الأنبياء والملوك

35/70

الفصل الثلاثون —الخلاص من أشور

إذ كانت جيوش أشور تغير على أرض يهوذا دهم الأمة خطر عظيم، وبدا حينئذ كأن لا شيء يمكن أن ينقذ أورشليم من الخراب التام، عندئذ حشد حزقيا جيوش مملكته لمقاومة ظالميهم الوثنيين بشجاعة لا تخيب متّكلاً على قوة الرب للإنقاذ. وأوصى حزقيا رجال يهوذا قائلاً: ”تشدّدوا وتشجّعوا. لا تخافوا ولا ترتاعوا من ملك أشور ومن كل الجمهور الذي معه لأن معنا أكثر مما معه. معه ذراع بشر ومعنا الرب إلهنا ليساعدنا ويحارب حروبنا“ (2 أخبار الأيام 32 : 7، 8). AM 283.1

لم يتكلّم حزقيا عن تأكده من النتيجة دون مبرر. فاستخدم الله الأشوريين المتبجحين لبعض الوقت بمثابة قضيب غضبه (انظر إشعيا 10 : 5). لتأديب الشعوب، لا يعني مطلقاً أنهم ينتصرون على الدوام: ”لا تخف من أشور يا شعبي“. هذه كانت رسالة الله على لسان إشعياء إلى الساكنين في صهيون قبل ذلك بسنوات. وأضاف: ”أنه بعد قليل جداً .. يقيم عليه رب الجنود سوطاً كضربة مديان عند صخرة غراب وعصاه على البحر ويرفعها على أسلوب مصر. ويكون في ذلك اليوم أن حمله يزول عن كتفك ونيره عن عنقك ويتلف النير بسبب السمانة“ (إشعياء 10 : 24 — 27). وفي رسالة نبوية أخرى أعطيت ”في سنة وفاة الملك آحاز“ أعلن النبي قائلاً: ”قد حلف رب الجنود قائلاً أنه كما قصدتُ يصير وكما نويت يثبت أن أحطم أشور في أرضي وأدوسه على جبالي فيزول عنهم نيره ويزول عن كتفهم حمله. هذا هو القضاء المقضي به على كل الأرض وهذه هي اليد الممدودة على كل الأمم. فإن رب الجنود قد قضى فمن يبطل ويده هي الممدودة فمن يردها؟“ (إشعياء 14 : 28، 24 — 27). AM 283.2

كانت قوة الظالمين المعتدين ستتحطم. ومع ذلك فإن حزقيا في أوائل سني حكمه ظل يدفع جزية لأشور بموجب الاتفاق الذي أقره آحاز. وفي أثناء ذلك تشاور الملك ”هو ورؤساؤه وجبابرته“ وعمل كل ما في مقدوره للدفاع عن مملكته. وقد تأكد من وفرة كميات المياه التي في داخل أسوار أورشليم بينما كان ينبغي أن يكون الماء خارج المدينة نادراً وقليلاً: ”وتشدد وبنى كل السور المنهدم وأعلاه إلى الأبراج وسوراُ آخر خارجاً وحصن القلعة مدينة داود وعمل سلاحاً بكثرة وأتراساً. وجعل رؤساء قتال على الشعب“ (2 أخبار الأيام 32 : 3، 5، 6). ولم يترك شيئاً ناقصاُ مما يمكن عمله استعداداً للحصار. AM 284.1

في الوقت الذي فيه اعتلى حزقيا عرش يهوذا كان الأشوريون قد سبوا جمعاً غفيراً من بني إسرائيل من المملكة المشالية، أسرى، وعندما ابتدأ يملك بسنوات قليلة، وفيما كان يسدد وسائل الدفاع عن أورشليم حاصر الأشوريون السامرة واحتلوها وشتتوا الأسباط العشرة في أقاليم مملكة أشور المختلفة. ولم تكن تخوم يهوذا تبعد أكثر من أميال قليلة عنها. ولم تكن أورشليم تبعد عن تلك الحدود إلا مسافة أقل من خمسين ميلاً، وكانت الأسلاب والغنائم الكثيرة التي في داخل الهيكل تغزي العدو بالعودة. AM 284.2

