الأنبياء والملوك

5/70

الفصل الثاني— الهيكل وتدشينه

نفذ سليمان بكل حكمة المشروع الذي ظل داود يعتزّ به طويلاً وهو إقامة هيكل للرب. فلمدى سبع سنوات امتلأت جوانب أورشليم بعمال مجدّين اشتغلوا في تسوية الموقع المختار وفي بناء أسوار فسيحة وافية، ووضع أساسات عريضة ”حجارة كبيرة كريمة .. حجارة مربعة“ (1 ملوك 17:5). وفي تشكيل الأخشاب الثقيلة التي جيء بها من غابات لبنان وفي إقامة المقدس الفخم. AM 29.1

كان الصنّاع يتقدمون بنشاط في صنع أثاث الهيكل تحت قيادة حوارم الصوري وهو ”ماهر في صناعة الذهب والفضّة والنحاس والحجارة والخشب والأرجوان والأسمانجوني والكتان والقرمز“ (2 أخبار الأيام 13:2، 14). في ذات الوقت الذي كانت تعد فيه الأخشاب والأحجار وهو العمل الذي اشتغل فيه عدّة آلاف وبذلوا فيه كل قواهم وجهودهم. AM 29.2

وهكذا إذ كان البناء يقام على جبل المُريّا بلا ضجة ويُبنى ”بحجارة صحيحة مقتلعة لم يسمع في البيت عند بنائه منحت ولا معول ولا أداة من حديد“ (1 ملوك 7:6). وقد أكملت التركيبات الجميلة حسب النماذج التي سلّمها داود لابنه — ”كل الآنية التي لبيت الله“ (2 أخبار الأيام 19:4). وكان من ضمنها مذبح البخور ومائدة خبز الوجوه والمنارة والسرج والأواني والأدوات الخاصة بخدمة الكهنة في القدس — كل هذه كانت ”من ذهب وهو ذهب كامل“ (2 أخبار الأيام 21:4). أمّا الأواني النحاسية لمذبح المحرقة والمرحضة الكبيرة أي بحر النحاس الذي كان محمولاً على إثني عشر ثوراً والمراحض الأصغر حجماً والأواني الكثيرة الأخرى ”ففي غور الأردن سبكها الملك في أرض الخزف بين سكوت و صردة“ (2 أخبار الأيام 17:4). وقد اعدّ من هذا الأثاث عدداً كبيراً كيلا تمس الحاجة إلى شيء. AM 29.3

كان الهيكل، ذلك البناء الفخم فائقاً في جماله ولا يُبارى في بهائه وهو البناء الذي أقامه سليمان ورفاقه لعبادة الله مزيّناً بحجارة كريمة ومحاطاً بأروقة فسيحة وممرات فخمة ومبطناً بأرز منقوش وذهب مصقول وهكذا كان الهيكل بستائره المنقوشة وزخارفه وأثاثه الثمين هو رمز مناسب لكنيسة الله الحيّة على الأرض التي ظلّت تبنى مدى العصور حسب المثال الإلهي بمواد شبّهت ”بالذهب والفضة والحجارة الكريمة“، ”منحوتات حسب بناء هيكل“ (1 كورنثوس 12:3، مزمور 12:144). وفي هذا الهيكل الروحي نجد أن المسيح نفسه ”حجر الزاوية الذي فيه كل البناء مركباً معاً ينمو هيكلاً مقدساً في الرب“ (أفسس 20:2، 21). AM 30.1

أخيراً أكمل الهيكل الذي رسمه الملك داود وبناه سليمان ابنه ”وكل ما خطر ببال سليمان أن يعمله في بيت الرب... نجح فيه“ (2 أخبار الأيام 11:7). أمّا الآن فلكي يكون ذلك القصر الذي يتوج شوامخ جبل المريّا هيكلاً كما كان داود يشتهي ”ليس لإنسان بل للرب الإله“ (1 أخبار الأيام 1:29)، فقد بقي الاحتفال المقدّس للهيكل الذي تم تدشينه رسمياً لعبادة الرب. AM 30.2

