التربيـــة

7/60

مَدَارسُ الأنبيَاءّ

أينما نفذت خطة الله في التربية في العبرانيين فان نتائجها شهدت لحكمة مبدعها . ولكن في عائلات كثيرة جدا كانت التربية التي اقرتها السماء والاخلاق التي تطورت تبعا لذلك نادرة سواء بسواء . أن خطة الله لم تنفذ الا جزئیا ویکیفیة ناقصة . فبسبب عدم الایمان والاستخفاف بتوجیهات الرب احاط العبرانیون أنفسهم بتجارب لم یقو غیر القلیلین علی مقاومتها . فعندما سکنوا فی کنعان « لم يستأصلوا الامم الذين قال لهم الرب عنهم بل اختلطوا بالأمم وتعلموا اعمالهم وعبدوا أصنامهم فصارت لهم شرکا » . لم یكن قلبهم مستقیما مع الله « ولم یکونوا أمناء في عهده . أما هو فرؤوف يغفر الاثم ولا یهلك و کثیرا ما رد غضبه . . . ذکر انهم بشر . ریح تذهب ولا تعود » ( مزمور ١٠٦ : ٣٤ - ٣٦ و ۷۸ : ۳۷ - ۳۹ ) . فالآباء والامهات فی اسرائیل آمسوا عدیمی الاکثراث لالتزامهم من نحو الله ، و عدیمی الاکتراث لالتزامهم من نحو اولادهم . فبسبب عدم الامانة في البيت وبسبب المؤثرات الوثنية من الخارج تلقی کثیرون من شباب العبرانیین تعلیما یختلف اختلافا بيٌنا عن ذاك الذي قد رسمه الله لهم . فلقد تعلموا طرق الوثنيين Tr 52.1

فلأجل مواجهة هذا الشر المستفحل أعد الله عوامل أخرى لمساعدة الوالدين في عمل التربية . فمنذ أقدم المصور اعترف ہالانبیاء کمعلمين معینین من قبل الله . ان النبی کان ، بأسمى المعانی انسانا تکلم بإلهام مباشر موصلا للشعب الرسائل التي تلقاها من الله . ولكن هذا الاسم أطلق ايضا على الذين مع انهم لم يتقوا إلهاماً مباشرا كالاولين فقد دعاهم الله لتعليم الشعب في اعمال الله وطرقه . فالأجل تعليم هذه الطائفة من ن المعلمين ، أنشأ صموئيل بتوجیه الرب ، مدارس الانبیاء Tr 53.1

کان المقصود من هذه المدارس ان تكون سیاجا یصد الفساد المستشري ، ولتکفل للشباب ما فیه خیرهم العقلي والروحي ، ولتعمل على نجاح الأمة بتزويدها برجال مؤهلین لأن یعملوا بخوف الله کقادة ومشیرین . فلأجل هذه الغایة جمع صموئیل فرقا من الشباب الذین شهد لهم بأنهم اتقیاء واذکیاء ومفكرون . و قد دعي هؤلاء بني الانبياء . فإذ درسوا كلمة الله وأعماله ، فأن قوته المانحة الحياة أحيت قوى عقولهم ونفوسهم فتقبَّل هؤلاء الطلبة الحکمة التی من فوق . اما معلم و هم ففضلا عن کونهم متضلعين في الحق الألهي فانهم هم انفسهم تمتعوا بالشركة مع الله و حصلوا علی عطیة روحه الخاصة . وقد ظفروا بتوقير الشعب وثقته لأجل علمهم كما لاجل تقواهم . وفي أيام صموئيل كانت توجد اثنتان من هذه المدارس — أحداهما في الرامة موطن النبي والاخرى في قرية يعاريم . وفى العصور التالية أنشئت مدارس أخرى Tr 53.2

وکان تلاميذ هذه المدارس يعولون انفسهم بالاشتغال في فلاحة الارض أو أي عمل ميكانيكي . ولم يكن هذا العمل معتبرا غريبا أو محقرا للانسان بين العبرانيين ، وفي الحق أن السماح للأولاد بان يكبروا وهم يجهلون العمل النافع کان معتبرا خطیة . فکل شاب سواء أکان أبواه غنیین او فقیرین کان یتعلم حرفة ما . و حتی مع انسه کان یتعلم ليشغل وظيفة مقدسة فان معرفة الحياة العملية كانت معتبرة لازمة کل اللزوم لأعظم نفع . بل ان کثیرین من المعلمين كانوا يعولون انفسهم بالعمل اليدوي Tr 54.1

