الأنبياء والملوك

8/70

الفصل الخامس— توبة سليمان

لقد ظهر الرب لسليمان مرتين في خلال سني ملكه كما أسمعه كلام المديح والنصح — أولاً في رؤيا الليل في جبعون عندما كان الوعد بالحكمة والغنى والكرامة مصحوباً بالإنذار ليظلّ متواضعاً ومطيعاً، وثانياً بعد تدشين الهيكل عندما أوصاه الرب مرة أخرى أن يكون أميناً. كانت الإنذارات واضحة والمواعيد عجيبة ومدهشة. مع هذا فإن ذاك الذي بدا أنه مؤهل لكي يتنبه إلى الوصيّة ويحقّق كل توقّعات السماء في ظروفه وصفاته وحياته كُتبَ عنه هذا القول: ”لم يحفظ ما أوصى به الرب“. ”قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءى له مرتين وأوصاه في هذا الأمر أن لا يتبع آلهة أخرى“ (1 ملوك 9:11، 10). كان ارتداده كاملاً وتقسّى قلبه جداُ في العصيان بحيث بدا كأن حالته تكاد تكون ميئوساً منها. AM 62.1

انحرف سليمان عن الشركة المُفرحة مع الله ليبحث عن الشبع الزائف في المسرّات الحسيّة. وقد كتب عن هذا الإختبار يقول: ”عظّمت عملي. بنيت لنفسي بيوتاً غرست لنفسي كروماً. عملت لنفسي جنات وفراديس .. قنيت عبيداً وجواري .. جمعت لنفسي أيضاً فضّة وذهباً وخصوصيات الملوك والبلدان. اتّخذت لنفسي مغنين ومغنيات وتنعمات بني البشر سيدة وسيدات. فعظمت وازددت أكثر من جميع الذين كانوا قبلي في أورشليم ..“ AM 62.2

”ومهما اشتهته عيناي لم أمسك عنهما. لم أمنع قلبي من كل فرح لأن قلبي فرح بكل تعبي .. ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبت في عمله فإذا الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس“. AM 63.1

ثم التفت لأنظر الحكمة والحماقة والجهل. فما الإنسان الذي يأتي وراء؟ الذي قد نصبوه منذ زمان .. فكرهت الحياة .. كرهت كلّ تعبي الذي تعبت فيه تحت الشمس“ (جامعة 4:2 — 18). AM 63.2

تعلم سليمان من واقع اختباره المرير زيف الحياة التي تطلب في الأرضيات خيرها الأعظم والأسمى. فأقام مذابح للألهة الوثنية، إنما لكي يعلم خذلان وعودها بالراحة للنفس. وقد تضايقت روحه ليلاً نهاراً من الأفكار الكئيبة المزعجة. ما عاد يجد بهجة في الحياة ولا سلاماً لعقله، أما المستقبل فقد اكتنفته ظلمة اليأس. AM 63.3

مع ذلك فالرب لم يتركه. فبواسطة رسائل التوبيخ والأحكام القاسية أراد الله أن يوقظ الملك ليتأكد من شر الطريق الذي سار فيه. فقد أبعد عنه رعايته الحافظة وسمح للخصوم أن يزعجوا المملكة ويُضعفوها: ”وأقام الرب خصماً لسليمان هدد الأدومي .. وأقام الله له خصماً آخر رزون .. رئيس غزاة“ — الذي ”كره إسرائيل وملك على أرام. ويربعام .. عبد لسليمان“ ”جبار بأس“ ”رفع يده على الملك“ (1 ملوك 14:11 — 28). AM 63.4

أخيراً أبلغ الرب سليمان على لسان أحد الأنبياء الرسالة المفزعة القائلة: ”من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاً وأعطيها لعبدك. إلا أني لا أفعل ذلك في أيامك من أجل داود أبيك بل من يد ابنك أمزقها“ (1 ملوك 11:11، 12). AM 63.5