ولكن ملك يهوذا كان قد عقد العزم على أن يقوم بدوره في التأهب لمقاومة العدو. وعندما أتم كل ما يمكن للمهارة والبراعة والنشاط البشري أن تفعله، جمع جيوشه وأوصاهم بأن يتشجعوا. كانت رسالة إشعياء النبي إلى يهوذا هي هذه: ”(الله) عظيم في وسطك“ (إشعياء 12 : 6). وقد أعلن الملك بإيمان لا يتقلقل قائلاً: ”معنا الرب إلهنا ليساعدنا ويُحارب حروبنا“ (2 أخبار الأيام 32 : 8). AM 284.3

أسرع وسيلة يمكن أن تلهم النفس الإيمان هي ممارسة الإيمان. لقد تأهّب ملك يهوذا للعاصفة القادمة والآن، إذا كان واثقاُ من أن النبوة التي قيلت ضد الأشوريين لابد أن تتم ثبّت نفسه مستنداً على الله: ”فاستند الشعب على كلام حزقيا ملك يهوذا“ (2 أخبار الأيام 32 : 8). فماذا لو أن جيوش أشور وهي قادمة لتوها من غزو أعظم أمم الأرض وقد انتصرت على السامرة في إسرائيل توجه الآن جيوشها لمحاربة يهوذا؟ وماذا لو أنهم يتحججون قائلين: ”كما أصابت يدي ممالك الأوثان وأصنامها المنحوتة هي أكثر من التي لأورشليم وللسامرة. أفليس كما صنعت بالسامرة وبأوثانها أصنع بأورشليم وأصنامها؟“ (إشعياء 10 : 10، 11). ولم يكن هنالك ما يخافه شعب يهوذا لأنهم كانوا متكلّمين على الرب. AM 285.1

أخيراً جاءت الأزمة المتوقّعة التي طال انتظارها. ذلك أن جيوش أشور التي كانت تتقدّم من نصرة إلى نصرة ظهرت اليهودية. وإذ كان قادة الجيش واثقين من الانتصار قسموا قواتهم إلى جيشين، فكان على أحدهما أن يواجه جيش مصر القادم من الجنوب بينما على الجيش الثاني أن يحاصر أورشليم. AM 285.2

كان الرجاء الوحيد لشعب يهوذا هو في الله. فلقد انقطعت عنهم كل معونة ممكنة من مصر. ولم تكن هنالك أمم قريبة يمكن أن تمد إليهم يد العون. AM 285.3

وإذ كان قادة أشور واثقين من قوة جيوشهم المدربة دبروا إجراء مفاوضات مع رؤساء يهوذا، طلبوا في أثنائها منهم بكل وقاحة تسليم المدينة، وقد كان هذا الأمر مصحوباً بالشتائم والتجاديف ضد إلههم. فبسبب ضعف إسرائيل ويهوذا وارتدادهم ما عاد إسم الله مرهوباً بين الأمم بل صار عرضة للتعيير الدائم والإهانات التي لا تنقطع (انظر إشعياء 52 : 5). فقال ربشاقي أحد كبار قادة جيش سنحاريب: ”قولوا لحزقيا هكذا يقول الملك العظيم ملك أشور ما الاتكال الذي اتكلت. قلت إنما كلام الشفتين هو مشورة وبأس للحرب. والآن على من اتكلت حتى عصيت علي؟“ (2 ملوك 18 : 19، 20). AM 285.4

كان رؤساء الجيش يتداولون خارج أبواب المدينة ولكن على مسمع من الحراس الذين على السور، وإذ كان نواب ملك أشور يلحون على رؤساء يهوذا بأصوات عالية بقبول مقترحاتهم. طلب منهم أن يتكلموا بالأرامية لا باللغة اليهودية حتى لا يفهم الواقفون على السور إجراءات المداولة. فإذ رفض ربشاقي هذا الاقتراح باحتقار. رفع صوته أعلى مما كان واستطرد يتكلم باللغة اليهودية قائلاً: AM 286.1

