية للنظر فاخذت من ثمرها واکلت» کانت حلوۃ المذاق ، فلما اکلت منها بدا انھا تحسیں بقوة منعشة ومنشطة وتصورت نفسها وكأنها تدخل الى حالة وجود اسمى . فحيث انها قد عصبت صارت مجربة لرجالها « فاکل » ( تکوین ۳ : ٦ ). Tr 28.2

لقد قالی لها العدو : « تنفتح اعینکما و تکونان کالله عارفین الخیر والشر» (تکوین ۳ : ٥) . لقاد انفتحت اعینهما فعلا ولكن كم كان انفتاحا تعسا مشؤوما ومحزنا ؟ ان معرفة الشر ، ولعنة الخطية كانت كل ما حصـل عليه ذاتك العاصيان . لم يكن في الثمرة نفسها اي شيء سام ، ولم تكن الخطية في مجرد الخضوع لشهوة الاكل . ولكنها كانت الشمالی فی صلاح الله و عدم تصدیق کلامه ور فضل سلطانه ـــ هذا هو ما جعل أبوينا الاولین عاصبين ، و هو الذي ادخل الى العالم معرفة الشر . وهذا ما فتح الباب وأفسح المجال لكل صنوف الكذب والضلال Tr 28.3

أن الانسان خسر الكل لانه آثر الاصغاء الى المخادع بدلا من الاصغاء الی ذاك الذي هو الحق الذي عنده وحده المعرفة والفهم . فبواسطة مزج الشر بالخير ارتبك عقله وأختبل وقد أخدرت قواه العقلية والروحية وما عاد يستطيع ان يقدر الخير الذي منحه الله بكل سخاء Tr 29.1

أن آدم وحواء قد اختارا معرفة الشر واذا أمكن لهما ان یستردا المرکز الذی خسراه فلا بد ان یسترداه تحت الظروف غير الملائمة التي قد جلباها على نفسيهما . انهما لن يعيشا في عدن فيما بعد لانها في حالة كمالها لن تستطيع ان تعلمهما الدروس التي صار من الامور الجوهرية لهما أن يتعلماها . ففي حزن لا يعبر عنه ودعا بيئتهما الجميلة و خرجا لیعیشا علی وجه الارض التی حالت علیها لعنة الخطية Tr 29.2

قال الله لآدم : « لانك سمعت لقول امراتك واكلت من الشجرة التي اوصيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الارض سببك . بالتعب تاکل منها کل ایام حیاتك . وشوکا و حسکا تنبت لك و تأكل عشب الحقل . بعرق و جهك تاکل خبزا حتی تعود الی الارض التی اخدت منها. لانك تراب والی تراب تعود » ( تکوین ۳ : ۱۷ - ۱۹) Tr 29.3

ومع أن الارض ضربت باللعنة فان الطبيعة كانت لا بد مع ذلك ان تکون کتاب الدرس للانسان . انها لم یمکنها الآن ان تمثل الخیر وحدہ لان الشر کان حاضرا فی کل مکان مشوها ومفسدا الارض والبحر والسماء بلمسته المنجسة. وحیث لم یکن مکتوبا قبلا شیء غیر صفات الله و معرفة الخير فقد كتبت الآن صفات الشيطان ومعرفة الشر . ومن الطبيعة التي أعلنت الآن معرفة الخير والشر كان على الانسان أن يتلقى دائما انذارا عن نتائج الخطية Tr 29.4

وقد شاهد آدم و شریکته فی الزهور الذابلة وأوراق الاشجار المتساقطة أول علامات الانحلال . وبكل وضوح خطرت لعقليهما هذه الحقيقة الكئيبة وهي ان كل شيء حي لا بد أن يموت ، بل حتى الهواء الذي كانت حياتهما متوقفة علیه کان یحمل بذار الموت Tr 30.1

وكانا باستمرار یتذکران ایضا مملکتهما التی قد خسراها. ان آدم کان قبلا یقف بین الخلائق الدنیا کملك ، وطالما ظل على ولائه لله اعترفت كل الطبيعة بسلطانه ، ولكن عندما تعدى وعصى خسر هذا الملك وهذا السلطان . ان روح العصيان الذي قد سمح هو بدخوله انتشر في كل المملكة الحيوانية . وهكذا ليس فقط حياة الانسان بل طبيعة البهائم والوحوش واشجار الغابات وعشب الحقل ونفس الهواء الذي كان يستنشقه - كل هذا اخبر عن الدرس المحزن درس معرفة الشر Tr 30.2

الا ان الانسان لم يترك فريسة لنتائج الشر الذي قد اختاره . ففی الحکم الذي صدر ضد الشیطان قدم اعلان عن الفداء . فقد قال الله : «واضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها . هو يسحق رأسك وانت تسحقین عقبه » ( تکوین ۳ : ۱٥ ) . فهذا الحکم الذي نطق به علی مسمع من أبوينا الاولین کان و عدا لهما . فقبلما سمعا عن الشوك والحسك او التعب والحزن الذي كان من نصيبهما ، أو التراب الذي سیعودان اليه اصغیا الی كلام كان لا بد أن يحقق لهما الرجاء . فكل ما قد خسـراه بسبب الان الانصیاع للشیطان امکن استرداده عن طریق المسیح Tr 30.3

ثم ان هذا التلميح تردده الطبيعة لنا . فمع ان الخطية قد شوهتها فانها لا تتحدث عن الخلق وحسب بل ايضا عن الغداء . فمع ان الارض تحمل الشهادة على اللعنة في علائم الانحلال الواضحة ، فهي لا تزال غنية وجميلة في علامات القوة المانحة الحياة . فالاشجار تتساقط اوراقها انما لتعود فتلبس حلة جديدة من الاوراق النضرة الجميلة ، والازهار تذوي وتموت ولكنها تعود للظهور في جمال جديد، وفي كل مظهر من مظاهر القوة الخالقة نجد اليقين بأننا يمكن أن ” نخلق ثانية في « البر وقداسة الحق» ( افسس ٤ : ٢٤ ) . وهكذا فنفس اشياء وعمليات الطبيعة التي تصور لعقولنا بكل وضوح خسارتنا العظيمة تصير بالنسبة الينا رسالة الرجاء Tr 31.1

و طالما یمتد الشر وینتشر فان صوات أبينا بیستمع آمرا اولاده بأن ينظروا في نتائج ذلك الشر طبيعة الخطية ، محذرا اياهم بان یترکوا الشر وداعیا ایاهم لقبول الخیر Tr 31.2