فإذ صحا سليمان كما من حلم لدى سماع قضاء الله الذي حكم به عليه وعلى بيته، استيقظ ضميره وابتدأ يرى حماقته في نورها الحقيقي. فإذ كان معذّب النفس وقد أصاب عقله وجسمه الوهن والضعف، فقد انصرف مُتعباً وظامئاَ عن آبار الأرض المشققة ليشرب مرة أخرى من نبع ماء الحياة. وقد أنجز الألم أخيراً مهمّته في حياة سليمان يتقويم اعوجاجه بعد أن طال أمد انزعاجه إذ كان يخاف من الهلاك التام بسبب عجزه عن الرجوع عن حماقاته. أما الآن فهو يرى في الرسالة المقدمة إليه قبساَ من نور الرجاء. فالله لم يستأصله نهائياً بل وقف مستعداً لإنقاذه من عبودية أقسى من الهاوية، تلك التي لم تكن لديه قوة للتحرر منها. AM 64.1

اعترف سليمان شاكراً قوة ورأفة ذاك الذي هو ”الأعلى“ (جامعة 8:5)، وبدأ في توبة وانسحاق يتتبّع الخطوات صوب ذاك المستوى السامي من النقاوة والقداسة الذي سقط منه ذلك السقوط الشائن. فهو لم يكن يتوقّع قط أن ينجو من نتائج الخطيئة المدمّرة. ولم يستطع التخلّص من ذكرى طريق الانغماس في الملذّات الذي سلكه، لكنّه سعى باجتهاد في رد الآخرين عن اتباع طريق الحماقة. أراد أن يعترف باتّضاع بأنه كان سائراً في طريق الضلال، وأن يرفع صوته محذراً لئلا يهلك غيره هلاكاً لا يجبر بسبب القدوة الشريرة التي وضعتها أمام الناس وتصرّفاته الشائنة. AM 64.2

التائب الحقيقي لا يحاول تناسي خطاياه السالفة أو يكون عديم الإكتراث تجاه معاصيه التي ارتكبها حالما يحصل على السلام. لكنّه يفكر في الذين انساقوا في طريق الشر بسبب سوء مسلكه ويحاول أن يردّهم إلى طريق الحق بكل وسيلة ممكنة. وكلّما زاد بهاء النور الذي حصل عليه زاد شوقه لإقناع الآخرين بالسير في طريق الحق والصواب. أنه لا يحاول تمويه طريق الضلال الذي سلكه للتقليل من شأن خطئه، لكنه يرفع شارة الخطر لتحذير الآخرين. AM 64.3

وقد اعترف سليمان بأن: ”قلب بني البشر ملآن من الشر والحماقة“ (جامعة 3:9), ثم أعلن قائلاً: ”لأن القضاء على العمل الرديء لا يجري سريعاً، فلذلك قد امتلأ قلب بني البشر فيهم لفعل الشر. الخاطئ وأن عمل شراً مئة مرة وطالت أيامه إلا أني أعلم أنه يكون خير المتقين لله الذين يخافون قدامه. ولا يكون خير للشرير وكالظل لا يطيل أيامه لأنه لا يخشى قدام الله“ (جامعة 11:8 — 13). AM 65.1

وسجل الملك تاريخ سنّيه التي ذهبت هدراً بروح الإلهام لتكون عبرة للأجيال القادمة، بما فيها من دروس وعبر. ومع أن شعبه حصد البذار الذي زرعها سليمان شراً ومراراً إلا أن عمل حياته لم يُضع كلياً. فقد علّم الشعب في أواخر سنّيه، بكل وداعة ومسكنة: ”علماً ووزن وبحث وأتقن أمثالاً كثيرة“ ”وطلب أن يجد كلمات مسرّة مكتوبة بالاستقامة كلمات حق“. وقال ”كلام الحكماء كالمناسيس وكأوتاد منغرزة أرباب الجماعات قد أعطيت من راع واحد. وبقى فمن هذا يا إبني تحذر“ (جامعة 9:12 — 12). AM 65.2

وكتب يقول: ”فلنسمع ختام الأمر كله. اتّق الله واحفظ وصاياه لأن هذا هو الإنسان كله (واجب الإنسان كله). لأن الله يُحضر كل عمل إلى الدينونة على كل خفي إن كان خيراً أو شراً“ (جامعة 13:12، 14). AM 65.3