لقد ظلت البقعة التي بنى الهيكل عليها معتبرة لأمد طويل مكاناً مقدّساً، ففي هذا المكان أعلن ابراهيم أبو المؤمنين استعداده لتقديم ابنه الوحيد ذبيحة إطاعة لأمر الرب وفي هذا المكان جدد الله مع إبراهيم عهد البركة الذي تضمّن الوعد بالخلاص بواسطة ذبيحة ابن العلي (تكوين 9:22 و 16 — 8). وفيه أيضاً أجاب الله بنار من السماء عندما قدّم داود ذبائح سلامة ومحرقات لإيقاف سيف نقمة الملاك والمهلك عن إهلاك الشعب (1 أخبار الأيام 21). والآن فأن عابدي الرب مزمعين على ملاقاة إلههم في المكان ذاته وتجديد ولائهم له مرة أخرى. AM 30.3

كان الوقت المختار لتدشين الهيكل أي الشهر السابع هو انسب الأوقات وهو الوقت الذي كان الشعب معتاداً فيه للاجتماع في أورشليم وافداً من كل أنحاء المملكة لإحياء عيد المظال. وكان هذا العيد مناسبة عظيمة للفرح كانت أعمال الحصاد قد انتهت أمّا أشغال العام الجديد فلم يكن قد بُدئ فيها بعد ولم تكن هناك هموم تشغل أذهان الشعب. كانوا يستطيعون الاشتراك بقلوبهم وحواسهم في أفراح تلك الساعة المقدسة. AM 31.1

وفي الوقت المعيّن اجتمع بنو إسرائيل في أروقة الهيكل ومعهم ممثلون من أمم أجنبيّة كثيرة وهم متسربلون بأغلى الحلل. كان المنظر غاية في البهاء. وقد عاد الملك سليمان ومعه شيوخ الشعب وأعظمهم نفوذاً من بعض أقسام المدينة ومعهم تابوت العهد. وقد نقلت خيمة الإجتماع ”مع جميع آنية القدس التي في الخيمة“ (2 أخبار الأيام 5:5). هذه التذكارات العزيزة لاختبارات بني إسرائيل المبكرة، خلال تيهانهم في البرية واحتلالهم لكنعان، وجدت لها الآن مقرّاً دائماً في ذلك المبنى الفخم الذي استعيض به عن المسكن المتنقّل. AM 31.2

وعند إحضار التابوت المقدّس الذي كان يحتوي على لوحي الحجر المكتوب عليهما الوصايا العشر بإصبع الله إلى الهيكل، اتّبع سليمان مثال داود أبيه. فبعد كل ست خطوات كان يقدّم ذبائح. فبأصوات الغناء وآلات العزف وباحتفال عظيم ”أدخل الكهنة تابوت عهد الرب إلى مكانه في محراب البيت في قدس الأقداس“ (2 أخبار الأيام 7:5). وعند خروجهم من المقدس الداخلي اتّخذوا الأمكنة المعيّنة لهم فقد وقف المغنّون واللاويون اللابسون ثياب كتان بيضاء وبأيديهم آلات الصنوج والرباب والعيدان في أقصى الناحية الشرقية للمذبح ومعهم من الكهنة مئة وعشرون ينفخون في الأبواق (2 أخبار الأيام 12:5). AM 31.3

”وكان لما صوت المبوقون والمغنون كواحد لتسبيح الرب وحمده ورفعوا صوتاً بالأبواق والصنوج وآلات الغناء والتسبيح للرب لأنه صالح لأن إلى الأبد رحمته ان البيت بيت الرب امتلأ سحاباً ولم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب لأن مجد الرب ملأ بيت الله“ (2 أخبار الأيام 13:5، 14). AM 32.1

فإذ علم سليمان عن يقين معنى حلول هذه السحابة أعلن قائلاً ”قال الرب إنه يسكن في الضباب. وأنا بنيت لك بين سكني مكاناُ لسكنك إلى الأبد“ (2 أخبار الأيام 1:6، 2). AM 32.2

الرب قد ملك ترتعد الشعوب. هو جالس على الكروبيم. تتزلزل الأرض. الرب عظيم في صهيون وعال على كل الشعوب. يحمدون اسمك العظيم والمهوب. قدوس هو .. علوا الرب إلهنا واسجدوا عند موطئ قدميه. قدوس هو“ (مزمور 1:99 — 5). AM 32.3

