التربيـــة
السُّـــّلوك
ان حق اللطف من التقدیر مبخوس جدا . و کثيرون ممن تنطوي قلوبهم على الرحمة يعوزهم اللطف في السلوك . كما ان کثیرین مهم يدعونا اخلاصهم واستقامتهم الى أكرامهم ينقصهم اللطف . هذا النقص يشوه سعادتهم ويحط من قيمة خدمتهم للآخرين . أن كثيرا من أحلى وانفع اختبارات الحياة يضحي بها غير اللطفاء لانه يعوزهم التفكير Tr 283.1
ينبغي لوالدين والمعلمين بوجه خاص ان يغرسوا الفرح و اللطف وینموهما . یمکن للجمیع ان یکونوا بشوشین يرتسم الفرح علی وجوههم وان یکون صوتهم لطیفا وعاداتهم عادات الانس والمجاملة ، فهذه هي عناصر القوة . ان الاطفال يجتذبهم السلوك الفرح المشرق . فأظهروا لهم الرفق واللطف فيظهروا هم نفس الروح نحوكم ونحو بعضهم البعض Tr 283.2
أن الانسان لا يتعلم اللطف بمجرد كونه يمارس قوانين آداب السلوك . ان لياقة السلوك يجب مراعاتها في كل الاوقات ، فاينما لا يتعرض المبدأ لخطر المساومة فان احترام الآخرين يقود للامتثال للعادات المقبولة . ولكن اللطف الحقيقي لا يتطلب التضحية بالمبدإ على مذبح التقاليد . انه يتجاهل نظام الطبقات . وهو يعلـم عــزة النفس والاحترام لكرامة الرجل كرجل واحترام كل فرد من افراد الاخوة البشرية Tr 283.3
هنالك خطر من تقییم الصورة والمظهر اللائق تقییما عاليا جدا واعطاء وقت أطول مما يلزم للتهذيب في هذه النواحي . ان حياة الجهد الغيور الجريء المطلوبة من کل شاب والعمل الشاق الذي كثیرا ما یکون غیر متجانس المطلوب حتى لاجل اتمام واجبات الحياة العادية ، واكثر کثیرا لاجل تخفیف اعباء الجهل والشقاء عن کاهل العالم - هذه لا تعطي الا وقتا قصيرا جدا للتمسك بالتقاليد Tr 284.1
ان کثیرین ممن یشددون کثيرا علی آداب السلوك لا يبدون الا قليلا من الاحترام لأي شيء مهما يكن متفوقا اذا لم يكن متفقا مع مقياسهم المصطنع . هذه تربية كاذبة فهي تحتضن الکبریاء الانتقادية والانطواء المتضيق Tr 284.2
ان جوهر الكياسة الحقة هو احترام الآخرين . فالتربية الضرورية الباقية هي تلك التي تنتمي العواطف وتشجيع علی العطف نحو الجمیع فتلك التربية المزعومة التي لا تجعل الشاب يحترم والديه ويقدر براعتهما وافضالهما ، ومحتملا وصبورا نحو نقائصهما ومقدما لهما العون لسد اعوازهما ، والتی لا تجعله منصفا ورقیقا وکریما ومعینا للشباب والعجزة والعاثري الحظ ولطيفا مع الجميع ، هی فشل ذریع Tr 284.3
ان التهذیب الحقیقی فی الافکار في العادات یمکن تعلمه افضل تعلم في مدرسة المعلم الالهي مما يمكن بواسطة حفظ قوانين معينة . فاذ تشمل محبته القلب فهي تمنح الخلق تلك اللمسات المهذبة التي تشكله على هيئة خلق السيد - هذه التربية تمنح عظمة هي ابنة السماء واحساسا باللياقة . وهي تمنح المزاج عذوبة والعادات رقة ولطفا لا يمكن ان يعادلها الصقل او الطلاء السطحي للمجتمع العصري الانيق Tr 285.1
ان الكتاب المقدس يعرض علينا اللطف ويقدم امثلة كثيرة لروح الايثار والجمال الرقيق والطبع الجذاب الذي یمیز الكیاسة الحقة . هذه ان هي الا انعكاسات لخلق المسیح . فکل ما فی العالم من رقه و لطف حقیقیین حتی بین من لا یعترفون باسمه هو منه ، و هو یشتاق الى ان یری هذه الصفات منعكسة انعكاسا كاملا فی اولاده . و قصده هو ان يشاهد الناس جماله فینا Tr 285.2
ان اثمن رسالة عن آداب السلوك سطرتها ید انسان هي ذلك الارشاد النفيس الذي اعطاه المخلص بواسطة كلام الروح القدس عن طريق بولس الرسول , ذلك الكلام الذي يجب أن يسطر باحرف لا تمحى من عقل كل انسان صغير او كبير Tr 285.3
«کما احببتكم انا تحبون انتم أيضا بعضكم بعضا » ( يوحنا ۱۳ : 34 ) Tr 286.1
” المحبة تتأنى وترفق . المحبة لا تحسد . المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء ولا تفرح بالأثم بل تفرح بالحق وتحتمل كل شیء. . . المحبة لا تسقط ابدا ” ( کورنثوس 13 : 4- 8 ) Tr 286.2
