التربيـــة
القسم (2) - أمْثًلـة
تربيَة العِبرانيّين
ان نظام التربية الذي اقيم في جنة عدن كان مركزا في العائلة . فقد- کان آدم « ابن الله » (لوقا ٣ : ۳۸ ) وقد تلقی بنو العلی تعلیمهم من ابیهم . و کانت مدرستهم باصدق المعاني مدرسة العائلة Tr 38.1
وفي ترتيب الله للتربية كما كانت مطابقة لحالة الناس بعد السقوط ، يقف المسيح ممثلا للآب حلقة اتصال بين الله والانسان . انه المعلم العظيم لبني الانسان . وقد رسم ان يكون الرجال والنساء ممثليه . كانت العائلة هي المدرسة ، والوالدون كانوا معلمين Tr 38.2
وكانت التربية المركزة في العائلة هي الشائعة في عهد الآباء . ولاجل المدارس المقامة هكذا اعد الله كل الظروف المؤاتية وأعظمها موافقة لاجل تنمية الخلق - فالناس الذين كانوا تحت توجيهه اتبعوا خطة الحياة التي قد اقـّـرها من البدء . أما الذين ابتعدوا عن الله فقد بنوا لانفسهم مدنا واذ اجتمعوا فيها جعلوا يتباهون بالجلال والترف والرذيلة التي تجعل المدن في يومنا هذا مفخرة العالم ولعنته . ولكن الناس الذین تمسكوا بمبادیء الله لحیاة فسكنوا بین الحقول والتلال . فكانوا فلاحين في الارض ورعاة للغنم والمواشي ، وفي هذه الحياة الحرة المستقلة بما فيها من فرص العمل والدرس والتفكير تعلموا من الله وعلموا اولادهم عن اعماله و طرقه Tr 38.3
وكان هذا هو اسلوب التربية الذي قصد الله ان يقيمه بین العبرانیين . ولكن عند ما خرج بنو اسرائیل من مصر نم یکن یوجد بینهم غیر عدد قلیل ممن کانوا علی استعداد لان یکونوا عاملین معه فی تربیه اولادهم . کان الوالدون انفسهم بحاجة الى التعليم والتدريب . فاذ كانوا ضحايا حياة العبودية الطويلة كانوا جهلة وغير مدربين ومنحطين . ولم يكن عندهم غير النزر اليسير من المعرفة عن الله والايمان به. وقد شوشت افكار هم التعالیم الكاذبة کما قد افسدهم احتکا کهم بالوثنیة . وکان الله یرید ان يرفعهم الى مستوی اخلاقي اسمى ، ولأجل هذا قصد أن يعرفهم بنفسه Tr 39.1
ان الله في معاملاته مع اولئك المتجولين في البرية ، وفي كل رحلاتهم الى هنا وهناك ، وفي تعرضهم الجوع والعطش والاعیاء , وفي الخطر الذي أتاهم من أعدائهم الوثنيين ، وفي اظهار عنایته فی امر اسعافهم - کان یحاول ان یقوي ايمانهم بكونه اظهر لهم القوة التي كانت دائما تعمل لأجل خیرهم ، واذ علمهم ان یثقوا بمحبته و قدرته کان قصیده أن یضع امامهم فی وصایا شریعته مقیاس الخلق الذی کان يريدهم أن يبلغوه بنعمته . Tr 39.2
و قد کانت الدروس التی تعلمها. العبرانیون في اثناء رحلاتهم في سيناء ثمينة . كانت هذه فرصة تدريب خاص لميراث. كنعان .. وكانت البيئة المحيطة بهم حينئذ موافقة لتحقيق قصد الله . فعلى قمة جبل سيناء وفوق السهل الذي حل فيه الشعب ونصبوا خيامهم حل عمود السحاب الذي كان مرشدا لهم في رحلاتهم ، وعمود النار الذي انار لهم فی اللیل اکد لهم حراسة الله . و فیما کانوا غارقین فى النوم نزل خبز السماء وغطی الارض حول المحلة .ومن کل جانب تحدثت المرتفعات الصخرية الكالحة عن البقاء والجلال . وقد التزم الانسان أن يشعر بجهله وضعفه في حضرة ذاك الذي « وزن الجبال بالقبان والآكام بالميزان» (اشعیاء . ٤٠: ۱۲ ) . ان الله اذ اظهر مجده هانا حاول ان بقنع بنی اسرائیل نقداسة رصفاته و مطالیبه وهول اثم العصیان Tr 40.1
