التربيـــة
القسم (1) - المبَادئ الأسَاسّيَّة
التربية الحَقة — مَصْدَرها وَهَدفها
ان آراءنا عن التربية تستوعب مجالا منخفضا وضيقا الى اقصى خد . فالحاجة هي الى مجال اوسع و هدف أسمى - التربية الحقة تعني شيئا اكثر من مجرد متابعة منهج خاص الدراسة ، و هى تعني شيئا اکثر من مجرد الاعداد الحیاة الحاضرة . ان لها دخلا الکیان کله وفى کل فترة الوجود الممكنة للانسان. انها النمو المتناسق لقوی الجسم والعقل والروح ، وهي تعد الطالب لفرح الخدمة في هذا العالم وللفرح الاسمى للخدمة الاوسع مجالا في العالم الآتي Tr 14.1
ومصدر مثل هذه التربية يعرض امامنا في هذه الاقوال الالهية المقدسة التي تشير الى الاله السرمدي قائلة : « المذخر فیه جميع کنوز الحكمة والعلم » ( کولوسی ۲ : ۳) « له المشورة والفطنة »( أبوب ۱۲ : ۱۳ ) Tr 14.2
لقد كان في العالم معلمون عظام ورجال كانوا جبابرة العقول وواسعي الاطلاع والبحث والاستقصاء ، رجال نبهت اقوالهم الافکار و کشفت للعیون عن مجالات واسعه للمعرفة ، وقد ظفر هؤلاء الرجال بالكرامة كمن هم قادة وذوو فضل علی جنسهم ، ولکن بوجد ذاك الذي هو اسمی من اولئك جميعا. اننا نستطيع ان نتتبع سلسلة معلمي العالم منذ بدء التاريخ. ولكن النور كان قبلهم. فكما أن القمر والنجوم في نظامنا الشمسي تضيء بالنور المنعكس علیها من الشمسی هكذا، علی قدر ما یکون تعلیمهم صادقا و صحیحا ، فان مفکري العالم العظام بعکسون اشعة نور شمس البر . کل شعاعة من اشعة الفکر و کل و مضة من ومضات الذكاء مقتبسة من ذاك الذي هو نور العالم Tr 14.3
في هذه الايام يقال كلام كثير عن طبيعة « التربيـة العالية » . واهميتها. ان « التربية العالية » الحقة هي تلك التي يمنحها. ذاك الذي « عنده الحكمة والقدرة » « أيوب ٢ ١ : ١٣ » ، والذي « من فمه المعرفة والفهم » ( أمثال ٢: ٦) Tr 15.1
المعرفة والنضج الحقيقيان مصدرهما معرفة الله . فأينما تتجه في المجال البدني أو العقلي أو الروحي ، وفي كل ما نشاهده بعيدا عن ضربة الخطية ، تعلن لنا هذه المعرفة . ومهما یکن ما تتبعه من بحوث ، متی کان عندنا الاخلاص فی القصد للوصول الی الحق ، فاننا نصیر علی اتصال بالعقل والذكاء الجبار غير المنظور الذي يعمل في الکل و عین طریق الکل ۰ فیصير عقل الانسان فی شرکة مع فکر الله ، الحدود مع اللامحدود . ولن یمکن للانسان تقدیر قیمه تاثیر مثل هذه الشركة فی جسمه و عقله و نفسه وفي هذه الشركة توجد اسمى تربية. تلك هي طريقة الله فی الانماء . « تعارف به » ( أيوب ۲۲ : ۲۱ ) - هذه هي رسالته لبني الانسان . فالاسلوب الملخص في هذه العبارة كان هو الاسلوب الذي اتبع في تربية ابي جنسنا. ان آدم عندما كان في مجد رجولته البارة هكذا علمه الله Tr 15.2
فلكي ندرك ما يشتمل عليه عمل التربية نحتاج الى ان نفكر في طبيعة الانسان وقصد الله من خلقه . وعلينا ان تتأمل ايضا في التبادل الذي حدث في حياة الانسان بواسطة دخول معرفة الشعر ، وتدبير الله لاجل اتمام غرضه المجيد في تربية الجنس البشري Tr 16.1