”اسمعوا كلام الملك العظيم ملك أشور، هكذا يقول الملك لا يخدعكم حزقيا لأنه لا يقدر أن ينقذكم. ولا يجعلكم حزقيا تتكلمون على الرب قائلاً: إنقاذاُ ينقذنا الرب لا تدفع هذه المدينة إلى يد ملك أشور. AM 286.2

”لا تسمعوا لحزقيا لأنه هكذا يقول ملك أشور اعقدوا معي صلحاُ واخرجوا إلي وكلوا كل واحد من جفنته وكل واحد من تينته واشربوا كل واحد ماء بئره. حتى آتي وآخذكم إلى أرض مثل أرضكم أرض حنطة وخمر أرض خبز وكروم. AM 286.3

”لا يغركم حزقيا قائلاً الرب ينقذنا. هل أنقذ آلهة الأمم كل واحد أرضه من يد ملك أشور؟ أين آلهة حمادة وأرفاد؟ أين آلهة سفراويم؟ هل أنقذوا السامرة من يدي؟ من من كل آلهة هذه الأراضي أنقذ أرضهم من يدي حتى ينقذ الرب أورشليم من يدي؟“ (إشعياء 36 : 13 — 20). AM 286.4

أما بنو يهوذا ”فلم يجيبوا بكلمة“ على هذه التعييرات وقد انتهت المداولة. فعاد نواب يهوذا إلى حزقيا ”وثيابهم ممزقة فأخبروه بكلام ربشاقي“ (إشعياء 36 : 21، 22). فإذ علم الملك بأقوال التحدي والتجاديف التي سمعوها: ”مزق ثيابه وتغطى بمسح ودخل بيت الرب“ (2 ملوك 19 : 1). AM 287.1

ثم أرسل رسولاً إلى إشعياء ليخبره عن نتيجة المفاوضات وقد أرسل إليه الملك يقول“ ”هذا اليوم يوم شدة وتأديب وإهانة .. لعل الرب إلهك يسمع جميع كلام ربشاقي الذي أرسله ملك أشور سيده ليعير الإله الحي فيبوخ على الكلام الذي سمعه الرب إلهك. فارفع صلاة من أجل البقية الموجودة“ (2 ملوك 19 : 3، 4). AM 287.2

”فصلى حزقيا الملك وإشعياء بن أموص النبي وصرخا إلى السماء“ (2 أخبار الأيام 32 : 20). AM 287.3

وقد استجاب الله لصلوات عبديه. فقد جاءت إلى إشعياء رسالة ليبلغها لحزقيا، وهي تقول: ”هكذا قال الرب لا تخف بسبب الكلام الذي سمعته الذي جدف عليك به غلمان ملك أشور. هأنذا أجعل فيه روحاً فيسمع خبراً ويرجع إلى أرضه وأسقطه بالسيف في أرضه“ (2 ملوك 19 : 6، 7). AM 287.4

لقد اتصل ممثلوا أشور بعدما ودعوا رؤساء يهوذا، بملكهم مباشرة، الذي كان مع القسم الآخر من الجيش الذي كان يحرس طريق الجيش القادم من مصر. فعندما سمع منحاريب ذلك التقرير: ”كتب رسائل لتعيير الرب إله إسرائيل وللتكلم ضده قائلاً كما أن آلهة أمم الأراضي لم تنقذ شعوبها من يدي كذلك لا ينقذ إله حزقيا شعبه من يدي“ (2 أخبار الأيام 32 : 17). AM 287.5

وقد رافقت ذلك التهديد المتبجج رسالة تقول: ”لا يخدعك إلهك الذي أنت تتكل عليه قائلاً لا تدفع أورشليم إلى يد ملك أشور. إنك قد سمعت ما فعل ملوك أشور بجميع الأراضي لإهلاكها وها تنجو أنت؟ هل أنقذت آلهة الأمم هؤلاء الذين أهلكهم آبائي جوزان وحاران ورصف وبني عدن الذين في تلاسار؟ أين ملك حماة وملك أرفاد وملك مدينة سفروايم وهينع وعوا؟“ (2 ملوك 19 : 10 — 13). AM 288.1