”وفي وسط الدار“، دار الهيكل صنع منبراً من نحاس طوله خمس أذرع وعرضه خمس أذرع وارتفاعه ثلاثة أذرع. وقد وقف سليمان على هذا المنبر، وإذ رفع يديه بارك ذلك الجمهور العظيم ”وكل جمهور إسرائيل واقف“ (2 أخبار الأيام 13:6، 3). AM 32.4

ثم هتف سليمان يقول ”مبارك الرب إله إسرائيل“ ”الذي كلّم بفمه داود أبي وأكمل بيديه قائلاً .. اخترت أورشليم ليكون إسمي فيها“ ( 2 أخبار الأيام 4:6، 6). AM 33.1

ثم جثا سليمان على المنبر وقدم صلاة التكريس في مسامع الشعب. فإذ رفع يديه نحو السماء خرّ الجميع بوجوههم على الأرض وتضرّع الملك قائلاً: ”أيها الرب إله إسرائيل لا إله مثلك في السماء والأرض حافظ العهد والرحمة لعبيدك السائرين أمامك بكل قلوبهم“. AM 33.2

”هل يسكن الله حقاً مع الإنسان على الأرض؟ هوذا السماوات وسماء السماوات لا تسعك فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت فالتفت إلى صلاة عبدك و إلى تضرعه إيها الرب إلهي واسمع الصراخ والصلاة التي يصليها عبدك أمامك. لتكن عيناك مفتوحتين على هذا البيت نهاراً وليلاً على الموضع الذي قلت أنك تضع اسمك فيه لتسمع الصلاة التي يصليها عبدك في هذا الموضع واسمع تضرعات عبدك وشعبك الذين يصلون في هذا الموضع واسمع أنت من موضع سكناك من السماء وإذا سمعت فاغفر.. AM 33.3

وان انكسر شعبك أمام العدو لكونهم أخطأوا إليك ثم رجعوا واعترفوا باسمك وتضرّعوا أمامك نحو هذا البيت فاسمع أنت من السماء واغفر خطيّة شعبك إسرائيل وأرجعهم إلى الأرض التي أعطيتها لهم ولآبائهم. AM 33.4

”إذا أغلقت السماء ولم يكن مطر لكونهم أخطأوا إليك ثم صلّوا في هذا المكان واعترفوا باسمك ورجعوا عن خطيتهم لأنك ضايقتهم. فاسمع أنت من السماء واغفر خطيّة عبيدك وشعبك فتعلمهم الطريق الصالح الذي يسلكون فيه وأعط مطراً على أرضك التي أعطيتها لشعبك ميراثاً. AM 33.5

”إذا صار في الأرض جوع إذا صار وبأ أو لفح أو يرقان أو جراد أو إذا حاصرهم أعداؤهم في أرض مدنهم في كل ضربة وكل مرض فكل صلاة وكل تضرع تكون من أي إنسان كان أو من كل شعبك الذين يعرفون كل واحد ضربته ووجعه فيبسط يديه نحو هذا البيت. فاسمع أنت من السماء مكان سكناك واغفر وأعط كل إنسان حسب طرقه كما تعرف قلبه .. لكي يخافوك و يسيروا في طرقك كل الأيام التي يحيون فيها على وجه الأرض التي أعطيت لآبائنا. AM 34.1

“ وكذلك الأجنبي الذي ليس هو من شعبك وقد جاء من أرض بعيدة من أجل إسمك العظيم ويدك القويّة وذراعك الممدودة فمتى جاءوا وصلّوا في هذا البيت. فاسمع أنت من السماء مكان سكناك وافعل حسب كل ما يدعوك به الأجنبي لكي يعلم كل شعوب الأرض اسمك فيخافوك كشعبك ولكي يعلموا أن اسمك قد دعي على هذا البيت الذي بنيت. AM 34.2

”إذا خرج شعبك لمحاربة أعدائه في الطريق التي ترسلهم فيه وصلوا إليك نحو هذه المدينة التي اخترتها والبيت الذي بنيت لاسمك. فاسمع من السماء صلاتهم وتضرعهم واقض قضاءهم. AM 34.3