فی کلا المدرسة والبیت کان جانب کبیر من التعلیم شفويا ، ولكن الشباب تعلموا ايضا. قراءة الكتب العبرية ، شريعة الله مع التعليم المسلم الی موسی والتاريخ المقدس والموسيقى المقدسة والشعر . وفي سجلات التاريخ المقدس كانوا يتتبعون آثار أقدام الرب . والحقائق العظيمة التي توضحها الرموز في خدمة المقدس بسطت أمامهم , فأدرك الایمان الغرض الرئیسی فی کل ذلك النظام ـ۔ حمل اللہ المزمع ان یرفع خطبة العالم . وقد احتضن الطلبة روح التكریس والتعبید . ففضلا عین کون الطلبة تعلموا واجب الصلاة فقد تعلموا کیف یصلون وکیف یقتربون من خالقهم و کیف یتدربون علی الایمان به ، و کیف يفهمون تعالیم روحه و یطیعونها . أن الذهن المقدس استخراج من کنز بیت الله جددا وعتقاء وقد اظهر روح الله في النبوة والترنيمات المقدسة Tr 54.2

ولقد برهنت هذه المدارس على انها من أفعل الوسائل في ترقية وانجاح البر الذي «يرفع شأن الامة» ( أمثال 14 : 34 ) . وقد أعانت بدرجة كبيرة في وضع أساس ذلك النجاح العجیب الدي به امتاز ملك داود وسلیمان کلیهما والمبادىء التي تعلمها الطلبة في مدارس الانبياء هي نفس المبادیء التی صاغت اخلاق داود وشکلت حیاته . فقد كانت كلمة الله معلمه . فلقد قال : «من وصاياك اتغطن . . . عطفت قلبی لا صنع فرائضك» ( مزمور ۱۱۹ : 104 ـــ ۱۱۲) . هذا ما جعل الرب یقول عن داود عندما دعاه الى العرش في شبابه اني وجدت « رجلا حسب قلبی » ( اعمال ۱۳ : ۲۲ ) . Tr 55.1

وکذالك تری قی بکور حیاة سلیمان نتائج اسلوب الله في التعليم والتربية . أن سليمان في شبابه أختار نفس ما أختاره داود . فقد سأل من الله قلبا حکیما فهیما قبل کل خیر ارضی . وقد اعطاه الرب لیس ما طلبه فقط بل أعطاه أيضاً ما لم يطلبه ـــ الغنى والكرامة . وقد صارت قوة فهمه واتساع علمه ومجد ملكه. أعجوبة العالم Tr 55.2

وفی ملك داود وسلیمان وصلت مملکه اسرائیل الی قمة عظمتھا . فالوعدہ المعطی لابراھیم والذی تكرر علی لسان موسی قد تحقق ، و هو یقول : « لانه اذا حفظتم جمیع هذه الوصايا التي انا اوصيكم بها لتعملوها . لتحبوا الرب الهكم و تسلكوا فى جمیع طرقه و تلتصقوا به یطرد الرب جمیع هؤلاء الشعوب من أمامكم فترثون شعوبا اکبر واعظم منکم . کل مکان تدوسه بطون اقدامكم یکون لکم . من البریة ولبنان . من النهر نهر الفرات الی البحر الغربی یکون تخمکم . لا يقف انسان فى وجهکم » ( تثنیة ۱۱ : ۲۲ ـــ ٢٥) Tr 56.1