وعندما استلم ملك يهوذا رسالة التعيير أخذها ودخل بها إلى الهيكل: ”ونشرها حزقيا أمام الرب“ (2 ملوك 19 : 14). ثم صلّى بإيمان قوي طالباً معونة من السماء لكي تعلم أمم الأرض إن الله لا يزال حيا وهو ملك يتسلط على الجميع. لقد كانت كرامة الرب في خطر، وهو وحده الذي كان يستطيع أن يأتي بالنجاة. AM 288.2

فتوسل حزقيا قائلاً: ”أيها الرب الجالس فوق الكروبيم أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض. أنت صنعت السماء والأرض أمل يا رب اذنك واسمع. افتح يا رب عينيك وانظر واسمع كلام سنحاريب الذي أرسله ليعير الله الحي. حقاُ يا رب أن ملوك أشور قد خربوا الأمم وأراضيهم ودفعوا آلهتهم إلى النار ولأنهم ليسوا آلهة بل صنعة أيدي الناس خشب وحجر فأبادوهم. والآن أيها الرب خلصنا من يده فتعلم ممالك الأرض كلها أنك أنت الرب الإله وحدك“ (2 ملوك 19 : 15 — 19). AM 288.3

”يا راعي إسرائيل اصغ يا قائد يوسف كالضأن يا جالساً على الكروبيم أشرق قدام أفرايم وبنيامين ومنسى أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا. يا الله ارجعنا وأنر بوجهك فنخلص. AM 288.4

”يا رب الجنود إلى متى تدخن على صلاة شعبك؟ قد اطعمتهم خبز الدموع وسقيتهم الدموع بالكيل جعلتنا نزاعاً عند جيراننا وأعداؤنا يستهزئون بين أنفسهم. يا إله الجنود أرجعنا وأنر بوجهك فنخلص. AM 288.5

”كرمة من مصر نقلت. طردت أننا وغرستها. هيأت قدامها فأصلت أصولها فملأت الأرض. غطى الجبال ظلها وأغصانها أرز الله. مدت قضبانها إلى البحر وإلى النهر فروعها. فلماذا هدمت جدرانها فيقطفها كل عابري الطريق. يفسدها الخنزير من الوعر ويرعاها وحش البرية. يا إله الجنود ارجعن اطلع من السماء وانظر وتعهد هذه الكرمة. والغرس الذي غرسته يمينك والابن الذي اخترته لنفسك... AM 289.1

”أحينا فندعوا باسمك. يا رب إله الجنود أرجعنا أنر بوجهك فنخلص“ (مزمور 80). AM 289.2

لقد كانت توسلات حزقيا لأجل يهوذا ولأجل كرامة مليكهم الأعلى على وفاق مع فكر الله. لقد صلّى سليمان في بركته عند تدشين الهيكل إلى الرب قائلاً: ”ليقضي قضاء عبده وقضاء شعبه .. أمر كل يوم في يومه ليعلم كل شعوب الأرض إن الرب هو الله وليس آخر“ (1 ملوك 8 : 59، 60). على الخصوص كان سيظهر رحمته عندما يدخل رؤساء شعبه بيت الصلاة ويتوسلون في طلب النجاة في أوقات الحرب أو عندما يضايقهم جيش يعتدي على أرضهم“ (انظر ملوك 8 : 23، 34). AM 289.3

لم يترك حزقيا بلا رجاء. فقد أرسل إليه إشعياء يقول: ”هكذا قال الرب ... الذي صليت إليه من جهة سنحاريب ملك أشور. قد سمعت. هذا هو الكلام الذي تكلم به الرب عليه“ AM 289.4