ولكن الشعب كانوا متباطئين في تعلم الدروس . فاذ کانوا معتادین کما فی مصر علی الصور المادية لتمثیل الله : وكانت هذه الصور من احط الانواع صار من الصعب عليهم ان يدركوا وجود او صفات الاله غیر المنظور ۰ فلشفقته علی ضعفهم اعطاهم الله رمزا لحضوره أذ قال : ” يصنعون لي مقدسا لأسكن فی و سطهم ” ( خروج ٢٥ : ٨ ) Tr 40.2
وفی اقامة القدس لیکون مسكنا الله اوصی موسی بأن یصانع کل شيء حسب مثال السماويات . وقد دعاه الله ليصعد اليه في الجبل وأعلن له الامور السماوية ، وكان بجب ان يصنع المسكن و کل ما یتعلق به علی مثالها Tr 40.3
وهكذا أعلن مثله الاعلى المجيد المخلق للعبرانيين الذین قصد ان یجعلهم مسکنه . و قد اظهر لهم المثال في الجبل عندما أعطيت الشريعة من السماء وعندما اجتاز الله أمام موسی ونادی قائلا : « الرب الرب اله رحیم ورؤوف بطيء الغضب و کثیر الاحسان والوفاء » ( خروج٣٤ : ٦ ) Tr 41.1
ولکنهم فی انفسهم کانوا عاجزین عن بلوغ هذا المثال . فالاعلان الذي رأوه في سيناء أمكنه أقناعهم فقط بحاجتهم وعجزهم . وهنالك درس آخر كان يجب أن يتعلموه من الخيمة عن طريق خدمة الذبيحة — وهو درس غفران الخطية والقوة بواسطة المخلص للطاعة للحياة Tr 41.2
فعن طریق المسیح کان سیتم الفرض الذي کان المسکن رمزا له - ذالك المسکن المجید ، جدرانه التی من ذهاب لامع متألق بعكس الوان قوس قزح ، وستائره المضفورة او المطرزۃ بالکاروہیم ، وعطر البخور الموقد دائما والمنتشر فی کل مکان ، والكھنة الذین یلبسون ثیابا من الکتدان الابیض النقي ، وفي السر العميق في قدس الاقداس وفوق غطاء التابوت بین تمثالی الملاکین المنحنین الساجدین ، مجد الاله القدوس. وفي كل شيء أراد الله ان يقرأ شعبه قديما قصده نحو النفس البشرية. وقد كان هو نفس القصد الذي أوضحه بولس الرسول بعد ذلك بقرون طويلة عندما تكلم مسوقا بالروح القدس فقال : Tr 41.3
«اما تعلمون انکم هیکل الله وروح الله یسکن فیکم . ان کان أحد یفسد هیکل الله فسیفسده الله لان هیکل ابنه مقدس الذي انتم هو » ( ۱ کورنثوس ۳ : ١٦ و ۱۷ ) Tr 42.1
لقد کان امتیازا و کرامة عظیمین ان یُمنح بنو اسرائيل اعداد المقدس ، كما كانت المسؤولية عظيمة كذلك . فذلك المسكن الفائق في البهاء الذي تطلبت اقامته أغلى المواد واسمى مهارة فنية كان يجب أن يقام في البرية بأيدي الشعب الذين نجوا من العبودية منذ عهد قريب . وكان يبدو أنه عمل هائل . ولكن ذاك الذي رسم خطة البناء تعهد بالتعاون مع البنانين « و کلم الرب موسی قائلا . انظر . قد دعوت بصلئیل بن أوري بن حور من سبط یهوذا باسمه. وملأته من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة . . . وها انا قد جعلت معه اهوليآب بن اخيساماك من سبط دان . وفي قلب کل حکیم القلب جعلت حكمة لیصنعوا کل ما امرتك » (خروج ٣١ : ١-٦) Tr 42.2