عندما برز آدم من ید الخالق کان یحمل فی طبيعته الجسمية والعقلية والروحية- مشابهة لجابله : « فخلق الله الانسان علی صورته » ( تکوین ۱ : ۲۷)۱، کان قصیده انه علی قدر ما تطول ایام حياة الانسان يزداد اعلان هذه الصورة بکیفیة اکمل ، ویزداد كذلك انعکاس مجد الخالق. کانت کل قوی عقله قابلة للتطور و النضوج ، و کانت قابلیتها و نشاطها ستزيد باستمرار . وکان المجال المقدم لاجل تدریبها واسعا ، والمیدان الفتوح لبحثها و استقصائها مجیدا. ثم ان اسرار الکون المنظور «معجزات الکامل العارف» (أيوب ۳۷ :١٦) اجتذبت الانسان للدروس. ان اسمی امتیاز الانسان کان تمتعه بالشرکه مع صانعه وجها لوجه وقلبا لقلب . فلو ظل على ولائه الله لكان يتمتع بکلی هذا الى الابد . وکان ، طوال دهور الابد ، یظل يقتبس من کنوز العرفة و یکتشف منابع جدیدة للسعادة ويحصل علی استیعابات اوضح و اوضح للحكمة والقدرة والحبة الالهیة، وکان یتمم الغایة من خلقه بکیفیة اکمل وکان بعکس مجد الخالق بكیفیة أبهی وأشمل Tr 16.2
ولكنه خسر کل هذا بسبب العصیان . فقد شوهت الخطية صورة الله وكادت تمحوها . وقد ضعفت قوى الانسان البدنية ، وضعفت وتضاءلت امكانياته العقلية ، وتبدلت واظلمت بصيرته الروحية . وأمسى عرضة للموت . ومع ذلك فان الجنس البشري لم يترك بلا رجاء . لقد كان قال بحر الخلاص مدبرا بمحبة ورحمة لامحدوددتين . ومنح الانسان فرصة امهال في زمان الرحمة. فلكي بعيد للانسان صورة جابله ، ولكي يعاد الى حالة الكمال التي “خلق فيها ، ولکی یرقی من نضوج الجسم والعقل والنفس حتی تحقق غابة الله من خلقه ـ ذلك كان القصد من عمل الفداء . وذلك هو غرض التربية ، غاية الحياة العظمى Tr 17.1
أن المحبة التي هي أساس الخلق والفداء هي أساس التربية الحقة . هذا موضح في الشريعة التي قد اعطاها الله لارشاد الحياة . ان الوصية الاولى والعظمى هي «لا تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن کل فکرك» (لوقا ١٠ : ۲۷ ) . ان محبته هو السیر مدي العلیم بکل شمسی بکلی القدرة والفکر و القلب معناها اسمی نضوج الکل القوی . و معنی هذا ان صورة الله یجب ان تعود الى کل الکیان ـــــ الجسم والعقل والنفس كذلك Tr 17.2
و کالوصیة الاولی کذلك الثانیه : « تحب قریبك کنفسك » (متی ۲۲ : ۳۹) . ان شریعة الحبة تتطلب تکریس الجسم والعقل والنفس لخدمة الله وخدمة بني جنسنا . وهذه الخدمة في حين انها تجعلنا بركة للآخرين تجلب علينا اعظم برکه. ان الایثار هو اساس کل نضوج حقیقی . فعن طريق الخدمة الخالية من الانانية نحصل على اسمى تهذيب الکل القوی . واننا نصیر اکثر فاکثر شرکاء الطبیعة الالهیة ونصير مؤهلين للسماء لاننا نقبل السماء في قلوبنا Tr 18.1
وحيث ان الله هو نبع كل معرفة حقيقية فكما قد رأينا ان اول هدف للتربية هو توجيه عقولنا الى اعلانه عن نفسه ۔ ان آدم وحواء قد حصلا على المعرفة بواسطة الشركة المباشرة مع الله والعشرة معه وقد تعلما عنه عن طریق اعماله. و کل الخلائق کانت فی کمالها الفطری تعبیرا عن فکر الله . و بالنسبة الی آدم و حواء کانت الطبیعة ملآی بحکمة الهیة ، ولکن بسبب العصیان خرم الانسان من التعلم عن الله بواسطة العشرة المباشرة ، وعن طريق اعماله الی حد کبیر . ان الارض ، وقد شوهتها ونجستها الخطیة ، تعكس مجد الخالق بغير وضوح . نعم أن امثاله لم تطمس ولا محیت آثارها. فعلی کل صفحه من صفحات ذلک الجد العظیم المشتمل علی اعمال خلقة لا تزال تری کتابته. فالطبيعة لا تزال تتحدث عن خالقها. ومع ذلك فان هذه الاعلانات جزئية وناقصة. ونحن في حالتنا الساقطة بقوانا الضعيفة ورؤيانا المحصورة القاصرة غير كفاة لان نفسر تفسيرا صائبا. فنحن بحاجة الى الاعلان الاكمل الذي قد اعطاه لنا الله عن نفسه في كلمته المكتوبة Tr 18.2
