ينصح للكنيسة

259/303

الإيمان بالكتاب المقدس

الظلمة تغطي الأرض, والظلام الدامس الأمم. ثمة في كنائس كثيرة يسود الشك في تفسير الكتاب المقدس والإلحاد عنه. كثيرون, بل كثيرون جدا يرتابون بصحة الكتاب المقدس وحقيقته. والتفكير البشري وتصورات القلب البشري تعمل على تقويض أركان وحي كلمة الله. وما ينبغي قبوله كأمر مسلم به يحاط الأن بسحابة من الصوفية, إذ لا شيء جلي واضح مؤسس على الصخر, وتلك هي احدى علامات الأيام الأخيرة البارزة. CCA 631.1

هذا الكتاب المقدس قد ثبت في وجه هجمات الشيطان الذي اتحد مع إناس أشرار لإحاطة كل المقدسات بالسحاب والظلام, غير أن الرب حفظ بقوته العجائبية كتابه المقدس في حالته الحاضرة دليلا للأسرة البشرية ليرشدهم إلى طريق السماء ... CCA 631.2

البعض ينظرون إلينا برصانة ويقولون : ” ألا تظنون أنه يمكن أن يكون قد وقع خطأ من الناسخين أو المترجمين ؟ “ كل هذا محتمل, وإن العقل الذي هو من الضيق بحيث يتردد ويعثر حول هذه الإمكانية أو الإحتمال إنما لديه الإستعداد نفسه ان يعثر حول أسرار الكلمة الموحي بها, لأن عقولهم الضيقة لا تقدر أن ترى عبر مقاصد الله. أجل, إنهم يعثرون بالسهولة عينها حول حقائق واضحة يقبلها عقل الرجل العادي ويدرك السماوي, والتي جاء قول الله فيها واضحا وجميلا ومملوءا زبدة ودسما. الأخطاء جميعها لا تسبب اضطرابا لنفس واحدة أو العثار لأي رجل لا تختلفان المصاعب من أوضح مباديء الحق... CCA 631.3

إنني أقبل الكتاب المقدس كما هو تماما كالكلمة الموحى بها, وأومن بأقواله في كتاب مقدس كامل. ثمة يظهر إناس يظنون أنهم يجدون ما ينتقدون به كلمة الله, ويكشفون ذلك للآخرين كدليل على حكمة فائقة. وإن كثيرين من هؤلاء هم اناس حاذقون وأرباب علم, وفصحاء موهوبون, الذين لا عمل لهم في الحياة إلا تشويش العقول من جهة وحي الكتاب المقدس, واستمالة الكثيرين ليروا رأيهم, ويمتد العمل نفسه من واحد لآخر, كما رسم له الشيطان أن يمتد تماما, حتى يمكننا أن نرى المعنى الكامل لكلمات يسوع القائلة : ” متى جاء ابن الإنسان العله يجد الإيمان على الأرض “ ( لوقا 18 : 8 ). CCA 632.1

أيها الإخوة, لا تدعوا عقولا أو يدا ينشغلان في إنتقاد الكتاب المقدس. فهذا عمل يسر الشيطان بأن يرى أيا منكم يقوم به, ولكنه ليس عملا معينا لكم من الله. CCA 632.2

كان على كتبة الكتاب المقدس أن يعبروا عن آرائهم بلغة البشر, وكانوا هم أناسا بشرا, موحى إليهم من الروح القدس. ولسبب النقص في فهم الإنسان للغة, أو فساد العقل البشري, أو مهارته في التهرب من الحق يقرأ الكثيرون الكتاب المقدس ويفهمونه لإرضاء نفوسهم. ليس ان الصعوبة هي في الكتاب المقدس. إن المعارضين السياسيين يناقشون نقاطا في سجل القوانين, ويأخذون آراء مضادة في تطبيقها وفي هذه القوانين. CCA 632.3

إن الأسفار المقدسة لم تعط للإنسان في سلسلة متصلة من الأقوال غير المنقطعة, بل قطعة فقطعة, خلال الأجيال المتعاقبة, حسبما رأي الله في عنايته من الفرص المناسبة للتأثير في الإنسان في شتى الأزمنة ومختلف الأمكنة, والناس الذين كتبوا انما كتبوا إذ تلقوا تأثيرات الروح القدس. ثمة ” أولا البرعم, ثم الزهرة, ثم الثمرة ” “ أولا نباتا ثم سنبلا ثم قمحا ملآن في السنبل “ تلك هي ماهية أقوال الكتاب المقدس لنا تماما. CCA 633.1

ليس ثمة دائما نظام كامل أو وحدة ظاهرة للعيان في الكتاب المقدس. وعجائب المسيح لم تدَّون في نظام محكم الضبط, وإنما أعطيت حسب حدوث المناسبات التي استدعت هذا الإظهار الإلهي لقوة المسيح. ان تعاليم الحق في الكتاب المقدس هي مثل لآليء مخفية, يجب البحث عنها واستخراجها بالمجهود الشاق, أما الذين يلقون على الكتاب المقدس نظرة سطحية ويظنون أنها عميقة للغاية فهؤلاء يتحدثون عن متناقضيه ويرتابون بسلطته, وأما الذين قلوبهم منسجمة مع الحق والواجب فهؤلاء يفتشونه بقلب مستعد لقبول التأثيرات الإلهية. الإنسان المستنير يرى فيه وحدة روحية, وخيطا جليلا ذهبيا يتخلله كله, غير أن الأمر يستلزم الصبر والتامل والصلاة لتتبع الخيط الذهبي الثمين. ان الجدل الحاد حول الكتاب المقدس قد ساد إلى التفتيش, وكشف عن جواهر الحق الثمينة. دموع غزيرة سفحت وصلوات عديدة أصعدت حتى ينير الرب الإفهام لكلمته. CCA 633.2

