التربيـــة
درس في المحبة
لقد وبخ يسوع تلاميذه ، انذرهم وحذرهم ، ولكن یوحنا و بطرس و اخوتهما لم یتر کوه . فبالرغم من التوبیخات اختاروا ان یکونوا مع یسوع . کما ان المخلص لم ینسحب من بینهم بسبب اخطائهم . انه يأخذ الناس کما هم بکل أخطائهم وضعفاتهم ویدربهم علی خدمته اذا أرادوا ان يتدربوا ويتعلموا منه Tr 106.4
ولكن وجد واحد من الاثني عشر لم يوجه المسيح اليه کلمة توبیخ مباشرة الی قرب انتهاء خدمته علی الارض Tr 107.1
فبدخول يهوذا بين التلاميذ دخل معه عنصر الخصومة. فاذ ربط نفسه بیسوع استجاب لجوأذب صفاته و حیاته. کان مخلصا حین طلب ان تغییر نفسه و کان یرجو ان یختبر هذا عن طریق اتحاده بیسوع . و لکن هذه الرغبة لم تکن الرغبة السائدة او الغالبة. والذي سيطر عليه هو الامل في الربح الاناني في الملکوت العالمي الذي کان ينتظر ان المسیح سیقیمه. ان یهوذا مع انه اعترف ولاحظ القدرة الالهية لمحبة المسيح فهو لم يخضع لسلطائها. وقد ظل محتفظا بحکمه وآرائه وميله الى الانتقاد والادانة . ان بواعث المسیح و تحرکاته التی کانت فی غالب الاحیان فوق ادراك يهوذا اثارت فيه الشكوك والاستهجان . وقد أوعز بهذه الشکوك والمطامع الی التلامیذ . و کثير من مشاجراتهم علی السیادة و کثير من تبرمهم و عدم رضاهم عن اسالیب المسیح بدأت ونبعت من يهوذا Tr 107.2
واذ رأى يسوع ان المخاصمة من شأنها أن تقسي القلوب کف عن الصراع المباشر . ان الانانیه المتزمتة فی حیاة يهوذا حاول المسيح أن يشفيها عن طريق الاتصال بمحبته المضحية. ففي تعليمه كشف عن المبادئ التي ضربت أصل مطامع التلاميذ المركزة في ذواتهم . وقد قدم درس بعد درس و کثيرا ما ایقن یهوذا ان اخلاقه قد صورت وان خطیته قد اشير الیها ، ولکنه لم یخضع Tr 107.3
فاذ قاوم توسلات الرحمة سادت عليه نزعة الشر اخيرا. واذ غضب يهوذا من توبيخ ضمني واذ صار متهورا لخیبة آماله فی مطامعه واحلامه اسلم نفسه لشیطان الطمع وعقد العزم علی خیانة سیده و تسلیمه . فخرج من العلیة التي مورست فيها فريضة الفصح ومن فرح محضر المسيح ونور رجاء الخلود ، خرج الى عمله الشرير ـ الى الظلمة الخارجية حيث انتفى الرجاء Tr 108.1
«لان يسوع من البدء علم من هم الذين لا يؤمنون ومن هو الذي يسلمه» ( يوحنا ٦ : ٦٤ ) . ومع ذلك فهو لم يمتنع عن تقديم توسل الرحمة او هبة المحبة Tr 108.2
واذ رأي یسوع خطر یهوذا قربه من نفسه و ادخله الى الدائرة الاضيق لتلاميذه المختارين الموثوق بهم . ويوما بعد يوم عندما كان العبء يثقل على قلبهه كان يتحمل الم الاحتكاك المستمر مع تلك الروح العنيدة المرتابة المصرة على الاثم . لقد شهد وتعب لكي يبطل مفعول تلك الخصومة المستمرة الخفیة الماکرة بین تلاميذه . و کل ذلك حتی لا یعوز تلك النفس المعرضة للخطر اي تأثیر یمکن ان یخلصها ! Tr 108.3
«مياه كثيرة لا تستطيع ان تطفئ المحبة والسیول لا تغمرها» Tr 108.4
«لان المحبة قوية كالموت» (نشيد الانشاد 7.8 و ٦) وفيما يختص بيهوذا نفسه كانت خدمة محبة المسيح عديمة الجدوى . ولكن هذا لا ينطبق على زملائه من التلاميذ . فبالنسبة اليهم كانت درسا دام تأثيره مدى الحياة. ان مثاله في الرقة وطول الاناة شكل دائما اختلاطهم بالمجربين والمخطئين . وقد كانت لتلك الخدمة دروس اخرى . فعند اقامة الاثني عشر كان التلاميذ یشتاقون شوقا عظیما الی ان یکون یهوذا واحدا منهم و قد حسبوا قبوله حادثا يبشر بمستقبل عظيم لجماعة الرسل . کان علی اتصال بالعالم اکثر منهم . کان رجلا علی جانب کبیر من المهارة والتمییز والمقدرة الاداریه ، واذ کان یقدر مؤهلاته تقديرا ساميا جعل التلاميذ يقدرونه هذا التقدير . الا ان الاسالیب التی قصد ادخالها فی عمل المسیح کانت مبنية على مبادئ عالمية وتحكمها سياسة عالمية . تلك المبادئ کانت ترمی الی احراز احترام العالم و کرامته _ انی الحصول عالی مملکة هذا العالم . ان تفاعل هذه الاشواق والرغبات في حياة يهوذا أعانت التلاميذ على ادراك الخصومة بين مبدإ تعظيم الذات ومبدإ المسيح مبدإ الوداعة والتضحية _ مبدإ الملكوت الروحي. وقد رأوا في مصير يهوذا ومأساته العاقبة التي تنتهي اليها خدمة الذات Tr 108.5