ولکن فی وسط النجاح کان یکمن الخطر . فخطیبة داود التي ارتكبها فيما بعد مع انه تاب عنها توبة صادقة وعو قب علیها عقا با شدیدا فقد جَّرات الشعب علی عصیان وصایا الله . و حیاة سلیمان بعد صباح کان یبشر بخیر عمیم اظلمها الارتداد . ان اشتیاقه الی الحصول عالی قوة سیاسیة وتعظیم الذات ساقه الی التحالف مع الامم الوثانیه . ان فضة ترشیشس وذهب او فیر امکنه الحصول عليهما بواسطة التضحية بالاستقامة وخيانة الودائع المقدسة . وان معاشرته لعبدة الاوثان وزواجه بالنساء الونیات افسمدت ایمانه . والسیاجات التی قد اقامها الله لاجل سلامة شعبه نقضته وأسلم سليمان نغسه لعبادة الآلهة الكاذبة . فعلى قمة جبل الزيتون وفي مواجية هيكل الرب اقيمت تماثيل هائلة ومذابح العبادة الآلهة الوثنية . فاذ طرح عنه ولاوه الله اضاع سلیمان سنی طر ته علی نفسه . فقد تبلدت مشاعره الرقيقة — وتبذلت الروح الامينة المنصفة التی کانت له فی بدء حكمه . واثمرت الكبریاء والطموح والاسراف والانصباب على الشهوات ثمار القسوة والاغتصاب . فذاك الذي کان ملكا رحیما وعادلا وخائف الله صار طاغية وظالما . والذي عند تدشين الهيكل صلى لاجل شعبه حتى يسلموا قلوبهم بجملتها الله صار مضللا لهم . لقد أهان سلیمان نفسه وأهان اسرائیل واهان الله Tr 56.2

والامة التي كان هو موضوع فخرها سارت في اثر خطواته . ومع انه تاب بعد ذلك فأن توبته لم تمنع ثمار الشر ولا حصاد الشر الذي قد زرعه . ان التدريب والتربية اللذین قد عینهما الله لاجل العبرانیین کان ممکن ان یجعلاهم، في کل طرق حیاتھم ، یختلفون عن شعوب الامم الاخری . فهذه الصفة الممتازة التي كان يجب اعتبارها امتيازا خاصا وبركة ممتازة كانت مرفوضة في نظرهم . ان البساطة وردعا النفس اللذين هما جوهريان لاجل أسمى نضوج حاولوا استبدالهما بالأبهة والانغماس الذين انتشرا بين الشعوب الوثنیة . کانوا یطمعون فی ان یکونوا « کسائر الشعوب » ( صموئیل الاول ۸ : ٥ ) . لقد القي جانبا بتدبیر الله في التربية وتبرأوا من سلطان الله عليهم Tr 57.1

ان سقوط اسرائیل بدا عند ما رفضوا طرق الله و ابدلوها بطرق الناس . وهکذا أيضا استمر الحال حتی أمسى الشعب اليهودي غنيمة لنفس الامم التي اختاروا ان يتبعوا اعمالها Tr 57.2

أن بني اسرائيل كأمة اخفقوا في قبول المنافع التي رغب الله في ان يمنحهم اياها . انهم لم يقدروا قصده ولا تعاونوا في أمر تنفيذه . ولكن مع أن الافراد والشعوب قد يفضلون أنفسهم هكذا عنه فان قصده نحو من یثقون به لا یتغیر : « أن کل ما یعمله الله یکون الى الابد » ( جامعة ٣ : ١٤) . Tr 57.3

وفي حين أنه توجد درجات مختلفة للنمو ومظاهر مختلفة لقدرته في مواجهة حاجات الناس في مختلف ألعصور ، فأن عمل الله في كل الزمن هو بذاته لا يتغير . فالعلم هو ذاته وصفات الله وتدبيره هي هي ذاتها بدون تغییر . « لیس عنده تغییر ولا ظل دوران » (یعقوب ۱ : ۱۷) Tr 58.1

ان اختبارات العبرانيين قد سجلته لاجل تعليمنا ، « فهذه الامور جمیعها أصابتهم مثالا و کتبت لانذارنا نحن الذین انتهت الینا اواخر الدهور» (۱ کورنثوس١٠ : ۱۱ ) . فبالنسبة الینا کما بالنسبة الى العبرانیین قدیما یتوقف النجاح في التربية على ولائنا في تنفيذ تدبير الخالق . ان ثباتنا علی مبادئ کلمة الله سیجلب لنا بركات عظیمة کما کان یمكن أن یجلب للشعب العبراني Tr 58.2