وهناك فضیلة اخری یجب أن نربیها فی نفوسنا وهی الوقار . ان الوقار الحقيقي الله هو الذي يلهمنا اياه الشعور بعظمته اللامتناهية وبحضوره ، هذا الاحساس بالغير المنظور يجب أن ينطبع على قلب كل طفل انطباعا عميقا ، فينبغي للطفل أن يحترم ساعة ومكان الصلاة والخدمات الجهارية للعبادة ، يجب عليه ان يتعلم اعتبارها مقدسة لان الله هنالك . فاذ يظهر الوقار في الهيئة والسلوك فالشعور الذي يلهمه يتعمق Tr 286.3
ويحسن بالصغار والكبار أن يدرسوا ويتأملوا ويرددوا كثیرا کلمات الكتاب المقدس التی ترینا کیف ان المكان الذی يتميز بحضور الله الخاص يجب احترامه Tr 286.4
فقد أمر الله موسى وهو يقترب من العليقة التي كانت تتوقد بالنار قائلا له : ” اخلع حذاءك من رجليك . لان الموضع الذي انت واقف عليه أرض مقدسة ” ( خروج 3 : 5 ) Tr 286.5
وبعدما شاهد يعقوب رؤيا الملائكة صاح قائلا : ” حقا ان الرب في هذا المكان وانا لم اعلم . . . ما هذا الا بیت الله وهذا باب السماء ” ( تكوین ۲۸ : 16 و ۱۷ ) Tr 286.6
” أما الرب ففی هیکل قدسه . فاسكتی قدامه یا کل الارض ” (حقوق ۲: 20 ) ” لان الرب اله عظیم ملك کبیر علی کل الالهة . . . هلم نسجد ونرتع ونجئو أمام الرب خالقنا ” - « هو صنعنا وله نحن شعبه وغنــم مرعاه . ادخلوا ابوابه بحمد دیاره بالتسبیح . احمدوه باركوا اسمه » ( مزمور 95 : ۳ - 6 : 100 : ۳ و 4 ) Tr 287.1
ثم يجب أن نظهر الوقار لاسم الله ايضا . فينبغي الا یذکر ذلك الاسم باستخفاف او بدون تفکر . فحتی فی الصلاة فان کثرة تكراره الذي ليس هناك ما يدعو الیه ینبغی تجنبه . « قدوس ومهوب أسمه » (مزمور ۱۱۱ : ٩ ) . ان الملائكة اذ ينطقون بهذا الاسم يغطون وجوههم . فبأى وقار يجب علينا نحن الساقطين الخطاة أن نتخذه علی شفاهنا ! Tr 287.2
علينا ان نوقر كلمة الله . علينا أن نحترم كلمة الله الکتوبة فلا نستعملها استعمالا عادیا ولا نمسكها بدون حرص او عدم اكتراث . ويجب أن لا تقتبس منها في مزاحنا ولا أن نشرحها شرحا به نشير الى مثل فیه تنكیت او مزاح . « كل كلمة من الله نقية ” ” كفضة مصفاة في بوطة في الارض ممحوصة سبع مرات ” ( أمثال 30 : 5 ؛ مزمور ۱۲ : 6 ) Tr 287.3
وفوق الكل يجب تعليم الاطفال أن الوقار الحقيقي تبرهن عليه الطاعة . أن الله لم يأمر بشيء غير لازم ، ولا توجد طريقة اخرى لأظهار الوقار المرضي لديه كالطاعة لما قد تکلم به Tr 287.4
كما يجب اظهار الوقار للذين يمثلون الله كالرعاة والمعلمين والوالدين المدعوين ليتكلوا ويعملوا بدلا منه . فهو یكرم عندما يُقّدم لهم الاکرام Tr 288.1
ثم ان الله قد اوصى وصية خاصة بان نقدم الاحترام الرقيق الطاعنين في السن . فهو يقول : ” تاج جمال شیبه توجد في طریق البر ” ( أمثال 16 : ۳۱ ) . فتلك الشبيبة تتحدث عن المعارك التي خاضوها والنصرات التي احرزوها والاثقال التي حملوها والتجارب التي قاوموها . وهي تتحدث عن الاقدام المتعبة التي تقترب من راحتها والاماکن التی ست صبح خاویة بعد قلیل . فساعدوا الاطفال علی أن یفکروا فی هذا وحینئذ سیمهدون الطریق امام الطاعنین فی السن بلطّفهم واحترامهم و سیدخلون الى حياتهم الفتية النعمة والجمال عندما ينتبهون الى الامر القائل : « من أمام الاشیب تقوم وتحترم وجه الشیخ » ( لاویین ۱۹ : ۳۲ ) Tr 288.2
وعلى الآباء والامهات والمعلمين ان يقدروا تقديرا اكمل المسؤولية والكرامة اللتين قد وضعهما الله عليهم اذ جعلهم في نظر الطفل ممثلين لشخصه . ان الخلق الذي يظهر في احتكاك الحياة اليومية سيفسر للطفل ، إن للخير او للشر كلام الله القائل : Tr 288.3
” كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفیه ” ( مزمور 103 : ۱۲ ) ، « کانسان تعزیه أمه هكذا أعزیكم أنا» ( أشعیاء 66 : ۱۳) Tr 289.1
سعيد هو الطفل الذي توقظ هذه الاقوال في نفسه أحاسيس الحب والشكر والثقة، والطفل الذي تفسر له رقة أبيه وأمه وعدلهما وطول أناتهما محبة الله وعدله وطول أناته ، الطفل الذي بواسطة الثقة والخضوع والوقار لحاقظيه الارضيين يتعلم ان يثق بإلهه ويطيعه ويوقره . فالذي يمنح الطفل او التلميذ مثل هذه الهبة يكون قد منحه كنزا اثمن من ثروة کل الدهور - کنزا یبقی مدی ایام الابد Tr 289.2