التربيـــة

30/60

العِــّلمُ وَالكِتَابّ المقَدّسّ

حيث أن سفر الطبيعة وسفر الاعلان يحملان نفس طابع العقل الكبير الجبار فلا يمكن الا أن يتكلما كلاما متناسقا ومتوافقا . انهما يشهدان لنفس الحقائق العظيمة اسالیب ولغات مختلفة . ان المعلم دائب ابدا علی اکتشاف عجائب جدیدة ولكنه لا یخرج من بحثه بشیء یمكن ان یضارب الاعلان الالهی او یناقضه لو فهم علی حقیقته . ان سفر الطبيعة والكلمة المكتوبة كل منهما يريق نورا على الآخر . أنهما یعرفاننا بالله اذ یعلماننا شیئا من النوامیس التي يعمل بواسطتها Tr 150.1

والاستدلالات المقتبسة خطأ من الحقائق الملاحظة في الطبيعة ادت مع هذا الى مناقضة وخلاف مزعوم بين العلم والاعلان الالهي ، وفي محاولة اعادة الانسجام والوفاق استخدمت تفسيرات للكتاب من شأنها أن تقوض وتدمر قوة كلمة الله . وقد ظن ان علم الجيولوجيا يناقض التفسير الحرفي لما اورده موسى في الكتاب عن الخليقة .وقد أدعي البعض أن تطور الارض من حالة التشويش والمادة التی کانت علیها قبل تكوینها کان یحتاج الی ملایین السنين ۰ ولکي یتلاءم الکتاب مع اعلان العلم المزعوم هذا ادعوا أن أيام الخلق كانت حقبا كبيرة وغير محدودة بلغت آلاف ان لم یكن ملایین السنین Tr 150.2

مثل هذا الاستنتاج لا داعي له اطلاقا . فقصة الكتاب هي على وفاق مع نفسها ومع تعليم الطبيعة . وهذا ما كتب في الكتاب عن اليوم الاول المستخدم في عمل الخلق : «وکان مساء و کان صباح یوما و احدا» ( تکوین ۱ : ه ) . وهذا هو نفس ما قيل عن كل من الايام الستة الاولى من أيام أسبوع الخلق . فالوحي يعلن ان كلا من هذه الفترات ھو یوم یتكون من مساء وصباح ككل یوم آخر منذ ذلك هذه : « قال فکان . هو امر فصار » ( مزمور ۳۳ : ۹ ) . فبالنسبة الى ذاك الذي استطاع ان یخلق عوالم لا تحصی فكم من الزمن يحتاج اليه لاجل تطوير الارض من حالة الفوضی ؟ فلکی نعلل عن أعماله هل نلتزم بأن نظلم کلمته ؟ Tr 151.1

صحيح أن الآثار والبقايا الموجودة في الارض تشهد لوجود الناس والبهائم والنباتات التي كانت اكبر بكثير مما هو معروف اليوم . هذه يعتبر انها تبرهن على وجود الحياة النباتية والحيوانية قبل العصر الذي كتب فيه موسى تاريخ الخلق . ولکن فیما یختص بهذه الامور نجد ان تاریخ الكتاب یقدم الایضاح الكافی . فقبل الطوفان کان نمو الحياة النباتية والحيوانية أسمى بما لا يقاس من كل ما قد عرف منذ ذلك الحين . فعند الطوفان تشقق وجه الارض وحدثت تغییرات ملحوظة ، وفی اعادة تکوین وجه الارض حفظت كثير من الدلائل على وجود الحياة قبل ذلك . فالغابات الشاسعة دفنت في جوف الارض في ايام الطوفان ، وحیث انها استحالت الی فحم فهی تکًون مناجم الفحم الواسعه و تنتج کمیات من الزیت تعمل علی راحتنا وأسعادنا الیوم . هذه الاشیاء ااذ تنكشف للنور هی شهود صامتة كثيرة جدا على صدق كلمة الله Tr 151.2

وتوجد نظرية قريبة الشبه بهذه الخاصة بتطور الارض وهي تلك التي تنسب الى نوع من الجراثيم المتصاعدة والحيوانات اللافقرية وذوات الاربع في تطور الانسان الذي هو تاج مجد الخليقة Tr 152.1