فيا لها من مدرسة صناعية تلك التي كانت في البرية التی کان معلموها المسیح وملائكته ! وفی اعداد المقدس واثاثه کان علی کل الشعب أن یتعاونوا. کان يوجد عمل لتشغیل الفکر والید ، وکان الامر یحتاج الى تشکیله کبیرة من المواد ، و قد طُلب من الجمیع أن یساهموا بقدر ما تسمح به قلوبهم Tr 42.3
وهكذا ففي العمل وفي العطاء تعلموا ان يتعاونوا مع الله ومع بعضهم البعض . کما کان علیهم ایضا أن یتعاونوا في أعداد البناء الروحي - هيکل الله فی النفس ومنذ بدء رحيلهم عن مصر قدمت دروس لاجل تعليمهم و تدریبهم . و حتی قبلما تركوا مصر قُدم لهم نظام وقتی فنُظم الشعب في جماعات تحت قادة معينين . وفي سيناء أجریت الترتيبات لإکمال التنظیم . أن النظام الذي اجری بكیفیة مدهشة فی کل اعمال الله کان ظاهرا ق النظام العبرانی . فقد کان الله فی مرکز السیادة والحکم . وکان علی موسی کنائب عن الله ان ينفذ القوانین باسمه . ثم جاء مجمع السبعين ، ثم الكهنة والرؤساء ، وتحت هؤلاء كان رؤساء الالوف ورؤساء المئات ورؤساء الخماسين ورؤساء العشرات ( العدد ۱۱ : ١٦ و ۱۷ و تثنیة١٥ : ١٥ ) . و أخیرا الموظفون المعينون للقيام بواجبات خاصة . وقد نظمت المحلة تنظيما مضبوطا ، فكانت الخيمة التي هي مسكن الله في الوسط وحولها خيام الكهنة واللاويين . وخارج هذه حل کل سبط بجوار رایته Tr 42.4
وقد نفذت تنظیمات صحیة جیدة و فرصت هذه على الشعب ليس فقط كضرورة تقتضيها الصحة بل کشرط لبقاء الله القدوس وسطهم . وقد أعلن موسی بسُلطان الله قائلا : «الرب الهك سائر في وسط محطتك لكي ينقذك . . . فلتكن محطتك مقدسة» ( تثنية ٢٣ : ١٤ ) Tr 43.1
أن تربیة العبرانیین شملت کل عادات حیاتهم . فکل ما کان له شأن بسعادتهم کان موضوع اهتمام الله وجاء ضمن دائرة اختصاص شريعة الله . و حتی فی تدبیر أمر طعامهم طلب الله أعظم خير لهم . فالمن الذي اطعمهم. اياه في البرية كان من النوع الذي يزيد من قوتهم البدنية والعقلية والادبیة . ومع أن کثیرین منهم تمردوا علی تحدید طعامهم وتاقوا العودة الى الأيام التي قالوا عنها « كنا جالسين عند قدور اللحم ناکل خبز للشبع » ( خروج ١٦ : ۳ ) ؛ فان الحکمة فی اختیار الله لهم تزکت بکیفیة لم یمکنهم أن يناقضوها . بالرغم عن حياتهم الشاقة في البرية لم يكن في كل أسباطهم عائر Tr 43.2
وفي كل رحلاتهم وتنقلاتهم كان بجب ان التابوت المحتوي علی شریعة الله یسیر فی طلیعتهم . و کان مکان نزولهم یدل عليه نزول عمود السحاب . وطالما كانت السحابة حالـُة علی الخیمة ظلوا هم فی المحلة . فمتی ارتفعت تابعوا سفرھم . وکلا النزول والرحیل تمیزا بدعاء مقدس . « وعند ارتحال التابوت کان موسی یقول قم یا رب فلتتبدد أعداؤك. . . . وعند حلوله كان يقول ارجع يا رب الى ربوات آلوف اسرائیل » ( عدد ١٠ : ٣٥ و ٣٦ ) Tr 44.1