إن الكتاب المقدس لم يعط في لغة فخمة فائقة القوة البشرية, وفي سبيل أن يصل يسوع إلى الإنسان حيث هو, لبس الناسوت. فالكتاب المقدس يجب أن يعطى بلغة البشر, وكل ما هو بشري فهو ليس كاملا, وإن معاني مختلفة يعبر عنها بكلمة واحدة, وليس ثمة كلمة واحدة لكل فكرة مميزة, فالكتاب المقدس أعطى لمقاصد عملية. CCA 634.1

ان انطباعات العقول هي انطباعات متباينة. وليس الكل متساوين في فهمهم للتعابير والإيضاحات. البعض يفهمون آيات الكتاب المقدس بشكل يتفق مع عقولهم وحالاتهم, وأن للأهواء والتغرضات والشهوات تأثيرا قويا في طمس الفهم وتشويش العقل حتى في مطالعة كلمات الوحي. CCA 634.2

إن التلميذين اللذين كانا مسافرين إلى عمواس احتاجا إلى مخرج من الالتباك في تفسيرهما للكتاب المقدس, فسار معهما يسوع مستخفيا, وحدثهما كإنسان, وابتدأ من موسى والأنبياء يفسر لهم جميع الأمور المختصة به, وإن حياته ومرسليته وآلامه وموته كانت كما أنبأت كلمة الله عنها تماما. لقد أنار فهمهما حتى يمكنهما أن يفهما الكتب, وما أسرع ما قوم المسائل المعقدة وأظهر وحدة الكتاب المقدس وحقيقته الإلهية. فما أشد حاجة الناس في هذه الأوقات إلى انارة افهامهم. CCA 634.3

إن الكتاب المقدس سطره إناس ملهمون, غير أنه ليس اسلوب الله في الفكر والتعبير, بل ذلك اسلوب البشر. فالله, ككاتب, غير ممثل. وكثيرا ما يقول الناس أن تعبير كذا ليس إلهيا. غير أن الله لم يضع ذاته في الكلمات أو في علم المنطق أو البلاغة, رهن التجربة في الكتاب المقدس, بل أن كتبة الكتاب المقدس كانوا هم خطاطي الله لا قلمه. لاحظوا الكتاب المختلفين. CCA 635.1

ليست حرفية الكتاب المقدس هي الموحى بها, وإنما الناس هم الذين أوحى إليهم, والوحي لم يعمل في كلمات الإنسان أو تعبيراته بل في الإنسان نفسه الذي, وهو تحت تأثير الروح القدس, يستلهم الأفكار. أما الكلمات فتستمد طابع العقل البشري. الفكر الإلهي هو يشع كما أن الفكر الإلهي والإرادة الإلهية يقترنان بالفكر والإرادة البشريين, وبذلك تكون أقوال الإنسان هي كلمة الله. CCA 635.2

إن الحق, إذ هو مقدم بواسطة أفراد مختلفين, قد أظهر في صور مختلفة, فهذا كاتب في أشد تأثيرا بناحية واحدة من الموضوع, فيستحوذ من النقاط على تلك التي تتمشى مع اختباره أو قوة إدراكه وتقديره. وذاك كاتب آخر ينصرف إلى ناحية مختلفة, وكلاهما, وهما تحت إرشاد الروح القدس, يقدمان ما قد انطبع بالأكثر في ذهنيهما — صورة مختلفة للحق في كل منهما, غير أن الإنسجام التام يتخللهما جميعا. ومباديء الحق, وهي معلنة كذلك, تتحد لتؤلف مجموعا كاملا, معدا لسد حاجات الناس في كل ظروف الحياة واختبالااتها. CCA 635.3

لقد سر الله بأن يوصل حقه إلى العالم بوسائل بشرية. وأنه هو ذاته قد أهل بروحه القدوس اناسا ومكنهم من أداء هذا العمل, وأرشد عقولهم في اختيار ما يتكلمون وما يكتبون, فالكنز قد أودع في أوانٍ بشرية, وهو مع ذلك من السماء. والشهادة قد نقلت بتعبيرات لغة البشر الغير الكاملة, إلا أنها مع ذلك شهادة الله, يرى فيها أولاد الله الطائعين مجد قوة إلهية مملوءة نعمة وحقا. CCA 636.1

إن الله قد سلم للإنسان في كلمته المعرفة اللازمة للخلاص, وكتابة المقدس يجب قبوله مرجعا, وإعلانا لإرادته منزها عن الخطأ. أنه قيسا الخلق, ومعلن التعاليم, ومحك الإختبار. ” كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر. لكي يكون إنسان الله كاملا متأهبا لكل عمل صالح “ ( 2 تيموثاوس 3 : 16 و 17 ). CCA 636.2

سلسلة روح النبوة — الربع الرابع, 1961 — الدرس الخامس مأخوذة من كتاب ” ارشادات للكنيسة “ بقلم : الأخت ألن هوايت .طبع في دار الشرق الأوسط للطبع والنشر جميع الحقوق محفوظة CCA 637.1