ولدى التأمل في الفرص المقدمة للانسان لاجل البحث والاستقصاء ، ومقدار قصر حياته ، ومحدودية مجال عمله ونشاطه ، و قصر بصیرته وانحسارها ، وتعدد و کثرة الاخطاء في تقديراته واستنتاجاته وعلى الخصوص ما يتعلق بالاحداث التی یظن انها سابقة لتاریخ الکتاب ، فما أکثر ما تُعكس الاسقاطات والتنقيصات العلمية المزعومة ، تختصر أو يلقى بها جانبا ، وبأي سرعة يحدث أن مدة تطور الارض المزعومة تزيد أو تنقص من حين الى آخسر بملايين السنين ، وكيف ان النظريات التي قدمها علماء مختلفون تتطاحن احداهن مع الاخرى ــ فاذ تتأمل في كل هذا ، هل لاجل امتیاز تتبع تناسلنا من الجراثیم والحيوانات اللافقرية والقردة نرضى بأن ننبذ ظهريا عبارة الكتاب المقدس التي هي جليلة جدا في بساطتها القائلة : «خلق الله الانسان على صورته . على صورة الله خلقه»؟ ( تکوین ۱ : ۲۷ ) . وهل نرفض ذلك السجل الذي یتكلم عن سلالات الانسان - الذي هو أفخر و أسمی من کل السجلات المحفوظة في قصور الملوك ــ «بن آدم ابن الله»؟ (لوقا 3 : 38 ) Tr 152.2

أن كلا الاعلانين ، أعلان العلم وأعلان اختبارات الحياة لو فهما فهما صحیحا یكونان علی وفاق مع شهادة الکتاب المقدس لعمل الله الدائم في الطبيعة Tr 153.1

وفي المزمور الذي كتبه لحميا ترنم اللاويون قائلين : «انت هو الرب وحدك . انت صنعت السموات وسماء السموات وکل جندها والارض وکل ما عليها والبحار وکل ما فیها وانت تحییها کلها» ( لحمیا 9 : 6) Tr 153.2

اما فیما یختصں بھذه الارض فالکتاب یعلن ان عمل الخلق قد اکمل «الاعمال قد أکملت منذ تأسيسں العالم» ( عبرانيين 4 : 3 ) . ولكن قوة الله ما زالت تستخدم في دعم واسناد كل مخلوقاته . فلیسں بسبب التركیب المیكانیكی الذي قد ادیر مرة تسمع النبضات وتتلاحق الانفاس واحد بعد الآخر بدافع قوة ذاتية , فكل نسمة , وكل خفقة في القلب هي برهان على رعاية ذاك الذي به نحیا ونتحرك ونوجد . فمن أصفر الهوام الی الانسان ، کل کائن حی یعتمد کل یوم علی عنایته Tr 153.3

«كلها اياك تترجي . . . تعطيها فتلتقط . تفتح يدك فتشبع خیرا . تحجب وجهك فترتاع . تنزع أرواحها فتموت والی ترابها تعود . ترسل روحك فتخلق . و تجدد وجه الارض» ( مزمور ۱04 : ۲۷ - 30 ) Tr 154.1

«يمد الشمال على الخلاء ویعلق الارض علی لا شیء . يصر المياه في سحبه فلا يتمزق الغيم تحتها . . . رسم حدا على وجه المياه عند اتصال النور بالظلمة» «أعمدة السموات ترتعد وترتاع من زجره . بقوته يزعج البحر . . . بنفخته السموات مسفرة ويداه أبدأتا الحية الهاربة . ها هذه أطراف طرقه وما أخفض الكلام الذي نسمعه منه . وأما رعد جبروته فمن يفهم» (أيوب 26 :7 -10 و 11 — 14 ) Tr 154.2

«الرب في الزوبعة وفي العاصف طريقه السحاب غبار رجلیه» ( ناحوم ۱ : ۳ ) Tr 154.3

أن القوة الجبارة التي تعمل في كل الطبيعة وتسند وتعضد کل الاشیاء لیست ، کما یُدعی بعض رجال العلم ، مبدأ يسود على كل شيء أو قوة محركة . الله روح ومع ذالك فهو کائن ذاتی لان الانسان جبل علی صورته .وككائن ذاتي أعلن الله نفسه في ابنه. ويسوع الذي هو «بهاء مجده ورسم جوهره» (عبرانیین ۱ : ۳) کان علی الارض ووجد فی الهیئة كانسان و کمخلص شخصی جاء الی العالم , و کمخلص شخصي صعد الی العلاء و کمخلص شخصی يتشفع في المواطن السماوية. فأمام عرش الله يخدم لاجلنا واحد « مثل ابن انسان » ( دانیال ۷: ۱۳ ) Tr 154.4

ان بولس الرسول اذ یكتب مسوقا بالروح القدس یعلن عن المسیح انه « الكل به وله قد خلق الذی هو قبل کل شیء وفیه یقوم الکل » ( کولوسی ۱ : 16و 17) . ان اليد التي تسند العوالم في الفضاء ، اليد التي تمسك كل الاشياء في مسكونة الله في نظام وتناسق وقوة لا تكل هی الید التی سمرت علی الصلیب لاجلنا Tr 155.1

ان عظمه الله لا یمكننا ادراكها . « الرب فی السماء کرسیه » ( مزمور ۱۱ : 4) و مع ذالك فهو حاضر فی کل مكان بروحه . ان له معرفة وثیقة و اهتماما شخصیا بكل عمل يديه Tr 155.2

