التربيـــة
الزرع بايمان
من بين الدروس التي لا تكاد تحصى التي تتعلُم في أطوار النمو المختلفة ، بعض من اجملها وأثمنها يحملها لنا المثل الذي اورده المخلص عن البذرة النامية . أن فيه دروسا للكبار وللصغار Tr 121.3
«هكذا ملكوت الله كأن أنسانا يلقي البذار على الارض وينام ويقوم ليلا ونهارا والبذار يطلع وينمو وهو لا يعلم كيف. لان الارض من ذاتها تأتي بثمر. أولا نباتا ثم سنبلا ثم قمحا ملآن في السنبل» ( مرقس 4 : 26 — 28 ) Tr 121.4
أن البذرة فيها في ذاتها مبدأ التفريخ أو الإنبات وهو مبدأ غرسه الله بنفسه فيها ، ومع ذلك فلو تركت لنفسها فلن تكون لتلك البذرة القوة لتنبت . فعلى الانسان دور يقوم به في تحسين نمو البذرة . ولكن هنالك حد لا يمكنه بعده ان يعمل شيئا. فمليه ا،ن يعتمد على ذاك الذي قد ربط الزرع بالحصاد بحلقات عجيبة من قدرته اللامحدودة توجد حياة في البذرة وتوجد قوة فى التربة ، ولكن ما لم ´تستخدم القوة اللامحدودة ليلا ونهارا فالبذرة لن تأتي بثمر . فيجب ان تنعش سيول المطر الحقول وتطفئ ظمأها ، والشمس يجب أن تعطيها دفئا وحرارة ويجب أن تننتقل الكهرباء الى البذرة المدفونة . فالحياة التي قد غرسها الخالق لا يستطيع أن يخرجها احد سواه . فكل بذرة تنمو وكل نبتة تكبر بقدرة الله Tr 122.1
«الزرع هو كلام الله» «لأنه كما أن الارض تخرج نباتها و.كما أن الجنة تنبت مزروعاتها هكذا السيد الرب ينبت برأ وتسبيحا » ( لوقا 8 : 11 ، أشعياء 61 : 11 ) . فكما في الزرع الطبيعي كذلك في الزرع الروحي ، نجد أن القوة الوحيدة التي تنتج حياة هي تلك المنبثقة من الله Tr 122.2
أن عمل الزارع هو عمل ألايمان .انه لا يستطيع ا،ن يدرك سر الإنبات والنمو للبذار ، ولكن له ثقة في العوامل التي بواسطتها يجعل الله النبات يزدهر . فهو ،يلقى البذار مؤملا أن يجمعه اضعافا مضاعفة فى حصاد وفير . هكذا يجب على الوالدين والمعلمين أن يتعبوا منتظرين حصادا من البذار الذي يزرعونه Tr 122.3
قد تظل البذرة الصالحة ملقاة بعض الوقت دون أن يلحظها احد في القلب ، ودون أن تقدم برهانا على أنها قد أصلت أصولها ، ولكن بعد ذلك إذ يهب روح الله على النفس فالبذرة المختفية تطلع واخيرا تأتي بثمر . وفى عمل حياتنا نحن لا نعرف أي الأعمال سينجح هذا او ذاك . فهذا السؤال ليس لنا أن نحكم فيه ، «في الصباح ازرع زرعك وفى المساء لا ترخ يدك» (جامعة 11 : 6) . أن عهد الله العظيم يعلن انه «مدة كل أيام الارض زرع وحصاد . .. لا تزال» (تكوين 8 : 22) . فعلى الثقة بهذا الوعد يحرث الفلاح ويزرع . ونحن ينبغي لنا ألا فكودن اقل ثقة ونحز نزرع الزرع الروحي ونحن نخدم واثقين في وعده الاكيد القائل : «هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي لا ترجع الي فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح في أرسلتها له» . «الذاهب ذهابا بالبكاء حاملا مبذر الزرع مجيئا يجيء بالترنم حاملا حزمه» (أشعياء 55 : 11 مزمور 126 : 6) Tr 123.1