وعندما سافر الشعب في البرية رسخت في أذهانهم دروس ثمينة كثيرة بواسطة الغناء . فعند نجاتهم من جيش فرعون أشترك كل جمهور العبرانيين في أغنية الانتصار . فعلى مسافة بعيدة في القفر والبحر سمع صوت ذلك القرار الفرح ورددت الجبال صدى تلك التسبيحة القائلة :« رنموا للرب فانه قد تعظم » ( خروج ١٥ : ۲۱ ) . و کثیرا ما رددوا هـذه التسبيحة وهم مسافرون لتبهج قلوبهم وليضرم الايمان في قلوب اولئك السائحين المسافرين . ان الوصایا کما اعطیت من سیناء والمواعيد برضی الله و تواریخ عجائبه وآياته لاجل خلاصهم عبر عنها بموجب امر الله في التسابيح ، وترنموا بها على صوت الآلات الموسيقية ، و کانوا سیرون سیرا عسکریا عندما کانوا یشترکون فى التسبیح Tr 44.2
وهکذا ارتفعت افکارهم فوق تجارب الطریق وصعوباته ، وهدأت الروح الضجرة المهتاجة وسكنت ، و تأصلت مبادیء الحق و العقول والافکار و تشدد الایمان . و قد علمهم اتحادهم في العمل النظام والوحدة ، وزاد الشعب اقترابا الى الله والی بعضهم البعض Tr 45.1
وقد اعلن موسی عن معامله الله لاسرائیل مدی سنی تجوالهم في البرية أربعين سنة قائلا : «كما يؤدب الانسان ابنه قد ادبك الرب الهك » «لكي يذلك ويجربك ليعرف ما في قلبك أتحفظ وصایاه أم لا» ( تثنیة ۸ : ۵ و ۲ ) . Tr 45.2
« وجده في أرض قفر وفي خلاء مستوحش خرب . احاط به ولاحظه و صانه کحدقة عینه . کما یحرك النسر عشه و علی فراخه يرف ویبسط جناحیه ويأخذها ویحملها علی مناكبه . هکذا الرب وحده اقتاده ولیسری معه أله اجنبي » ( تثنیة ٣٢ : ١٠-١٢ ) Tr 45.3
«لانه ذکر کلمة قدسه مع ابراهیم عبده . فاخراج شعبه بابتهاج ومختاريه بترنم . وأعطاهم أراضي الامم . وتعب الشعوب ورثوه . لكي يحفظوا فرائضــه ويطيعود شعرائعه » ( مزمور ١٠٥: ٤٢-٤٥ ) Tr 45.4
وقد احاط الله العبرانيين بكل الامور السهّلة المساعدة ، و اعطاهم کل امتیاز بیمکن ان یجعلهم مجدا وفخرا لاسمه وبركة للامم المحيطة بهم . فاذا ساروا في طرق الطاعة فقد وعد أن یجعلهم مستعين « علی جمیع القبائل التي عملها في الثناء والاسم والبهاء ». ثم قال : « فيرى جميع شعوب الارض أن أسم الرب قد سُمي عليك ويخافون منك» . والامم الذين سيسمعون كل هذه الفرائض يقولون : « هذا الشعب العظيم أنما هو شعب حكیم و فطن » ( تثنیة ٢٦ : ۱۹ ؛ ۲۸ ؛ ١٠؛ ٤ ؛ ٦) Tr 46.1
وفي الشرائع المسلمة الى العبرانيين أعطيت لهـم وصية صريحة خاصة بالتربية . لقد أعلن الله نفسه لموسى و سیناء علی انه « اله رحیم ورؤوف بطیء الغضب و کثیر الاحسان والوفاء » ( خروج 3٤ : ٦ ) . فهذه المبادىء المتضمنة في شريعته كان يجب على الآباء والامهات في اسرائیل ان یعلموها لأولادهم . فبموجب توجیه من الله اعلن موسى قائلا لهم : «لتكن هذه الكلمات التي انا اوصيك بها الیوم علی قلبك . و قصها علی اولادك و تکلم بها حین تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين تقوم» ( تثنیة ٦ : ٦و ۷ ) Tr 46.2