”إذا أخطأوا إليك (لأنّه ليس إنسان لا يخطئ) وغضبت عليهم ودفعتهم أمام العدو وسباهم سابوهم إلى أرض بعيدة أو قريبة فإذا ردّوا إلى قلوبهم في الأرض التي يسبون إليها ورجعوا وتضرّعوا إليك في أرض سبيهم قائلين قد أخطأنا وعوّجنا أذنبنا ورجعوا إليك من كل قلوبهم ومن كلّ أنفسهم في أرض سبيهم التي سبوهم إليها وصلّوا نحو أرضهم التي أعطيتها لآبائهم والمدينة التي اخترت والبيت الذي بنيت لإسمك فاسمع من السماء من مكان سكناك صلاتهم وتضرّعاتهم واقض قضاءهم واغفر لشعبك ما أخطأوا به إليك. AM 34.4

”الآن يا إلهي لتكن عيناك مفتوحتين وأذناك مصغيتين لصلاة هذا المكان. والآن قم أيّها الرب الإله إلى راحتك أنت وتابوت عزّك. كهنتك أيّها الرب يلبسون الخلاص وأتقياؤك يبتهجون بالخير. أيها الرب الإله لا ترد وجه مسيحك. اذكر مراحم داود عبدك“ (2 أخبار اليوم 14:6 — 42). AM 35.1

ولما انتهى سليمان من صلاته: ”نزلت النار من السماء وأكلت المحرقة والذبائح“. ولم يستطع الكهنة أن يدخلوا الهيكل ”لأن مجد الرب ملأ بيت الرب“. ”وكان جميع بني إسرائيل ينظرون عند نزول النار ومجد الرب ملأ بيت الرب“. ”وكان جميع بني إسرائيل ينظرون عند نزول النار ومجد الرب على البيت وخرّوا على وجوههم إلى الأرض على البلاط المجزع وسجدوا وحمدوا الرب لأنه صالح وإلى الأبد رحمته“. AM 35.2

حينئذ قدم الملك والشعب ذبائح أمام الرب: ”ودشّن الملك وكل الشعب بيت الله“. (2 أخبار الأيام 1:7 — 5) ولمدى سبعة أيام عيّدت جموع غفيرة من كل أنحاء المملكة ”من مدخل حماة إلى وادي مصر“. ”جمهور عظيم“ عيّدوا العيد بفرح. أمّا الأسبوع التالي فقد قضاه ذلك الجمهور الفرح في الاحتفال بعيد المظال. وفي نهاية فترة الأفراح وإعادة التكريس هذه عاد الشعب إلى بيوتهم“ ”فرحين وطيبي القلوب لأجل الخير الذي عمله الرب لداود وسليمان ولإسرائيل شعبه“. (2 أخبار الأيام 8:7، 10). AM 35.3

لقد بذل الملك كل مقدوره لتشجيع الشعب على تسليم ذواتهم لله ولخدمته بالتمام ولتعظيم اسمه القدوس. والآن فها هو الملك سليمان يحصل على البرهان على قبول الرب وبركته مرّة أخرى كما حدث في بدء حكمه في جبعون فقد ظهر له الرب في رؤيا في الليل وقدّم له هذه الرسالة: ”قد سمعت صلاتك واخترت هذا المكان لي بيت ذبيحة إن أغلقت السماء ولم يكن مطر وإن أمرت الجراد أن يأكل الأرض وإن أرسلت وبأ على شعبي فإذا تواضع شعبي الذين دُعي أسمي عليهم وصلّوا وطلبوا وجهي ورجعوا عن طرقهم الرديّة فأنني اسمع من السماء واغفر خطيّتهم وأبرئ أرضهم الآن عيناي تكونان مفتوحتين وأذناي مصغيتين إلى صلاة هذا المكان والآن قد اخترت وقدست هذا البيت ليكون إسمي فيه إلى الأبد وتكون عيناي وقلبي هناك كل الأيام“ (2 أخبار الأيام 12:7 — 16). AM 35.4