”احتقرتك استهزأن بك العذراء ابنه صهيون ونحوك أنغضت ابنه أورشليم رأسها. AM 289.5

من عيرت وجدفت وعلى من عليت صوتاً وقد رفعت إلى العلاء عينيك على قدوس إسرائيل. على يد رسلك عيرت السيد وقلت بكثرة مركباتي قد صعدت إلى علو الجبال إلى عقاب لبنان وأقطع أرزه الطويل وأفضل سروره وأدخل أقصى علوه وعر كرمله. أنا قد حفرت وشربت مياهاُ غريبة وانشف بأسفل قدمي جميع خلجان مصر. AM 290.1

”ألم تسمع. منذ البعيد صنعته منذ الأيام القديمة صورته. الآن أتيت به فتكون لتخريب مدن محصنة حتى تصير روابي خربة. فسكانها قصار الأيدي قد ارتاعوا وخجلوا. صاروا كشعب الحقل كالنبات الأخضر كحشيش السطوح وكملفوح قبل نموه. AM 290.2

”ولكني عالم بجلوسك وخروجك ودخولك وهيجانك علي. لأن هيجانك علي وعجرفتك قد صعدا إلى أذني. أضع خزامتي في أنفك ولجامي في شفتيك وأردك في الطريق الذي جئت فيه“ (2 ملوك 19 : 20 — 28). AM 290.3

كان جيش الاحتلال قد خرب أرض يهوذا ولكن الله كان وعد أن يعول شعبه ويلبي أعوازهم بكيفية معجزية. وقد جاءت هذه الرسالة إلى حزقيا: ”هذه لك علامة. تأكلون هذه السنة زريعاُ وفي السنة الثانية خلفة وأما السنة الثالثة ففيها تزرعون وتحصدون وتغرسون كروماً أثمارها. ويعود الناجون من بيت يهوذا الباقون يتأصلون إلى أسفل ويصنعون ثمراً إلى ما فوق. لأنه من أورشليم تخرج البقية والناجون من جبل صهيون. غيرة رب الجنود تصنع هذا. AM 290.4

”لذلك هكذا قال الرب عن ملك آشور لا يدخل هذه المدينة ولا يرمي هناك سهماً ولا يتقدم عليها بترس ولا قيم عليها مترسة. في الطريق الذي جاء فيه يرجع وإلى هذه المدينة لا يدخل يقول الرب. وأحامي عن هذه المدينة لأخلصها من أجل نفسي ومن أجل داود عبدي“ (2 ملوك 19 : 29 — 34). AM 290.5

وفي نفس تلك الليلة جاء الفرج والنجاة: ”وكان في تلك الليلة أن ملاك الرب خرج وضرب من جيش أشور مئة وخمسة وثمانين ألفاً“ (2 ملوك 19 : 35). ”ومكل جبار بأس ورئيس وقائد في محلة ملك أشور“ قتلوا جميعاً (2 أخبار الأيام 32 : 21). AM 291.1

وسرعان ما وصلت أنباء ذلك القضاء الهائل على الجيش الذي قد أرسل ليستولي على أورشليم، إلى مسامع سنحاريب الذي كان لا يزال يراقب جيش مصر القادم إلى اليهودية. فإذ أصابه الرعب أسرع ملك أشور بالرحيل: ”فرجع بخزى الوجه إلى أرضه“ (2 أخبار الأيام 32 : 21). ولكن لم يكن مقدراً له أن يملك طويلاً بعد ذلك. فإتماماً للنبوة التي قيلت عن موته الفجائي قتله أهل بيته: ”وملك آسرحدون ابنه عوضاُ عنه“ (إشعياء 37 : 38). AM 291.2

لقد انتصر الله على ملك أشور المتعجرف. وقد زكيت كرامة الرب في عيون الأمم المحيطة. وفي أورشليم امتلأت قلوب الشعب بالفرح المقدس. لقد امتزجت توسلاتهم الحارة في طلب النجاة بالاعتراف بالخطيئة والدموع الغزيرة. ففي حاجتهم العظمى وثقوا ثقة تامة بقدرة الله على الخلاص، ولم يخذلهم. أما الآن فقد رنت في أروقة الهيكل أغاني التسبيح المقدس: AM 291.3

”الله معروف في يهوذا واسمه عظيم. كانت في ساليم مظلته ومسكنه في صهيون. هناك سحق القسي البارقة. المجن والسيف والقتال. AM 291.4