تكشف كتابات سليمان التي سطّرها فيما بعد عن حقيقة كونه عندما تحقق من شر مسلكه اهتم اهتماماً خاصاً بإنذار الشباب من السقوط في الأخطاء التي ساقته إلى تبديد أثمن هبات السماء في الأباطيل. فاعترف بحزن وخزي أنه ارتدّ عن نور السماء وحكمة الله في بكور رجولته حين كان يجب عليه أن يجد في الله عزاءه وعونه وحياته، واستعاض عن عبادة الرب بعبادة الأوثان. والآن فبعدما تعلّم عن طريق الاختبار المرير حماقة مثل تلك التصرفات أصبح يتحرّق شوقاً لإنقاذ الآخرين من الاجتياز في الاختبار المر الذي مر هو فيه. AM 65.4

فبتأثر عميق كتب عن الامتيازات والتبعات الموضوعة أمام الشباب في خدمة الرب يقول: ”النور حلو وخير للعينين أن تنظر الشمس. لأنه إن عاش الإنسان سنين كثيرة فليفرح فيها كلها وليتذكر أيام الظلمة لأنها تكون كثيرة، كل ما يأتي باطل. إفرح أيها الشاب في حداثتك وليسرك قلبك في أيام شبابك واسلك في طرق قلبك وبمرأى عينيك واعلم أنه على هذه الأمور كلها يأتي بك الله إلى الدينونة. فانزع الغم عن قلبك وأبعد الشر عن لحمك لأن الحداثة والشباب باطلان“ (جامعة 7:11 — 10). AM 66.1

فاذكر خالقك في أيام شبابك قبل أن يأتي أيام الشر أو تجيء السنون إذ تقول ليس لي فيها سرور. قبلما تُظلم الشمس والنور والقمر والنجوم وترجع السحب بعد المطر. في يوم يتزعزع فيه حفظه البيت وتتلوى رجال القوة. تبطل الطواحن لأنها قلت وتظلم النواظر من الشبابيك وتغلق الأبواب في السوق حين ينخفض صوت المطحنة ويقوم لصوت العصفور وتحط كل بنات الغناء. وأيضاً يخافون من العالي وفي الطريق أهوال. واللوز يزهر والجندب يستثقل والشهوة تبطل لأن الإنسان ذاهب إلى بيته الأبدي والنادبون يطوفون في السوق. قبل ما ينفصم حبل الفضّة أو ينسحق كوز الذهب أو تنكسر الجرة على العين أو تنقصف البكرة عند البئر. فيرجع التراب إلى الأرض كما كان وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها“ (جامعة 1:12 — 7). AM 66.2

حياة سليمان مليئة بالإنذارات، ليس للشباب وحدهم بل أيضاُ للمتقدمين في السن الذين بدأوا ينحدرون من فوق قمة الحياة ويواجهون الشمس في غروبها. إننا نرى ونسمع عن التقلقل وعدم الثبات لدى الشباب — فالأحداث يتأرجحون بين الصواب والخطأ وهم يدركون أن تيار الشهوات الشريرة أقوى من أن يستطيعوا صدّه. أما الذين اكتمل نموّهم فإننا لا ننتظر أن نرى فيهم مثل هذا الموقف من عدم الثبات والأمانة، بل نتوقع أن تكون أخلاقهم ثابتة راسخة ومبادئهم قويمة. ولكن هذا لا يصدق دائماً. ففي حين كان يجب أن يكون خلق سليمان متيناُ كشجرة البلّوط فقد سقط من ثباته تحت ضغط التجربة. وحين كان يجب أن تكون قوته في عنفوانه كان في أشد حالات الضعف. AM 67.1

علينا أن نتعلم من هذه الأمثلة أن سلامة الشباب والكبار يضمنها السهر والصلاة. فالسلامة والاطمئنان لا ينحصران في المراكز السامية والامتيازات العظيمة. قد يظلّ أي إنسان مستمتعاً باختبار مسيحي حقيقي سنوات طويلة ومع ذلك فقد يظلّ معرضاً لهجمات الشيطان. لقد انهزم حتى سليمان الحكيم القوي نفسه في حربه ضد الخطيئة من الداخل والتجربة من الخارج. ونحن نتعلم من فشله أنه مهما تكون قوى الإنسان الذهنية ومهما تكن عظمة الأمانة التي خدم الله بها فيما مضى، فإنه لا يمكنه أن يأمن على سلامته استناداً على حكمته واستقامته. AM 67.2