لو ظل شعب الله أميناً له لبقي هذا الصرح المجيد قائماً إلى الأبد كعلامة دائمة على رضى الله الخاص على شعبه المختار. وقد أعلن الله قائلاً: ”وأبناء الغريب الذين يقترنون بالرب ليخدموه وليحبوا اسم الرب ليكونوا له عبيداً كل الذين يحفظون السبت لئلا ينجسوه ويتمسكون بعهدي آتي بهم إلى جبل قدسي وأفرحهم في بيت صلاتي وتكون محرقاتهم وذبائحهم مقبولة على مذبحي لأن بيتي بيت الصلاة يدعى لكل الشعوب“ (إشعياء 6:56، 7). AM 36.1

وفيما يختص بهذه التأكيدات بالقبول فقد أوضح الرب للملك طريق الواجب. فقد أعلن قائلاً له: ”وأنت إن سلكت أمامي كما سلك داود أبوك وعملت حسب كل ما أمرتك به وحفظت فرائضي وأحكامي فإني اثبت كرسي ملكك كما عاهدت داود أباك قائلاً لا يعدم لك رجل يتسلط على إسرائيل“ (2 أخبار الأيام 17:7، 18). AM 36.2

لو ظل سليمان يخدم الرب بوداعة لأمكن أن يكون ملكه قوياً فعالاً للخير بالنسبة للأمم المحيطة التي تأثرت بمؤشرات صالحة بسبب ملك داود أبيه وبسبب الأقوال الحكيمة والأعمال العظيمة التي حدثت في أوائل سني ملكه إذ سبق الله فرأى التجارب المخيفة التي تلازم النجاح والعظمة الدنيوية فقد أنذر سليمان من شر الارتداد وسبق وأخبره بالعواقب المخيفة للخطيئة فقد أعلن له أنه حتى الهيكل الذي قد دشّن منذ عهد قريب قد يصير ”مثلاً وهزأة في جميع الشعوب“ لو ترك شعب الله ”الرب إله آبائهم“ وأصرّوا على التعلّق بالأوثان (2 أخبار الأيام 20:7، 22). AM 36.3

إذ تشدّد قلب سليمان وفرح فرحاً عظيماً برسالة السماء القائلة بأن صلاته لأجل إسرائيل قد سمعت فقد دخل الآن في أمجد عهد في ملكه عندما بدأ ”جميع ملوك الأرض“ يلتمسون وجهه ”ليسمعوا حكمته التي جعلها الله في قلبه“ (2 أخبار الأيام 23:9). وقد أتى كثيرون منهم ليروا أسلوب هذه الدولة وعادات شعبها وليتلقوا منه المعرفة عن كيفية التعامل مع المشاكل العويصة. AM 37.1

وإذ أتى أولئك الرجال لزيارة سليمان علمهم عن الله خالق كل الأشياء فعادوا إلى أوطانهم وقد عرفوا الله معرفة أوضح وأدركوا محبته للجنس البشري والآن ها هم يرون في أعمال الطبيعة تعبيراً عن محبته وإعلاناً لصفاته فبدأ كثيرون منهم بعبدونه. AM 37.2

الوداعة التي أبداها سليمان عندما بدأ يضطلع بأعباء الحكم عندما اعترف أمام الله قائلاً: ”أنا فتى صغير“ (1 ملوك 7:3) ومحبّته الممتازة لله وتوقيره للأمور الإلهية وعدم ثقته في نفسه وتمجيده للإله السرمدي — كل سمات الخلق هذه الجديرة بأن تُحتذى، ظهرت وتوضّحت أثناء الخدمات المتصلة بتكملة الهيكل عندما جثا متوسّلاً في تذلل أثناء صلاة التدشين. على أتباع المسيح اليوم أن يتحفظّوا كيلا يفقدوا روح الوقار والخوف المقدّس. تعلّمنا الكتب المقدسة وتعلّم جميع الناس كيف يدنون من خالقهم بوداعة وخوف من خلال الإيمان بالوسيط الإلهي. لقد أعلن المرنم يقول: ”الرب إله عظيم ملك كبير على كل الآلهة .. هلم نسجد ونركع ونجثوا أمام الرب خالقنا“. (مزمور 3:95، 6). AM 37.3