”أبهى أنت أمجد من جبال السلب. سلب أشداء القلب. ناموا سنتهم. كل رجال البأس لم يجدوا أيديهم {”ناموا نوم الموت ولم تنفعهم قدراتهم“}. من انتهارك يا إله يعقوب يسبح فارس وخيل. AM 292.1

”أنت مهوب أنت فمن يقف قدامك حال غضبك. من السماء أسمعت حكماً. الأرض فزعت وسكتت عند قيام الله للقضاء لتخليص كل ودعاء الأرض. AM 292.2

”لأن غضب الإنسان يحمدك. بقية الغضب تتمنطق بها. انذروا وأوفوا للرب إلهكم يا جميع الذين حوله. ليقدموا هدية للمهوب. يقطف روح الرؤساء. هو مهوب لملوك الأرض“ (مزمور 76). AM 292.3

إن قيام الامبراطورية الأشورية وسقوطها غني بالدروس لأمم الأرض اليوم. لقد شبه الوحي مجد أشور في عز نجاحها بشجرة عظيمة في جنة الله تعلو بقامتها فوق الأشجار المحيطة بها. AM 292.4

”هوذا أشور أرزه بلبنان“ (ترجمة 1878). ”جميل الأغصان وأغبى الظل وقامته طويلة وكان فرعه بين الغيوم .. وسكن تحت ظله كل الأمم العظيمة فكان جميلاً في عظمته وفي طول قضبانه لأن أصله كان على مياه كثيرة. الأرز في جنة الله لم يفقه. السرو لم يشبه أغصانه والدلب لم يكن مثل فروعه. كل الأشجار في جنة الله لم تشبهه في حسنه .. حسدته كل أشجار عدن التي في جنة الله“ (حزقيال 31 : 3 — 9). AM 292.5

إلا أن ملوك أشور بدلاً من أن يستخدموا بركاتهم غير العادية لخير بني الإنسان صاروا سوط عذاب لبلدان كثيرة. فإذ كانوا قساة عديمي الرحمة دون أن يفكروا في الله ولا في بني جنسهم فقد واصلوا تنفيذ سياستهم التي تقضي بإكراه الأمم على الاعتراف بسيادة آلهة نينوى التي مجدوها وعظموها فوق الله العلي. مكان الله قد أرسل يونان إليهم برسالة إنذار، وقد تواضعوا وتذللوا بعض الوقت أمام رب الجنود وطلبوا الغفران. ولكنهم سرعان ما عادوا إلى عبادة الأوثان وغزو العالم. AM 292.6

وهتف ناحوم النبي وهو يتهم فاعلي الشر في نينوى يقول: ”ويل لمدينة الدماء. كلها ملآنة كذباً وخطفاً. لا يزول الافتراس. صوت السوط وصوت رعشة البكر وخيل تخب ومركبات تقفز وفرسان تنهض ولهيب السيف وبريق الرمح وكثرة جرحى ووفرة قتلى .. هأنذا عليك يقول رب الجنود“ (ناحوم 3 : 1 — 5). AM 293.1

إن الإله السرمدي لا يزال يحاسب الأمم حساباً دقيقاُ. ففي حين أن رحمته تقدم مصحوبة بدعوات للتوبة فهذا الحساب يظل مفتوحاً، ولكن متى وصلت الأرقام إلى الحد الذي قد عينه الله فإن خدمة غضبه تبدأ ويقفل الحساب وينضب صبر الله ولا تعود الرحمة تتوسل لأجلهم. AM 293.2

”الرب بطيء الغضب وعظيم القدرة ولكنه لا يبرئ البتة. الرب في الزوبعة وفي العاصف طريقة والسحاب غبار رجليه. ينتهر البحر فينشفه ويجفف جميع الأنهار. يذبل باشان والكرمل وزهر لبنان يذبل. الجبال ترجف منه والتلال تذوب والأرض ترفع من وجهه والعالم وكل الساكنين فيه. من يقف أمام سخطه؟ ومن يقوم في حمو غضبه؟ غيظه ينسكب كالنار والصخور تنهدم منه“ (ناحوم 1 : 3 — 6). AM 293.3

