ينصح للكنيسة

تذكار مجيء المسيح ثانية

حينام اجتمعوا معا حول المائدة قال لهم بنغمة حزن مؤثرة : ” سهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. لأني أقول لكم أني لا آكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله. ثم تناول كأسا وشكر وقال خذوا هذه واقتسموها بينكم. لأني أقول لكم أني لا أشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله “ ( لوقا 22 : 15 — 18 ). CCA 605.2

ولكن لم يكن المقصود من خدمة الشركة أن تكون مناسبة للحزن, إذ لم يكن هذا هو القصد منها, فإذ يجتمع تلاميذ الرب حول مائدته ينبغي ألا يذكروا تقصيراتهم بالحسرة, وليس لهم أن يطيلوا التفكير في إختبارهم الديني السابق سواء كان مشرفا أو محزنا, وألا يتذكروا الفروق بينهم وبين اخوتهم, ذلك لأن الخدمة التمهيدية قد تناولت كل هذا, فامتحان النفس والإعتراف بالخطية والتوفيق بين الفروق قد تم كله. CCA 605.3

أما الآن فسيجتمعون بالمسيح, لا أن يقفوا في ظلال الصليب بل في نوره المخلص. وعليهم أن يفتحوا النفس لتدخل أشعة شمس البر. وبقلوب مطهرة بدم المسيح وهم يحسون إحساسا كاملا بحضوره وإن لم يروه, عليهم أن يسمعوا قوله : ” سلاما أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا “ ( يوحنا 14 : 27 ). CCA 605.4

ونحن نتناول إذ نتناول من الخبز والخمر اللذين يرمزان إلى جسد المسيح المكسور ودمه المسفوك, فإننا بالفكر والتصور ننضم إلى مشهد العشاء في العلية, ويبدو كأننا نسير في البستان الذي قد تقدس بالآلام الشديدة التي تحملها من حمل خطايا العالم, كما نشهد الصراع الهائل الذي بواسطته تصالحنا مع الله. فالمسيح قد رسم بيننا مصلوبا. CCA 606.1

وإذ نشخص في الفادي المصلوب ندرك إدراكا أكمل عظمة ومعنى الذبيحة العظيمة التي قدمها ملك السماء, ويتمجد تدبير الخلاص أمامنا, كما أن تفكرينا في جلجثة يوقظ في قلوبنا دوافع حية ومقدسة, وتمتليء قلوبنا وتنطق أفواهنا بالشكر لله وللحمل, لأن الكبرياء وعبادة الذات لا يمكنها أن تزهوا في النفس التي تبقى مشاهد جلجثة حية في الذاكرة. CCA 606.2

إذ يتأمل الإيمان في ذبيحة مخلصنا العظيمة فالنفس تتمثل بحياة المسيح وتستوعبها, وتحصل على قوة روحية كلما تناولت من المائدة المقدسة. إن الخدمة تشكل رابطة حية يتحد بواسطتها المؤمن بالمسيح, وبذلك يرتبط بالآب, وهي بمعني خاص, توجد رابطة بين الخلائق البشرية والعاجزة والله. CCA 606.3

إن خدمة العشاء الرباني تشير إلى مجيء المسيح ثانية, والقصد منها أن تحفظ هذا الرجاء حيا في أذهان التلاميذ, وكلما اجتمعوا معا لإحياء ذكرى موته كانوا يروون كيف ” أخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلا اشربوا منها كلكم. لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا. وأقول لكم أني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدا في ملكوت أبي “ ( متى 26 : 27 — 29 ). ففي ضيقهم وجدوا عزاء في الرجاء برجوع سيدهم. وإذ كانوا يفكرون بقوله : ” كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء “ ( 1 كورنثوس 11 : 26 ). كان هذا الفكر ثمينا بما لا يمكن التعبير عنه. CCA 606.4

هذه هي الأمور التي يجب ألا تغيب عن بالنا أبدا. إن محبة يسوع بقوتها التي تحصرنا ينبغي أن تظل جديدة في أذهاننا على الدوام. لقد رسم المسيح هذه الخدمة حتى تتحدث إلى حواسنا عن محبة الله التي أظهرت لأجلنا. لا يمكن أن يكون هناك اتحاد بين الله ونفوسنا إلا بالمسيح. إن الإتحاد والمحبة بين الأخ وأخيه ينبغي أن يزدادا ثباتا ويدوما إلى الأبد بواسطة محبة يسوع, ولا شيء أقل من محبة المسيح أمكن أن يجعل محبته فعالة لأجلنا. إنما بسبب موته وحده يمكننا أن ننتظر مجيئه الثاني بفرح. إن ذبيحته هي محور رجائنا وعليها ينبغي أن نثبت إيماننا. CCA 607.1