نجد في كل عصر وقطر أن الأساس والنموذج لبناء الخلق هما ذاتهما لم يتغيّرا. إن القانون الإلهي القائل: ”تُحب الرب إلهك من كل قلبك .. وقريبك مثل نفسك“ (لوقا 27:10) هو المبدأ العظيم الذي ظهر جليّاً في صفات مخلّصنا وحياته، وهو الأساس الوحيد الوطيد والمرشد الأمين ”فيكون أمان أوقاتك وفرة خلاص وحكمة معرفة. مخافة الرب هي كنزه“)إشعياء 6:33) إنها الحكمة والمعرفة اللتين لا يمكن نيلهما من غير كلمة الله. AM 67.3

إنه حق الآن كما كان حقاً عندما تكلم موسى بهذه الأقوال في مسامع الشعب عن الطاعة لوصايا الرب: ”لأن ذلك حكمتكم وفطنتكم أمام أعين الشعوب“ (تثنية 6:4). هذا هو الواقي الوحيد للاستقامة الشخصية ولنقاوة البيت وخير المجتمع واستقرار الأمة. ففي وسط كل الأمور المربكة في الحياة وفي وسط المخاطر والمطالب المتضاربة، فالقانون الوحيد الأكيد الأمين هو أن نفعل ما يقوله الله: ”وصايا الرب مستقيمة“ و ”الذي يصنع هذا لا يتزعزع إلى الدهر“ (مزمور 8:19، 5:15). AM 68.1

الذين يلتفتون إلى إنذار سليمان بخصوص إرتداده لا بد أنهم سيرفضون أول بوادر الخطايا التي غلبته ويهربون منها. إن الطاعة لمطالب السماء هي وحدها التي تحفظ الناس من الارتداد. لقد منح الله الإنسان نوراً عظيماً وبركات عديدة ولكن ما لم يسترشد الإنسان بهذا النور ويعي هذه البركات فإنها لن تكون درعاً يقيه من شر العصيان والارتداد. فعندما يرتدّ أولئك الذين ارتفعوا إلى مراكز ذات مسؤولية، عن الله إلى الحكمة البشرية فنورهم يُمسي ظلاماً. والإمكانات الموضوعة بين أيديهم تصير شركاً لهم وسيظل يوجد حتى انتهاء الصراع من يرتدّون عن الله. والشيطان سيهيء الظروف لإضعاف استحكامات النفس دون أن نشعر ما لم تحفظنا قدرة الله. نحتاج في كل خطوة نخطوها أن نسأل أنفسنا قائلين: ”هل هذه هي طريق الرب؟“ فطالما نحن باقون على قيد الحياة سنكون بحاجة إلى حراسة ميولنا وعواطفنا وشهواتنا بعزيمة قوية. إننا لا نؤمّن على نفوسنا لحظة واحدة إلا على قدر ما نعتمد على الله وعلى قدر ما تكون حياتنا مستترة مع المسيح. إن السهر والصلاة هما الحارسان للنقاوة. AM 68.2

كل من يدخلون مدينة الله لا بد أن يدخلوا من الباب الضيق بصراع ومجهود مضني ومؤلم: ”ولن يدخلها شيء دنس“ (رؤيا 27:21). ولكن لا حاجة للذين سقطوا أن يستسلموا لليأس. فالرجال المتقدمون في السن الذين قد أكرمهم الله قبلئذ، ربما يكونون قد نجسوا نفوسهم مضحّين بالفضيلة على مذبح الشهوات، ولكن إذا تابوا وتركوا خطاياهم ورجعوا إلى الله فلهم رداء بعد. فذاك الذي يعلن قائلاً: ”كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة“ (رؤيا 10:2) يقدم أيضاً الدعوة التالية: ”ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران“ (إشعياء 7:55). AM 69.1

إن الله يبغض الخطيئة ولكنه يحب الخاطىء. وهو يعلن قائلاً: ”أشفي ارتدادهم. أحبهم فضلاً“ (هوشع 4:14). AM 69.2