«من مثل الرب الهنا الساكن في الاعالي الناظر الاساقل في السموات وفي الارض» «اين اذهب من روحك و من وجهك این اهرب . ان صعدت الی السموات فانت هناك . وان فرشت في الهاوية فها انت . ان أخذت جناحي الصبح وسكنت في اقاصي البحر فهناك ايضا تهديني يدك وتمسکنی یمینك» ( مزمور ۱۱۳ : 5 و 6 ؛ مزمور ۱۳۹ : ۷ - ۱۰ ) . « انت عرفت جلوسی وقیامی . فهمت فكری من بعید مسلكی ومربضی ذریت و کل طرقي عرفت . . من خلف ومن قدام حاصرتني وجعلت علي يدك . عجيبة هذه المعرفة فوقی أرتفعت لا أستطیعها » ( مزمور ۱۳۹ : 2 — 6 ) Tr 155.3

ان خالق كل الاشياء هو الذي رسم المطابقة العجيبة بين الوسيلة والغاية , والمؤونة للحاجة . انه هو الذي دبر في العالم المادي ان كل رغبة وشوق مغروس في النفس يجب اشباعه . وهو الذي خلق النفس البشرية بما فيها من قابلية لمعرفة والمحبة . وليس من دأبه ان يترك حاجات النفس دون اشباع . ولا يمكن لمبدإ لا يدرك بالحواس او جوهر مبهم او مجرد الشرود ان یشبع حاجات وأشواق الخلائق البشرية في هذه الحياة حياة الصراع مع الخطية والحزن والالم . لا يكفي أن نؤمن بالقانون والعنف ، وبالامور المجردة من العطف ولا نسمع أبدا الصرخة في طلب العون . أننا نحتاج الى أن نعرف عن ذراع قوية تسندنا وترفعنا , نحتاج الي صديق سرمدي يشفق علينا . نحتاج الى ان نمسك بيد دافئة محبة والى قلب مفعم بالرقة والحنان . وهكذا أعلن الله عن نفسه في كلمته Tr 156.1

أن من يتأمل ويدرس الطبيعة بتفكير عميق ويتفحص اسرارها سيعرف معرفة كاملة جهلة وضعفه . وسيعرف أنه توجد اعماق ومرتفعات لا يستطيع الوصول اليها واسرار لا یمكنه اختراقها او سبر أغوارها ، و میادین رحبة للحق ممتدة أمامه لم يدخلها احد. وسيكون مستعدا لان یقول ما قاله نیوتن : « یبدو لی اننی اشبه طفلا علی الشاطئ یجد الحصى والاصداف ، في حین ان الاوقیانوس العظیم اللي یمتد أمامه لم یكتشفه احد» Tr 156.2

ان الطلبة المتعمقين أكثر من غيرهم في العلم مضطرون لان يلاحظوا في الطبيعة عمل قوة لا محدودة . ولكن بالنسبة الی عقل الانسان وحده لا یمكن ان یكون تعلیم الطبیعة الا متناقضا ومفشلا . انما في نورالاعلان وحده ی مكنه ان یقرأ قراء ة صحیحة : « بالایمان نفهم » (عبرانیين ۳:۱۱) « في البدء . . . الله » ( تكوین ۱ : ۱) . هنا فقط یمکن للعقل في تساؤله المشتاق وهو هارب كما هربت الحمامة الى الفلك ، ان يجد الراحة . أن المحبة اللامحدودة توجد فوق وتحت وفي الخلف جاعلة كل الاشياء تتمم «مسيرة الصلاح» ( ۲ تسالونیكی ۱ : ۱۱ ) Tr 156.3

«لان أموره غير المنظورة . . . مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدیة و لاهوته» ( رومیة ۱ : ۲۰ ) . ولکن شهادتها لا يمكن ادراكها الا بواسطة مساعدة المعلم الالهي : «لان من من الناس يعرف أمور الانسان الا روح الانسان الذي فيه . هكذا أيضا أمور الله لا يعرفها احمد الا روح الله» ( ۱ کورنثوس ۲ : ۱۱) Tr 157.1

«واما متی جاء ذاك روح الحق فهو یر شد کم الی جمیع الحق» ( يوحنا 16 : 13 ) . انما فقط بمساعدة ذلك الروح الذي كان في البدء : «يرف على وجه المياه ،» وبمساعدة ذلك «الكلمة» الذي : «كل شيء به كان» و ذلك النور الذي : « ینیر کل انسان آتیا الی العالم » یمکن تفسير شهادة العلم تفسيرا صحيحا . فبواسطة ارشادهم وحده یمکن أدراك أعمق الاسرار Tr 157.2

انما فقط بواسطة ارشاد الرب العلیم بكل شیء نستطيع بواسطة التأمل في اعماله ان نفكر في نفس افكاره Tr 157.3