ولم تكن هذه الامور لتعَّلم كنظرية جافة . فالذين کانوا سیعلمون غیرهم الحق کان علیهم ان یمارسوا مبادئه عملیا . فما کان قی مقدورهم أن يقنعوا الآخرین الا بكونهم يعکسون صفات الله علی استقامة حیاتهم ونبلها و أیثارها أن التربية الصحیحة لیست هی ارغام العقل غیر المستعد و غیر الواعی علی قبول التعلیم . یجب یقاظ قوی العقل واثارة الاهتمام . وقد أعد أسلوب الله للتعليم العدة لأجل هذا . فذاك الذي خلق العقل وسن شرائعه اعد العدة لأجل نموه ونضجه طبقا لها . ففي البيت وفي المقدس ، في وسط مناظر الطبيعة والفن ، في العمل وفي الولائم والافراح ، وفي البناء المقدس والحجر التذكاري ، وبواسطة الرسائل والطقوس والرموز التي لا حصر لها ، أعطی الله للعبرانيين دروسا لشرح مبادئه و حفظ ذکری عجائبه . وحينئذ فحينما كان يقدم السؤال كان التعليم يقنع العقل والقلب Tr 46.3
وفي الترتيبات التي أعدت لتربية الشعب المختار ظهر أن الحياة المركزة في الله هي حياة الكمال . فكل حاجة غرسها تكفل بأن یسدها ، و کل مقدرة منحها یعمل علی تنميتها Tr 47.1
أن مبدع كل جمال ، الذي هو نفسه يحب كل ما هو جميل ، الله نفسه دبر ان يشبع في نفوس اولاده حب لجمال ، وقد أعد العدة أيضا لسد حاجاتهم الاجتماعية لأجل العشراء المشفقين مقدمي المعونة الذين يعملون كثيرا ليغرسوا العطف وليبهجوا الحياة ويجعلوها مشرقة وحلوة وکوسیلة من وسائل التربیة شغل مکان هام بواسطة اعياد العبرانيين ومواسمهم . في الحياة العادية كانت العائلة بمثابة مدرسة وكنيسة ، وكان الوالدون هم المعلمين في الشؤون الزمنية والدينية . ولكن عينت مواسم ثلاث. مرات في السنة لاجتماع الشعب معا وللعبادة . وقد عقدت هذه الاجتماعات في شيلوه أولا ، وبعد ذلك في أورشليم . وكان يطلب من الآباء والبنين وحدهم حضور هذه الاحتفالات , ولكن ولا وأحد تفاضي عن الاعياد هذه ، وبقدر الامكان ذهب كل افراد العائلة الى هذه الاعياد , وكان معهم الغريب واللاوي والفقير كشركاء لهم في عطايا سخائهم Tr 47.2
کان السفر الی أورشلیم بملابس الناس البسیطة قديما ,في وسط جمال فصل الربيع أو غنى وبهجة فصل الصيف أو مجد نضوج ثمار الخريف متعة وأي متعة .لقد جاءوا یحملون ذبائح الشكر من الرجل لأشیب الی الطفل الصغیر لیتقابلوا مع الله فی مسکن قدسه . و فیما کانوا يسافرون کانت اختبارات الماضي ، القصص التي لا یزال الكبار و الصفار يحبونها جدا تسرد علی مسامع الاطفال العبرانيين . والترنيمات التي قدد ابهجت قلوب الشعب فی البریة کانوا یترنمون بها ۰ و قد تفتوا بوصایا الله , واذ كانت مرتبطة بمؤثرات الطبيعة المباركة والصحاب المشفقين من الناس ظلت كل هذه القصص والتسابيح راسخة في أذهان كثيرين من الاطفال والشباب Tr 48.1
ان الطقوس التي شوهدت فى أورشليم مرتبطة بخدمة الفصح — الاجتماع في نصف الليل ، الرجال بأحقائهم المشدودة واحذيتهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم وهم يتناولون عشاءهم بعجلة ، الخروف ، الفطير ، والاعشاب المرة ، وفي صمت مقدس يصغون الى تلاوة قصة الدم المرشوش ، والملاك المهلك ، والخروج العظيم من أرض العبودیة - کل هذه کانت قویة بحیث أثارت الافكار وأثرت علی القلوب Tr 48.2