إنه امتياز لنا أن نجثوا على ركبنا أمام الله في كلتا العبادة الجمهورية والفردية فيما نقدّم له صلواتنا وتضرعاتنا فيسوع مثالنا ”جثا على ركبتيه وصلّى“ (لوقا 41:22). قال الكتاب عن تلاميذه أنّهم أيضاً جثوا على ركبهم وصلّوا (أعمال 40:9). وبولس الرسول يعلن قائلاً: ”أحني ركبتي لدى أبي ربنا يسوع المسيح“ (أفسس 14:3). وعزرا وهو يعترف بخطايا إسرائيل أمام الله جثا (انظر عزرا 5:9) ودانيال: ”جثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم وصلّى وحمد قدّام إلهه“ (دانيال 10:6). AM 38.1

يلهمنا إحساسنا بحضور الله وبعظمته غير المحدودة إلى تقديم التوقير الحقيقي له. بهذا الإحساس بالإله غير المنظور ينبغي لكل قلب أن يتأثر تأثراً عميقاً. فساعة الصلاة ومكانها مقدسان لأن الله هناك. وإذ يظهر الوقار في موقف الإنسان وتصرفه يتعمق الإحساس الذي أوعز به. لقد أعلن المرنم قائلاً: ”قدّوس ومهوب اسمه“ (مزمور 9:111). والملائكة إذ ينطقون بذلك الاسم يغطّون وجوههم. فبأي وقار إذاً ينبغي لنا نحن الخطاة الساقطين أن ننطق باسمه على شفاهنا؟ AM 38.2

يحسن بالكبار والصغار التأمل في أقوال الكتاب التي ترينا كيف ينبغي لنا احترام الأماكن التي تمتاز بحضور الله الخاص. لقد أمر الله موسى من وسط العليقة التي كانت تتوقد بالنار قائلاً: ”اخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة“ (خروج 5:3). ويعقوب بعدما رأى منظر الملائكة (في بيت ايل) هتف يقول ”حقاً إن الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم .. ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء“ (تكوين 16:28، 22). AM 38.3

لقد حاول سليمان في كل ما قيل في أثناء خدمات التدشين أن يزيل من أذهان الحاضرين الخرافات التي نسبت للخالق التي قد أظلمت أذهان الوثنيين. إن إله السماء ليس محصوراً في الهياكل المصنوعة بالأيدي كآلهة الوثنيين. ومع ذلك فهو يتقابل مع شعبه بروحه عندما يجتمعون في البيت المكرّس لعبادته. AM 39.1

وبعد ذلك بعدة قرون علّم بولس الرسول هذا الحق عندما قال: ”الإله الذي خلق العالم وكل ما فيه. هذا إذ هو رب السماء والأرض لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي ولا يخدم بأيادي الناس كأنه محتاج إلى شيء إذ هو يعطي الجميع حياة ونفساً وكل شيء .. لكي يطلبوا الله لعلّهم يتلمسونه فيجدوه مع أنه عن كل واحد منا ليس بعيداً لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد“ (أعمال 24:17 — 28). AM 39.2

”طوبى للأمة التي الرب إلهها الشعب الذي اختاره ميراثاً لنفسه. من السموات نظر الرب. رأى جميع بني البشر. من مكان سكناه تطلع إلى جميع سكان الأرض“. ”الرب في السموات ثبّت كرسيه ومملكته على الكلّ تسود“ ”اللهم في القدس طريقك أي إله عظيم مثل الله. أنت الإله الصانع العجائب. عرفت بين الشعوب قوتك“ (مزمور 12:33 — 14، 19:103، 13:77، 14). AM 39.3

مع كون الله لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيدي فهو بحضوره يكرم محافل شعبه. وقد وعد أنهم عندما يجتمعون ليطلبوه ويعترفون بخطاياهم ويصلون بعضهم لأجل بعض فسيلتقي بهم بروحه. ولكن يجب على من يجتمعون لعبادته أن يطرحوا عنهم كل شر. فما لم يسجدوا له بالروح والحق في زينة مقدّسة فإن إجتماعهم معاً لا يجدي. لمثل هؤلاء يقول الرب: ”يقترب إلى هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً. وباطلاً يعبدونني“ (متى 8:15، 9). فالذين يسجدون لله ينبغي لهم أن يسجدوا ”بالروح والحق لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له“ (يوحنا 23:4). ”أما الرب ففي هيكل قدسه. فاسكتي قدامه يا كل الأرض“ (حبقوق 20:2). AM 39.4