أن إنبات البذرة يرمز الى بدء الحياة الروحية ونمو النبات يرمز الى نمو الخالق . لا يمكن أن تكون حياة بد.ون نمو، فالنبات إما أن ينمو أو يذوي ويموت. وكما أن نمو النبات ساكن وغير ملحوظ ولكنه يستمر فكذلك نمو الخلق . في كل طور هن أطوار النمو يمكن أن تكون حياتنا كاملة، ومع ذلك فإذا تم قصد الله لأجلنا فلا بد أن يكون هنالك نمو مطرد وتقدم مستمر Tr 123.2
والنبات ينمو آذ يقبل ما قد هيأه الله لإسناد حياته وكذلك النمو الروحى يمكن تحقيقه بواسطة التعاون مع العوامل الالهية . وكما يتأصل النبات فى إلارض كذلك علينا نحن أن نتأمل في المسيح . وكما يستقبل النبات الشمس والظل والمطر كذلك علينا نحن أن نستقبل الروح المقدس ونقبله . اذا كانمته قلوبنا راسخة في المسيح فسيأتي إلينا: «كالمطر. كمطر متأخر يسقي الارض» وكشمس البر سيشرق علينا والشفاء في أجنحته وسوف «يزهر كالسوسن» و «يحيون حنطة ويزهرون كجفنة» (هوشع 6 : 3 ، ملاخى 4 : 2 ، هوشع 14 : 5 و 7 ) Tr 123.3
أن القمح يخرج «اولا نباتا ثم سنبلا ثم قمحا ملآن في السنبل» ( مرقس 4 : 38 ). أن غاية الفلاح من الزرع زرع البذار والعناية بالنبات هي الحصول على الحنطة، خبز للجياع وبذار لاجل المحاصيل الآتية . هكذا الفلاح الالهي ينتظر حصادا. انه يحاول أن يتولد في قلوب تلاميذه وحياتهم ، حتى عن طريقهم يولد في قلوب أناس آخرين وحياتهم Tr 124.1
أن النمو التدريجي للنبات من البذرة هو مثل في تربية الأطفال . فيكون «اولا نباتا ثم سنبلا ثم قمحا ملآن في السنبل» ( مرقس 4 : 8 ). أن الذي أورد هذا المثل هو الذي خلق البذرة الصغيرة ، وأودع فيها خواص الحياة وسن القوانين التي تتحكم في نموها . والحقا ثق المقتبسة من المثل صارت حقيقة في حياته .فهو ، جلال السماء وملك المجد. صار طفلا في بيت لحم ، وظل بعض الوقت يمثل الطفل القاصر تحت رعاية أمه . وفى طفولته تكلم وتصرف كطفل اذ اكرم أبويه ونفذ كل رغباتهما في طريق المعاونة . ولكن منذ بدء انبثاق ذكائه كان ينمو نموا مطردا في النعمة ومعرفة الحق Tr 124.2
فيجب على الوالدين والمعلمين أن يهدفوا الى تهذيب ميول الشباب حتى يمكنهم في كل طور من اطوار الحياة إن يمثلوا الجمال اللائق بتلك الفترة ، فيتفتحون بكيفية طبيعية كما تفعل النباتات في البستان Tr 125.1
يجب أن يتربى الصغار في بساطة كبساطة الاطفال . يجب تربيتهم على أن يكونوا قالعين بواجبات المعونة الصغيرة وبالمسرات والاختبارات الطبيعية لمن هم في مثل سنهم . أن الطفولة يرمز إليها النبات في المثل ، والنبات له جمال قاصر عليه . لا ينبغي أرغام الأطفال على أن ينضجوا نضوجا مبكرا قبل اوانه ، بل على قدر الإمكان يجب أن يظلوا محتفظين.بنضارة وجمال سنواتهم الاولى .كلما كانت حياة الطفل الحر هدوءا وبساطة_ كلما تحررت من الاثارة والاهتياج المصطنع وكلما كانت متوافقة مع. الطبيعة _ وكلما كان ذلك اكثر موافقة (´للنشاط الجسماني والعقلي والقوة الروحية Tr 125.2