أن رسالة المسيح قد حققت غايتها اخيرا لاجل هؤلاء التلاميذ . وقليلا قليلا فان مثاله ودروسه عن نبذ الذات و انکارها شکلت اخلاقهم . و قد قضی موته علی رجائهم فى العظمة العالمية. ان سقوط بطرس وارتداد يهوذا وفشلهم هم فی ترکهم للمسیح فی آلامه و خطره ، کل ذالک اکتسح كفايتهم الذاتية. وقد رأوا ضعفهم ، ورأوا شيئا من عظمة العمل المسند اليهم ، وقد احسوا بحاجتهم الى أرشاد سیدهم و معلمهم عند کل خطوة Tr 109.1
عرفوا ان وجوده معهم بذاته کما کان قبلا لن يتحقق ، وتحققوا كما لم يتحققوا من قبل قيمة الفرص التي كانت لهم في السعر والتحدث مع ابن الله . ان كثيرا من الدروس التي كانوا قد تلقنوها لم يقدروها ولا فهموها عندما نطق بها ، اما الان فاقد تاقوا الى تذکرها و تاقوا الى سماعها مرة أخري . فبأی فرح عاد الیهم الان تأکیده حین قال : Tr 110.1
«خیر لکم ان انطلق . لانه ان لم انطلق لا یأتیکم المعزي . ولکن ان ذهبت ارسله الیکم» «اعلمتکم بکل ما سمعته من أبي » ، «اما المعزي . . . الذي سیرسله الاب باسمی فهو یعلمکم کل شیء ویذکر کم بکل ما قلبته لکم» ( یوحنا 7:16؛ 15 :15 ؛26:14) Tr 110.2
«كل ما للآب هو لي» «واما متى جاء ذاك روح الحق فهو یرشدکم الی جمیع الحق . . . یأخذ مما لی و یخبر کم» (یوحنا15:16 و13و14 ) Tr 110.3
لقد رأى التلاميذ المسيح يصعد من بينهم وهم على جبل الزيتون . واذ استقبلته السماء عاد اليهم وعـده الوداعي : «ها انا معکم کـــل الایام الی انقضاء الدهر» ( امتی ۲۸ : 20) Tr 110.4
وقد علموا ان عواطفه لا تزال معهم . وعلموا ان لهم نائبا , شفيعا امام عرش الله . فباسم يسوع قدموا توسلاتهم مرددين وعده القائل : «كل ما طلبتم من الأب باسمى يعطيكم» ( يوحنا 23:16 ) Tr 110.5
وقد مدوا ید الایمان الى اعلی و اعلی بهذه الحجة القوية : «المسيح هو الذي مات بل بالحري قام ايضا الذي هو ایضا عن یمین الله الذي ایضا یشفع فینا» ( رومیة ۸ : 34 ) Tr 110.6
فذلك الشخص الالهي اذ كان امينا لوعده ، وقد تمجد في المواطن السماوية اعطى من ملئه لتلاميذه على الارض . ان جلوسه علی العرش عن یمین الله تمیز بسکب الروح علی تلامیذه Tr 111.1
ان هؤلاء التلاميذ بعمل المسيح احسوا بحاجتهم الى الروح . فتحت تعليم الروح حصلوا على إعدادهم النهائي فخرجوا لمزاوله عمل حیاتهم Tr 111.2
ما عادوا الان جهلة او غير مثقفين . وما عادوا الان مجموعة من الآحاد المستقلة او العناصر المتنافرة المتنازعة. وما عادت آمالهم مركزة في العظمة العالمية. كانوا «برأي واحد» و فکر واحد و نفس واحدة ۰ لقد ملأ المسیح افکارهـم . وکان هدفهم تقدم ملکوته . ففي افکارهـم و صفاتهم صاروا کسیدهم . والناس «عرفوهما ( بطرس و یوحنا) انهما کانا مع یسوع» ( اعمال 13:4 ) Tr 111.3
وحينئذ كان هنالك اعلان لمجد المسيح لم يسبق لعين انسان أن شهدته . فاذا بجماهير من كانوا قد أهانوا اسمه واحتقروا سلطانه يعترفون بانهم تلاميذ المصلوب . وعن طريق معاونة الروح الالهـي حـدث ان خدمات الرجال الوضعاء الذين قد اصطفاهم المسيح فتنت المسكونة. ففي جیل واحد وصل الانجیل الی کل امة تحت السماء Tr 111.4
ان نفس الروح الذى ارسل بدلا منه ليكون معلما لخدامه الاولین، ارسل المسیح لیکون معلما لخدامه العاملین معه اليوم. وهذا هو وعده : «ها انا معکم کل الایام الی انقضاء الدهر» ( متی ۲۸ : 20) Tr 112.1
ان وجود نفس هذا المرشد في الخدمة التربوية اليوم ستنتج عنه نفس النتائج كما في القديم . هذه هي الغاية التي تؤول اليها التربية الحقة ، هذا هو العمل الذي يقصد الله انه يتم Tr 112.2