ان الكتب المقدسة هي المقياس الكامل للحق ، وهي بهذه الصفة یجب ان یعطی لها اسمی مکان قی التربیه . فلكي نحصل على التربية الجديرة بهذا الاســم يجب أن نحصل على معرفة الله الخالق والمسيح الفادي كما همـا معلنان في الكلمة المقدسة Tr 19.1
ان کل انسان مخلوق علی صورة الله قد منحت له قوة مماثلة لقوة الخالق ـ فرديا ، قدرة على التفكير والعمل . فالناس الذين تنضج فیهم هذه القوة هم الذين يضطلعون بالتبعات والذين هم قادة في المشروع ولهم تأثير على الخلق . ان عمل التربية الحقة هو تنمية هذه القوة و تدریب الشباب علی ان یکونوا مفکرین لا ان یکونوا مجرد عاکسین لفکر الاخرین . و بدلا من ان یحصروا درسهم فیما قد قاله الناس أو كتبوه ليوجه الطلبة الى مصادر الحق والحقول الواسعة المفتوحة البحث في الطبيعة والاعلان . ليفكروا في الحقائق العظيمة حقائق الواجب والمصير ، فیتسع العقل ویتقوی . فبادلا. من ان یکون المتعلمون مستضعفين يمكن لمعاهد العلم ان تخرج رجالا أقوياء في التفکیر وق العمل ، رجالا یتحکمون فی الظروف ولا یکونون عبیدا للظروف ، رجالا لهم العقول التسعة والافکار الصافية والشجاعة الدفاع عن اقتناعاتهم Tr 19.2
مثل هذه التربية تحقق شيئا اكثر من التدريب الذهني ، وتقدم اکثر من تدريب الجسم ، فهي تقوي الخلق بحيث لا يضحى بالحق والاستقامة على مذبح الشهوة الانانية او المطامع الدنيوية. فهي تحصن العقل ضد الشر. فبدلا من أن تكون هنالك شهوة متحكمة تصير معولا للاهلاك والتدمیر ، فان کل و ازع و کل شهود تکون علی وفاق مع مبادئ الحق العظيمة . فاذ یکون کمال صفات الله موضوعا لتأمل الانسان فالذهن يتجدد وتخلق النفس من جديد على صورة الله Tr 19.3
فأي تربیه یمکن ان تکون اسمی من ذلك ، و أي شیء يمكن أن يضارعها في القيمة Tr 20.1
«لا يعطى ذهب خالص بدلها ولا توزن فضة تمنا لها Tr 20.2
«لا توزن بالهب او فیر او بالجزع الکریم او الیا قوت الازرق Tr 20.3
«لا يعادلها الذهب ولا الزجاج ولا تبدل بإناء ذهب أبريز Tr 20.4
«لا يذكر المرجان او البلور وتحصيل الحكمة خير من اللآلئ» ( أيوب ۲۸: ١٥- ۱۸ ) Tr 20.5
ان المثل الاعلی الذی وضعه الله لاولاده هو اسمی من ان يبلغة اسمی فکر بشری. ان التقوی او التشبه بالله هی الهدف الذي يجب أن يصل الانسان اليه. ان أمام الطالب طريقا ممهدا ومفتوحا للنجاح والتقدم المطرد . ولديه غرض یجب ان یدرکه و مقیاس علیه ان یلفه وهذا یشامل کلی ما هو مصالح وطاهر ونبیل ۰ وهو سيتقدم بالسرعه والی المدى الذي يستطيعه في كل فرع من فروع المعرفة الحقة. ولکن جهوده بجب ان نتجه الى اهداف اسمی من مجرد المصالح النفسانية والزمنية بقدر ما تسمو السماء فوق الارض Tr 20.6
أن ممن يتعاون مع القصد. الالهي يکونه يقدم للشباب معرفة الله ويصوغ اخلاقهم لتكون متوافقة مع صفاته انما يقوم بعمل سام ونبيل . واذ يوقظ في النفوس شوقا للوصول الى مثل الله الاعلى فهو يقدم تربية في مثل سمو السماء وفي مثل اتساع الكون ، تربية لا يمكن اكتمالها في هذه الحياة بل ستظل مستمرة الى الحياة العتيدة ، تربية تحرز الطالب الناجح جوازا للانتقال من مدرسة الارض الاعدادية الى الدرجة الاسمى ، المدرسة العليا Tr 21.1