وهكذاُ فإن نينوى: ”المدينة المبتهجة الساكنة مطمئنة القائلة في قلبها أنا وليس غيري“ صارت خراباً ”فراغ وخلاء وخراب“ مأوى الأسود ومرعى أشبال الأسود حيث يمشي الأسد واللبؤة وشبل الأسد وليس من يخوف“ (صفنيا 2 : 15 ؛ ناحوم 2 : 10، 11). AM 293.4

إن صفنيا إذ نظر إلى الأمام إلى الوقت الذي فيه كانت ستذل كبرياء أشور، تنبأ عن نينوى قائلاً: ”تربض في وسطها القطعان كل طوائف الحيوان. القوق أيضاً والقنفذ يأويان إلى تيجان عمدها. صوت ينعب في الكوى. خراب على الأعتاب لأنه قد تعرى أرزيها“ (صفنيا 2 : 14). AM 294.1

لقد كان مجد مملكة أشور عظيماً، وكذلك كان سقوطها. وإذ استخدم النبي حزقيال شجرة الأرز العظيمة بمثابة تشبيه عن سقوط أشور بسبب كبريائها وقسوتها، أعلن قائلاً: AM 294.2

”هكذا قال السيد الرب .. جعل فرعه بين الغيوم وارتفع قلبه بعلوه. اسلمته إلى يد قوي الأمم فيفعل به فعلاً. لشره طردته. ويستأصله الغرباء عتاة الأمم ويتركونه فتتساقط قضبانه على الجبال وفي جميع الأودية وتنكسر قضبانه عند كل أنهار الأرض وينزل عن ظله كل شعوب الأرض ويتركونه. على هشيمه تستقر جميع طيور السماء وجميع حيوان البر تكون على قضبانه. لكيلا ترتفع شجرة ما وهي على المياه لقامتها... AM 294.3

”هكذا قال السيد الرب في يوم نزوله إلى الهاوية أقمت نوحاً .. وكل أشجار الحقل ذبلت عليه. من صوت سقوطه أرجفت الأمم“ (حزقيال 31 : 10 — 16). AM 294.4

يجب أن يكون كبرياء أشور وسقوطها درساً عملياً إلى انقضاء الدهر. إن الله يسأل أمم الأرض اليوم التي في غطرستها وكبريائها تصطف لمحاربته قائلاً: ”من أشبهت في المجد والعظمة هكذا بين أشجار عدن؟ ستحدر مع أشجار عدن إلى الأرض السفلي“ (حزقيال 31 : 18). AM 294.5

”صالح هو الرب حصن في يوم الضيق وهو يعرف المتوكلين عليه. ولكنه بطوفان عابر يصنع هلاكاً تاماً“ (ناحوم 1 : 7، 8) على كل من يحاولون أن يمجدوا أنفسهم ويتعظموا على العلي. AM 295.1

”تخفض كبرياء أشور ويزول قضيب مصر“ (زكريا 10 : 11). وهذا يصدق ليس فقط على الأمم التي اصطفت لمحاربة الله في العصور الغابرة، بل يصدق أيضاً على الأمم التي تفشل في إتمام مقاصد الله في هذه الأيام. ففي يوم الدينونة الأخير عندما ”يغربل (الديان العادل) الأمم“ (إشعياء 30 : 28)، وعندما يسمح لمن حفظوا الحق بالدخول إلى مدينة الله، فستهتز قباب السماء بأغاني انتصار المفديين. وقد أعلن النبي قائلاً: ”تكون لكم أغنية كليلة تقديس عيد وفرح قلب كالسائر بالناي ليأتي إلى جبل الرب. ويسمع الرب جلال صوته .. من صوت الرب يرتاع أشور. بالقضيب يضرب. ويكون كل مرور عصا القضاء التي ينزلها الرب عليه بالدفوف والعيدان“ (إشعياء 30 : 29 — 32). AM 295.2