في معجزة اشباع ألخمسة الالآف ألتي أجراها المخلص يتمثل عمل قدرة الله في انتاج الحصاد . أن يسوع يزيح الستار عن عالم الطبيعة ويكشف عن القوة الخالقة التي تعمل باستمرار لاجل خيرنا، ففي إكثار البذرة التي تلقى في الارض فذاك الذي ضاعف الأرغفة ما زال يعمل معجزة كل يوم. فهو بمعجزة يطعم دائما ملايين الناس من محاصيل حقول الارض . ويطلب من الناس أن يتعاونوا معه فى العناية بالحبوب وأعداد الرغيف وبسبب هذا يغيب عن أنظارهم العامل الالهي . أن عمل قدرته ´ينسب الى أسباب طبيعية أو الى العامل البشري ، وفى اكثر الأحيان تفسد هباته وتعكس لأغراض نفسانية فتصر لعنة بدلا من أن تكون بركه . أن الله يحاول أن يغير كل هذا . فهو يريد أن حواسنا البليدة تستيقظ وتنتعش لتدرك رافته ورحمته لتكون هباته لنا بركة كمنا قد قصد أن تكون Tr 125.3
أن كلمة الله - منح حياته - هي التي تعطي للبذرة حياة ، ونحن اذ نأكل من الحنطة نصر شركاء في تلك الحياة . والله يريدنا أن ندرك هذا . وهو يريد أننا حتى عندما نتناول خبزنا اليومي نعترف بانه هو العامل ويمكن أن هذا يجعلنا في شركة أوثق معه Tr 126.1
بواسطة شرائع الله في الطبيعة نعلم أن التأثير يتبع السبب بتأكيد ويقين لا يتغير ، فالحصاد يشهد للزرع . وهنا لا يسمح بأي ادعاء. فقد يخدع الناس بني جنسهم وقد يظفرون بالمديح ويحصلون على مكافأة لاجل الخدمة التي لم يؤدوها ولكن لا يوجد خداع فى الطبيعة ولا يمكن أن يكون • فالفلاح غير الأمين يصدر علية الحصاد حكما بالادانة . وهذا يصدق بأسمى معنى أيضا فى المجال الروحي • أن الشر ينجح في المظهر فقط ولكن ليس في الواقع او الحقيقة . فالطفل الذي يلعب ويتراخى ويتهرب من المدرسة ، والشاب الذي هو كسول فى دراسته والكاتب او التلميذ تحت التمرين فى صناعته الذي بهمل في خدمة مصالح مستخدمه ، والرجل في أي عمل او وظيفة الذي هو غير أمين لأسمى التزاماته قد يخدع نفسه بأنه طالما كان الخطأ مستورا فهو يكسب ميزة . ولكن الأمر ليس كذلك . فهو انما يخدع نفسه . أن حصاد الحياة هو الخلق وهذا ما يقرر المصير لهذه الحياة وللحياة الأخرى Tr 126.2
أن الحصاد هو تكاثر البذار الذي زرع . فكل بذرة تنتج ثمرا من نوعها . وهكذا الحال بالنسبة الى سجايا الخلق الذي نحتضنه . فالأنانية وحب الذات والاعتداد بالنفس تتوالد وتتكاثر ، والنهاية هي التعاسة والهلاك «لأن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فسادا ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية» ( غلاطية 6 : 8 ) أما المحبة والعطف والرفق فثمر ثمر البركة ، حصادا لا يفنى Tr 127.1
في الحصاد تتضاعف البذرة . فحبة الحنطة الواحدة اذ تتكاثر عن طريق زرعها مرارا قد تملا قطعة ارض كبيرة بالحزم الجميلة الغالية الذهبية . وكذلك يمكن أن يمتد تأثير حياة واحدة وربما تأثير عمل واحد Tr 127.2
ما أعظم وأكثر أعمال المحبة التي حفزت الناس عليها مدى القرون الطويلة ذكرى قارورة الطيب التي كسرت لاجل تطبيب المسيح ! وما أكثر العطايا التي لا تحصى التي أتى بها الى ملكوت المخلص عن طريق التبرع الذي قدمته تلك الأرملة الفقيرة المجهولة الاسم والذي يبلغ «فلسين قيمتهما ربع» : ( مرقس 12 : 42 ) Tr 127.3