التربيـــة
مَدرَسَة عَدن
أن نظام التربية الذي وضع في بداية العالم قد وضـع ليكون نموذجا للانسان مدى الازمنة المتعاقبة بعد ذلك . وكمثال لمبادئه انشئت مدرسة نموذجية في عدن ، البيت الذي عاش فيه ابوانا الاولان ، فكانت جنة عدن هي الفصل المدرسی و کانت الطبیعة هی کتاب الدرس ، وکان الخالق نفسه هو المعلم ، وكان أبوا الاسرة البشرية هما الطالبان Tr 22.1
فاذ خلق آدم و حواء لیکونا « صورة الله و مجده » (۱ کورنثوس ۱۱ : ۷ ) قبلا هبات هی خلیقه بمصيرهما السامی . فاذ اکتسبت هيئتهما ما مسحه من الجمال والتناسق ، و کانت قسمات وجهیهما جمیله و منتظمة ، وكان وجهاهما يتألقان بالصحة ونور الفرح والرجاء كانا يشبهان خالقهما في الصورة الخارجية. ولم تكن هذه المشابهة ظاهرة فی طبیعة جسمیهما و حساب ، فان کل قوة في العقل والنفس عكست مجد الخالق . فاذ قد وهبت لهما مواهب عقلية وروحية سامية فان آدم وحواء قد وضعا « قلیلا عن الملائکة » (عبرانيين ۲ : ۷ ) حتی لا یدرکا عجائب الکون المنظور وحدهما بل لیدرکا التبعات والالتزامات الادبية Tr 22.2
«وغرس السرب الاله جنة في عدن شرقا. ووضع هناك آدم الذي جبله. وانبتت الرب الاله من الارض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل وشجرة الحياة في وسط الجنة» (تکوین ۲: ۸ و ۹) . فهنا فى وسط مشاهد الطبیعة الجميلة التي لم تكن قد مستها الخطية كان يجب على أبوينا الاولین ان یتلقیا تربیتهما Tr 23.1
أن ابانا السماوي في اهتمامه بولديه أشرف على تربیتهما بنفسه . فکثیرا ما کان رساله من الملائکة القدیسین یزورونهما و کانا یتلقیان منهم المشورة والتعلیم . وعند. هبوب ريح النهار عندما كانا يتمشيان في الجنة كثيرا ما کانا يستمعان صوت الله ويتحدثان مع الاله السرمدي وجها لوجه. و کانت افکاره من جهتهما « افکار سلام لا شر » (ارمیا ۲۹ : ۱۱) . فکان کل غرضه هوا خیرهما الاسمی وقد عهد الله الى آدم وحــواء أمر العناية بالجنة ۱۱ لیعملها و یحفظها » ( تکوین ۲ : ه ۱ ) ۰ فمع انهما کانا غنیین بکل ماکان یمکن المالك الکون ان یوفره لهما ماکان لهما ان يظلا عاطلين عن العمل . فلقد أعين العمل النافع على انه بركة لتقوية الجسم وتوسيع العقل وانماء الخلق ان سفر الطبيعة الذي نشر دروسه الحية امامهم قدم نبع معرفة لا ينضب ، لعلم والفرح . فعلى كل ورقة من أوراق أشجار الغابة ، وعلى كل الاحجار في الجبال وفي کل نجم یتألق بالضیاء وفي الارض والبحر والسماء کان اسم الله مکتوبا . ان ذینك الزوجین الساکنین فی عدن تحادثا مع الخلائق الحية ومع الجمادات ـ مـع الورق والزهر والشجر ومع كل مخلوق حي من الحوت الهائل السابح في المياه الى اصغر ذرة في اشعة الشمس، وكانا یستنبطان منها اسرار وجودها و حیاتها . و قد کان مجد الله في السموات والعوالم التي لا تحصى في مداراتها المنتظمة و « موازنة السحاب » ( أيوب ۳۷ : ۱۹ ) وأسرار النور والصوت والنهار والليل - کل هذه کانت مواد یجب ان يدرسها تلمیذا مدرسة الارض الاولی Tr 23.2
ثم أن نواميس الطبيعة وأعمالها ومبادئ الحق العظيمة المسيطرة على المسكونة الروحية كشفها الخالق السرمدي لعقليهما . وفي «انارة معرفة مجد الله» ( ٢ كورنثوس ٤ : ٦) نمت قواهما العقلية والروحية فعرفا اسمى مسرات وجودھما المقدس Tr 24.1
أن جنة عدن ، بل ايضا كل الارض ، عندما خرجت من يد الخالق كانت آية في الجمال . فلا لطخات الخطية ولا ظل الموت شوهت الخليقة الجميلة . جلال الله لا غطى السموات والارض امتلأت من تسبيحه » ، « ترنمت کواکب الصبح معا و هتف جمیع بنی الله » ( حبقوق ۳: ۳ و ایوب ۳۸ : ۷ ) . وهکذا کانت الارض رمزا مناسبا لذلك الذي هو « کثیر الاحسان والوفاء » ( خروج ٣٤: ٦) ، وکان موضوع دراسة مناسب اللذين الذين خلقا على صورته . وقد كانت جنة عدن رمزا لما أراد الله أن تصير الیه الارض کلها ، وکان قصده انه اذ یتكاثر افراد الاسرة البشرية في العدد يقيمون بيوتا اخری و مدارس كتلك التی اعطاها لآدم وامراته و هكذا بمرور الزمن کان یمکن ان تمتلئ الارض بالبيوت والمدارس التي تدرس فيها أعمال الله و کلامه . وهکلا مؤهل الطلبة اکثر فاکثر وبكیفیة اکمل لان یعکسوا نور معرفة مجده مادی اجیال لا حصر لها Tr 24.2