الصبا و الشباب
الطريق الواسع
جميع السالكين في الطريق الواسع منهمكون بذواتهم وبلبسهم و بالمسرات في الطريق. ينغمون بحرية في الطرب و الخفة، غير مفتكرين بنهاية سفرتهم و الهلاك المحتم في نهاية الطريق. يزدادون كل يوم قرباً من هلاكهم، و مع ذلك فهم ينفعود بجنون، مسرعين أكثر فأكثر. يا لفظاعة ذلك المشهد لي! SM 128.2
رأيت الكثيرين يسلكون في هذا الطريق الواسع، وقد كتب عليهم “أموات عن العالم. نهاية كل شيء قد اقتربت. كونوا أنتم أيضاً مستعدين” كانوا يشبهون جميع من حولهم من أناس مغتربين، ما عدا ظلاً من حزن رأيته منتشراً على وجوههم. وكأن حديثهم شبيهاً بحديث من يرافقونهم من أناس يتملكهم الطرب و الطيش، غير أنهم كانوا أحياناً يشيرون بارتياح عظيم إلى الحروف المخطوطة على ثيابهم، داعين الآخرين ليحصلوا على الشيء نفسه. كانوا في الطريق الواسع وادعوا مع ذلك أنهم من جملة السالكين في الطريق الضيق. لكن مرافقيهم كانوا يقولون لهم: “لا فرق بيننا. كلنا متشابهون. نلبس و نتكلم و نتصرف مثل بعضنا بعضاً”... SM 128.3
لقد رأيت مشاكلة بعض المدعوين سبتيين للعالم. أواه، رأيت ذلك عاراً على الإيمان الذي به يجاهرون، عاراً على عمل الله. يكذّبون إيمانهم و ينقضونه. يظنون أنهم ليسوا مثل أهل العالم. غير أنهم من قرب الشبه بهم في اللبس و الحديث و التصرفات، بحيث أنه ليس هناك من فرق بينهم. أبصرتهم يزيّنون أجسادهم المسكينة الفانية المعرضة في أية لحظة لأن تمسها أصبع الله فتلقى على فراش الكرب و الألم. و إذ يقتربون من مرحلتهم الأخيرة فإن الكرب الأليم يبرح بأجسادهم الهزيلة، و هنال يتساءل كل منهم: “أمستعد أنا للموت و المثول أمام الله في الدينونة و احتمال الفحص المهيب؟”. SM 129.1
أسألهم عن شعورهم فيما يتعلق يتزيين أجسادهم وإن كان لديهم أي شعور بماهية الاستعداد للظهور أمام الله، فسيقولون أنه لو أتيح لهم أن يعودوا ليبدأوا حياتهم الماضية مجدداً لأصلحوا حياتهم، و نبذوا حماقات العالم و غروره و مبرياءه، و لزينوا أجسادهم بزينة الحشمة، و كانوا قدوة صالحة لكل من حولهم، و عاشوا ليمجدوا الله. SM 129.2
لماذا يصعب عليهم أن يعيشوا حياة التواضع وإنكار الذات؟ ذلك لأن المدعوين مسيحيين لم يموتوا عن العالم. فلو ماتوا عن العالم لسهلت الحياة عليهم، بل أن كثيرين يشتهون بصل مصر و كرائها. يميلون إلى مشاكلة أهل العالم في اللبس و التصرف بقدر ما يستطيعون، و يشتهون مع ذلك الصعود إلى السماء. هؤلاء يسيرون في طريق آخر، و لا يدخلون الباب الضيق و الطريق الصعب... SM 129.3
ليس لهؤلاء من عذر. إن كثيرين يلبسون مثل أهل العالم ليكون لهم تأثير و نفوذ، لكنهم بعملهم هذا يرتكبون خطأ محزناً و مميتاً. إذا أرادوا أن يكون لهم تأثير حقيقي للخلاص فليسلكوا حسب إيمانهم، مظهرين بأعمالهم البارة إيمانهم الحقيقي، جاعلين الفرق عظيماً بين المسيحي و العالم. رأيت أن الأقوال و الأفعال واللباس يجب أن تشهد لله، لأنه عندئذ ينسكب التأثير المقدس على الجميع، فبعرف الجميع أنهم كانوا مع يسوع، كما يرى غير المؤمنين أن الحق الذي ننادي به له تأثير مقدس، و إن الإيمان بمجيء المسيح يغير صفات مقتنية. على من أرادوا أن يكون لهم تأثير فعال لأجل الحق أن يحيوا بموجب الحق، و هكذا يسيرون في خطوات المثال المتواضع. SM 130.1