التربيـــة
القسم (5) - الكِتَابّ المقَدَّسّ كَمُربٍ
الثقَافَة العَقليَّة وَالرّوحيَّة
أن قانون الله . هو أن القوة تكتسب بواسطة المجهود لأجل العقل والنفس كما لأجل الجسم . والتمرن هو الذي ينمي . ووفقا لهذا القانون أعد الله في كلمته الوسيلة لأجل النضوج العقلي والروحي Tr 144.1
والكتاب المقدس یشتمل علی کل المبادیء التي يحتاجها الناس للفهم لكي يكونوا مؤهلين لهذه الحياة وللحياة العتيدة وهذه المبادیء یمکن للجمیع أن يفهموها . ولا يمكن أن انسانا له روح تقّدر تعليمه يستطيع أن يقرأ فصلا واحدا من الكتاب الا ویكتب من فکرة ما تساعده اجتناؤها بالدراسة التي تكون بمحض الصدفة او الدراسة المتقطعة . فنظام الحق العظيم الذي فيه غير مقدم بحیث يفهمه القارىء المتسرع العديم الاكتراث . فكثیر من کنوزه مخبوء فی الاغوار تحت السطح الظاهر ولا یمكن الحصول علیه بغیر التنقیب باجتهاد والسعی المتواصل . والحقائق التي يتكون من مجموعها كل عظيم يجب التنقيب عنها وجمعها معا ، «هنا قليل هناك قليل» ( اشعیاء ۲۸ : 10 ) Tr 144.2
فاذ ینقـَّب عنها هکذا وتجمع مما فسیكتشف انها متوافقة مع بعضها البعض توافقا کاملا . فكل انجیل هو ملحق للاناجیل الاخری وکل نبوة هی شرح للاخری ، و کل حق هو تطور واكتمال لحق آخر . فرموز التدبير اليهودي يوضحها الانجيل , ولكل مبدإ من مبادىء كلمة الله مكانه , وکل حقیقة لها مقامها . والبناء الکامل فی رسمه وف انجازه یحمل الشهادة لمبدعه . فمثل هذا البناء لا یمكن الفکر غیر فكر الله السرمدي غير المحدود أن يفهمه أو يصنعه Tr 145.1
وفي التنقيب في أجزاء الكتاب المختلفة ودراسة علاقتها بعضها فان اسمی قوی العقل البشري تستدعی لتقوم بنشاط عظیم وجبار ، ولا یمكن لانسان أن یشتغل فی تلك الدراسة دون نصوج في قوى عقله Tr 145.2
هذا وأن القيمة العقلية لدراسة الكتاب لا تنحصر في استخراج الحق وجمعه معا ، بل هي تنحصر أيضا في المجهود المطلوب لأجل فهم المواضيع المقدمة. فالعقل المشغول في المسائل العادية العامة وحدها يمسي عاجزا وواهنا . فاذا لم يجهد في فهم الحقائق الجليلة البعيدة المدی فبعد قلیل تضیع قوته علی النمو . فلا شیء یمكن ان يعدل دراسة كلمة الله کحارس وواقٍ مــن هـذا الانحطاط۔ . أن الكتاب القدس ھو أفعل من کل کتاب آخر او کل الکتب الاخری مجتمعة معا کوسیلة للتربیة العقلية . فعظمة موضوعاته والبساطة الجليلة التي لاقواله و جمال صوره توقظ الافکار وتسمو بها اکثر مما یستطیع أي شيء آخر . ولا توجد دراسة أخرى تستطيع أن تمنح القوة العقلية كما يستطيع الاجتهاد في تفهم حقائق الاعلان العجیبة . فاذ يلامس العقل أفكار اللہ غیر الحدود لا بد أن يتسع ويتقوى Tr 145.3
بل أن قوة الكتاب المقدس في انماء الطبيعة الروحية هي أعظم من ذلك بكثیر . فالانسان الذی خلق لیكون فی شركة مع الله لا يستطيع بغير تلك الشركة أن يعثر على حياته ونضجه الحقيقيين . واذ قد خلق ليجد في الله أسمى أفراحه فانه لا يستطيع أن يجد في اي شيء آخر ما يمكن أن یشبع - ویسكَّن أشواق القلب ویشیع جوع النفس وعطشها . فالذي يدرس كلمة الله باخلاص وبروح قابلة للتعلم سعيا لتفهم حقائقها فسيصير على اتصال بمؤلف الكتاب ، ولن نكون هنالك حد تقف عنده امكانیات نموه ما لم یكن هو راغبا عن ذلك و نافرا منه Tr 146.1
ان الكتاب المقدس في دائرة أسلوبه الواسعة وموضوعاته فيه ما يلذ كل عقل ويؤثر في كل قلب . ففيه يوجد تاريخ قدیم جدا وتواریخ حیاة هی أصدق من کل ما کتب و مبادیء للحكم لاجل السیادة علی الدولة ، ولاجل تنظیم العائلة ـ مبادىء لا يمكن للحكمة البشرية ان تباريها . وهو يحتوي على فلسفة عميقة جدا ، وفيه شعر من أحلى واروع ما كتبه الشعراء ، مما يثير الشجون والانفعالات . أن أسفار الکتاب المقدس ھی أفضل فی قیمتھا من کل ما قد انتجته قرائح الكتاب البشیرین بما لا یقاس ، حتی لو نظرنا الیه هكذا ، اما عن مجاله الاوسع بما لا یقاس ، و قیمته العظیمة الی اقصی حد فذلك یکون حین تنظر الی تلك الاسفار في علاقتها بالفكرة المركزية السامية . فاذ تنظر الیها فی نور هذه الفكرة فكل بحث یکون له معنی جديد . ففي الحقائق المشروحة ابسط شرح توجد مبادىء عالية علو السماء وتشمل عالم الابد Tr 146.2