كانت توبة سليمان خاصّة، ولكن الضرر الذي أحدثه سوء مثاله في عمل الشر لم يكن ممكناً تلافيه. ففي إبّان ارتداده وُجد في المملكة قوم ظلوا أمناء على ودائعهم الروحية محتفظين بنقاوتهم وولائهم. ولكن كثيرين ضلوا ولم يكن من السهل على الملك التائب أن يوقف الشر الذي ظلّ يعمل عمله المدمر بواسطة إدخال الوثنية والممارسات الدنيوية، عند حده. لقد ضعف تأثيره إلى حد كبير. وقد تردد كثيرون في الركون إلى قيادته ركوناً كاملاً. ومع أن الملك اعترف بخطيئته وكتب بياناً عن حماقته وتوبته لفائدة الأجيال القادمة، فلم يكن يأمل قط في ملاشاة الأثر الوبيل لأعماله الشريرة بالتمام. وكثيرون من الشعب ظلوا يرتكبون الشر والشر وحده. إذ جرأهم ارتداد الملك على ذلك. وفي الطريق المنحدر الذي سار فيه العديد من الحكام الذين تمثلوا به يمكن تتبّع الآثار المحزنة الناشئة عن سوء استخدام سليمان للقوى الموهوبة له من الله. AM 69.3

إذ كان سليمان يتعذب من ذكريات شر طريقه، تلك الذكريات المريرة، التزم أن يعلن قائلاً: ”الحكمة خير من أدوات الحرب. أما خاطئ واحد فيفسد خيراً جزيلاً“، ”يوجد شر رأيته تحت الشمس كسهو صادر من قبل المتسلط. الجهالة جعلت في معالي كثيرة“. AM 70.1

الذباب الميت ينتن ويخمر طيب العطار. جهالة قليلة أثقل من الحكمة ومن الكرامة“ (جامعة 18:9، 5:10، 6، 1). AM 70.2

ومن بين الدروس الكثيرة التي يمكننا أن نتعلمها من حياة سليمان نجد أن الدرس الذي يشدد عليه بأكثر تأكيد هو قوة التأثير سواء كان للخير أو للشر. و مهما كان محيطنا سيئاً ستظل لنا تأثيراتنا للخير والسعادة أو للويل والشقاء. فمن دون علمنا أو سيطرتنا نحن نؤثر على الآخرين إما بالبركة أو باللعنة. قد يكون تأثيرنا مثقلاً بظلام التذمر والأنانية أو مسمماً بلطخة مميتة لخطية محبّبة، أو قد يكون مشحوناً بقوة الإيمان المانحة الحياة والشجاعة والرجاء ومعطراً بشذا المحبة ولكنه لا بد أن يكون قوياً إما للخير أو للشر. AM 70.3

كون تأثيرنا يثير رائحة موت لموت فذلك فكر مرعب ومع ذلك فهو ممكن. نفس واحدة إذ تضل تخسر الغبطة الأبدية — آه! من يستطيع تقدير تلك الخسارة الفادحة — ومع ذلك فأن عملاً طائشاُ أو كلمة واحدة ننطق بها دون تفكير قد تحدث أثراً عميقاُ في حياة إنسان آخر يفضي إلى هلاك نفسه. إن عيباً واحداُ في الخلق قد يضل كثيرين فيبعدهم عن المسيح AM 70.4

يُنتج البذار إذ يزرع في الأرض حصاداً، وهو بدوره يُزرع من جديد فيتضاعف الحصاد. هذا القانون يصدق علينا في علاقتنا بالآخرين. فكل كلمة وكل عمل هو بذرة لا بد أن تؤتي ثمارها. وكل عمل من أعمال الرأفة والطاعة وإنكار الذات لا بد أن يتوالد ويتكاثر في حياة الناس، وهم طريقهم يتكاثر في حياة قوم آخرين. وكذلك كل عمل من أعمال الحقد أو الخبث أو الخصام هو بذار لا بد أن يطلع ”أصل مرارة“ (عبرانيين 15:12) يتنجس به كثيرون. وما أكثر عدد الأشخاص الذين يسمم أولئك ”الكثيرون“ حياتهم. وهكذا يظل زرع الخير والشر مدى الحياة وإلى الأبد. AM 71.1