التربيـــة
من ضعف الى قوة
ان تاريخ بطرس هو الوحيد بين تواريخ حياة التلاميذ الذي يمثل لنا افضل تمثيل اسلوب المسيح في التربية ، فبطرس اذ كان جریئا متخذا زمام المبادرة وواثقا من نفسه وسريعا في الادراك والملاحظة ومقداما في العمل وسريعا في الثأر ومع ذلك كريما في الصفح ، كثيرا ما اخطاً و کثیرا ما وقع علیه التوبیخ ، و کذلك ولاؤه و تکریسه القلبی المسیح اعترف له بهما بکل یقین و امتدح علیهما. و قد عالج المخلص تلميذه المندفع هذا بصبر وبمحبة منصفة ، محاولا ان يوقف ثقته بنفسه ويعلمه الوداعة والطاعة والثقة Tr 102.3
ولكنه تعلم الدرس تعلما جزئيا. فثقته بنفسه لم تقتلع و کثیرا عندما کان الحمل یثقل علی کاهل یسوع و قلبه کان یحاول ان یکاشف التلامیذ بمشاهد محاکمته و آلامه. ولکن اعینهم کانت ممسکه ۰ فهم لم یکونوا یرحبون بمعرفة ذلك و لم یکونوا یرون . ان اشفاقهم علی انفسهم الذی تراجع بهم عن مشاركة المسيح فى آلامه حفز بطرس على ان يعترض قائلا : ” حاشاك یارب . لا یکون لك هذا ” (متی ۱۹ : ۲۲) . و قد کان کلامه تعبیرا عن فکر الاثنی عشر و شمعورهم Tr 103.1
وهكذا ساروا والازمة تقترب منهم ، وكانوا فخورين کثیری المنازعات فی انتظار توزیع اوسمة الشرف ولم ليکونوا بیحلمون بالصلیب Tr 103.2
كان اختبار بطرس درسا لجميعهم . ان التجربة هزيمة للثقة بالذات . ان المسيح لم يستطع أن يمنع تفاعل راستشراء الشر اللي لم یقلعوا عنه . ولکن کما مد السید يده للانقاذ عندما کانت الامواج موشکة ان تکسح بطرس كذلك امتدت محبته لانقاذه عندما طغت اللجج على نفسه. و مرارا کثیرة اذ کان بطرس علی شفا الهلاك فان کلام الافتخار کان یقربه اکثر فاکثر الی الحافة . ومرارا قدم الیه الانذار : «. . . تنکر، انك تعرفنی» (لوقا ۲۲ : 4 3 ). ان قلب ذلك التلميذ الحزين هو الذي نطق بهذا القول : «يا رب انی مستعد ان امضی معك حتی الی السجن والی الموت (لوقا ۲۲ :۳۳). و ذاك الذي یعلم خفیات القلب قدم لبطرس الرسالة التي قلما كان يقدرها حينئذ ولكنها عند هجوم الظلام اشرقت على نفسه بشعاعة من الرجاء : «سمعان سمعان هوذا الشیطان طلبکم لکی یغربلکم کالحنطة. ولکنی طلبت من اجلك لکی لایغنی ایمانك. وانت متی رجعت ثابت اخوتك» (لوقا ۲۲ : ۳۱ و ۳۲ ) Tr 103.3
وعندما نطق بطرس بکلام الانکار فی دار المحاکمة . وعندما اخرجته محبته وولاؤه اذ ايقظتهما نظرة العطف و الحب و الحزن التی وجهها الیه المخلص ، الی البستان حیث بکی المسیح و صلی ، عندما انهمرت دموع ندامته على الارض التي ارتوت بقطرات دم آلام السيد الشديدة ، وحينئذ فان كلام المخلص حين قال : «طلبت من اجلك. . . متی رجعت ثابت اخوتك» ، کان سندا لروحه . ان المسيح مع علمه السابق بخطیته لم یترکه للیأس Tr 104.1
فلو ان النظرة التي ألقاها عليه يسوع عبـَّرت عن المدينونة بدلا من العطف ، ولو انه عندما انباه بخطيته اخفق فی النطق بکلام الرجاء فما کان اثقل الظلام الدي کان یکتنف بطرس ! وما کان ارھب الیأس اللی کان یکتنف تللث النفسیں المعذبة ! ففي تلك الساعة ساعة عذابه ومقته لنفسه ما الذي كان يستطيع أن يصده عن السير في الطريق الذي سار فيه يهوذا ؟ Tr 104.2
ان ذاك الذي لم يستطع ان يمنع تلميذه من العذاب والحزن لم یترکه وحده یجرع مرارته. انه في محبته لا يهمل ولا يترك Tr 105.1
ان البشیر انفسهم مع انهم یمیلون الی الشر فهم میالون انى معاملة المجربين والمخطئين بغير رفق . انهم لا يعرفون ما تکنه القلوب و لا یعرفون صراع القلب و آلامه . آنهم بحاجة الى ان يتعلموا عن التوبيخ الذي هو محبة والضربة التي تجرح لتشفي والانذار الذي ينطق بالرجاء Tr 105.2
ان الذي سهر مع السید عند المحاکمه فی دار القضاء والذي وقف الی جوار صلیبه والذي کان الاول بين الاثني عشر الذي ذهاب الی القبر لم یکن هو یوحنا - لم یکن یوحنا بل بطرس ، الذي ذکر المسیح اسمه بعد قیامته. فقد قال الملاك : «قلن لتلاميذه والبطرس انه يسبقكم الى الجليل . هناك ترونه» ( مرقس 16 : ۷ ) Tr 105.3
وعند الاجتماع الاخير بين المسيح وتلاميذه عند البحر فاذ امتحن بطرس ثلاث مرات بهذا السؤال : «اتحبني» ؟ فقد اعید الی مکانه بین الاثنی عشر . و قد عین له عمله اذ کان علیه ان یرعی قطیع الرب . حینئذ وجه الیه المسیح امره الشخصي الاخير اذ قال له يسوع : «اتبعني انت» ( یوحنا ۲۱ : ۱۷ و ۲۲) Tr 105.4
لقد امکنه الان ان بیقدر الکلام . فالدرس الذی قدمه المسيح عندما اقسام ولدا في وسط التلاميذ وامرهم بان یصیروا مثله امکان لبطرس الان ان یدرکه ویفهمه فهما افضل . فاذ عرف ضعفه وقوة المسيح معرفة كاملة كان مستعدا لان يثق ويطيع . فبقوة الرب امکنه یتبع سیده Tr 106.1
وفي نهاية اختباره للخدمة والتضحية فالتلميذ الذى لم يكن مستعدا قبلا لادراك الصليب حسبه فرحا ان يضع حیاته لاجل الانجیل شاعرا فقط انه لن قد انکر سیده یعتبر موته کما قد مات سیده مجددا عظیما جدا لا بستحقه Tr 106.2
ان التغییر الذی حدث لبطرسں کان من معجزات لطف الله . وهو درس يتعلمه مدى الحياة اولئك الذين يريدون أن يسيروا في اثر خطوات معلم المعلمين Tr 106.3