ثم عید المظال او عید الحصاد بتقدماته من البستان والحقل : وسكناهم في مظال من اغصان الاشجار لمدة اسبوع ، واجتماعاتهم مرة أخرى ، والخدمة التذكارية المقدسة ، وعطايا سخائهم لخدام الله ، اللاويين في المقدس ولأولاده الغرباء والفقراء ، كل هذه جعلت الافكار والعقول تسبح بحمد الرب الذي كل السنة بجوده و آثاره تقطر دسما Tr 49.1
وقد کرس الاتقیاء فی الشعب شهرا کاملا من کل سنه لهذه الحفلات بهذه الکیفیه . كان وقتا خالیا من الهم والتعب و قد۔ “کرس بجملته تقریبا بکل معنی الکلمة لاغراض التربية Tr 49.2
وفی تقسیم میراث شعبه کان قصد الله ان یعلمهم . وان يعلم الاجيال التي تأتي بعدهم عن طريقهم ، المبادئ السليمة الخاصة بملكية الارض . كانت أرض كنعان مقسسمة بین کل الشعب باستثناء اللاویین الذین کانوا خدام القدس . فمع ان الانسان کان یمکنه ان يبیع ملکه الی حین فلم يکن یمكنه أن یبیع میراث اولاده . فکانت له الحریة فی ان يفتديه عندما يستطيع ذلك ، وكانت الديون تُلفى في السنة السابعة . وفي السنة الخمسين او سنة اليوبيل كانت الارض المبيعة تعاد الى مالكها الاصلي . وهكذا كانت كل عائلة آمنة في ملكها . وكانت توجد حراسة كفيلة بالحيلولة دون الغنی الفاحش والفقر المدقع Tr 49.3
واذ وزع الله الارض بين شعبه فقد اعد لهم ، كما قد أعد لساكني جنة عدن الاعمال الاكثر مناسبة للنمو والنضوج ــ أي رعاية النباتات والبهائم . وهنالك احتياط. آخر للتربية وهو أن تتوقف كل أعمال الزراعة كل سنة سابعة ، واذ تترك الارض بلا زراعة فان الحاصلات التي تنتجها من تلقاء ذاتها تترك للفقراء . Tr 50.1
وهكذا کانت تعطی فرصة لمزيد من الدرس المستطيل واجتماع الشعب والعبادة وتوزيع الصدقات ، لامور التي كثيرا ما تعطلها هموم الحياة واشغالها Tr 50.2
لو أن مبادىء شرائع الله الخاصة بتوزيع الاملاك تنفذ في العالم اليوم فكم كانت حالة الناس تختلف عما نراه الآن ! أن حفظ و مراعاة هذه المبادیء کفیل بان یمنع المساوىء الرهيبة التي نجمت في كل العصور عن ظلم الاغنياء للفقراء وكراهة الفقراء للاغنياء . ففي حين أن ذلك يمنع ويعطل تكويم الثروة العظيمة فأنه كفيل أيضا بأن يمنع تفشي الجهل والانحطاط بين ربوات من الناس الذین یعاملون کالعبید بمنتهی الاجحاف والظلم اذ تعطی لهم أجور بخسة لكي يكدس الاغنياء الثروات الطائلة . وقد يساعد ايضا في ايجاد حل سلمي للمشاكل التي تهدد العالم بالفوضى وسفك الدماء Tr 50.3
أن تكریس العشر الله من کل محاصیلنا سواء تمار البستان وحصاد الحقل ومواشي البقر والفئم ، أو العمل العقلي أو اليدوي ، وتكريس عشر آخر لأجل أسعاف الفقراء وغير ذلك من أعمال الاحسان الاخرى ، هذا جعل الشعب يذكرون دائما ان الله هو مالك الكل ، ويذكرون ایضا انهم یجب ان یکونوا قنوات تجاری فیها بركاته. و قد كان ذلك تدريبا موافقا للقضاء على كل أثرة وانطواء ولإنماء الخلق اثر حب النبیل Tr 50.4
ان معرفة الله والشركة معه في الدرس والعمل ، والتشبه به فی الخلق ، کان یجب ان تكون هی المصدر والوسيلة والهدف في تربية العبرانيين - التربية التي سلمها الله للوالدين ، وسلمها الوالدون لأولادهم Tr 51.1