والموضوع الرئيسي في الكتاب ، الموضوع الذي يتجمع حوله كل موضوع آخر في الكتاب هو تدبير الفداء ، واعادة صورة الله الى نفس الانسان . ومن أول خبر عن الرجاء في الحكم الذي نطق به في عدن الى ذلك الوعد الاخير المجيد المذكور في سفر الرؤيا الذي يقول : «وهم سينظرون وجهه و اسمه علی جباههم» ( رؤیا ۲۲ : 4) فان عبء کل سفر و کل فصل أو أصحاح من الكتاب ھو الکشف عن ھذا الموضوع العظيم وأيضاحه ـ انهاض الانسان ـ وقدرة الله «الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح» (1 كورنثوس 75,15 ) Tr 147.1
فالذي يفهم هذا الفكر يجد أمامه ميدانا للدرس لا حدود له . فعنده المفتاح الذي يفتح أمامه كل خزانة كلمة الله Tr 147.2
أن علم الفداء هو علم كل العلوم ، العلم الذي هو موضوع درس الملائكة و کل الخلائق فی العوالم غیر الساقطة ، العلم الذي يشغل اهتمام ربنا ومخلصنا ، العلم الذی یدخل فی مقاصد فکر الاله السرمدی ـــ «مکتوما ف الازمنة الازلية» ( رومية ١٦ : ٢٥ ) ، العلم الذي سيكون موضوع تأمل ودراسة مفديي الله مدى أجيال الابد . هذه اسمی دراسة یمكن للانسان أن ینشغل بها . وهذه الدراسة دون كل دراسة أخرى تنشط العقل وتسمو بالنفس «نضال المعرفة هو ان الحكمة تحيي اصحابها» . وقد قالی یسوع : «الكلام الذي اکلمكم به هو روح وحياة» «وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ویسوع المسیح الذی أرسلته» ( جامعة ۷ : ۱۲ ؛ یوحنا 6: 63: ۱۷ : ۳ ) . Tr 148.1
أن القوة الخالقة التي أوجدت العوالم هي في كلمة الله . وهذه الكلمة تمنح القوة وهي تلد حياة . وكل أمر هو وعد . فاذ تذعن له الارادة وتقبله النفس فهو يجلب معه حياة الاله السرمدي . وهو يغير الطبيعة ويخلق النفس من جديد على صورة الله Tr 148.2
واذ تمنح الحياة هكذا فهی تحیا بنفس الکیفیه : « بكل کلمة تخرج من فم الله » ( متی4 :4 ) یحیا الانسان أن العقل والنفس يبنيان بما يقتاتان به ، وعلينا نحن تقع مسؤولية ما نقيتهما به ، ففي مقدور كل واحد أن یختار الموضوعات والباحث التی تشغل الافكار وتشكل الخلق . أن الله یقول عن کل انسان له امتیاز الوصول الی الكتاب المقدسة : «اکتب له کثرة شرائعي» . «ادعنی فاجيبك وأخبرك بعظائم وعوائص لم تعرفها» ( هو شع ٨ : 12؛ ارمیا 33: 3 ) Tr 148.3
أن کل انسان اذ تكون کلمة الله بین یدیه ، مهما یکن حظه فی الحیاة یمکنه أن یعاشر من یختاره ۰ فعلی صفحات الكتاب یمكنه أن یتحدث مع انبل وأفضل بنی الانسان ویمكنه أن یستمع لصوت الله السرمدی عندما یتحدث مع الناس . فاذ يدرس ويتأمل في الموضوعات التي «تشتهي الملائكة أن تطلع علیها» ( ۱ بطرس ۱ : ۱۲ ) یمکنه أن يتمتع بعشرتهم . ويمكنه ان يتبع خطوات المعلم السماوي ويصغي الى أقواله كما عندما كان يعلم على الجبل أو السهل أو البحر . ويمكنه وهو في العالم أن يعيش في جو السماء موزعا علی الناس المحزونین و المجربین من ساكنی الارض أفكار الرجاء والاشتیاق الی القداسة , اذ یقترب أکثر فاکثر للشرکة مع غیر المنظور ، کذاك الذي في سالف العصور کان یسير مع الله وکان یقترب اکثر فاکثر الی أعتاب عالم الابد حتی تُفتح له الابواب ویدخل الی هناك . ولن یجد نفسه غریبا . فالاصوات التی تحییه هی أصوات القديسين الذين وأن لم يرهم احد فاقد کانوا عشراء ه علی الارض , الاصوات التی تعلم أن یمیزها علی الارض ویحبها . فالذي عاش في شركة مع السماء عن طريق الكلمة لا يجد نفسه غريبا في صحبته مع سكان السماء Tr 149.1