مشتهى الأجيال

131/684

يسوع يقابل السامرية

وهنا أقبلت امرأة من السامرة وملأت جرتها وكأنها لا تحس بوجوده. وفيما كانت تهم بالانصراف عائدة إلى بيتها طلب منها يسوع أن تعطيه ليشرب. لم يكن أهل الشرق يمتنعون عن إسداء مثل هذا المعروف ، فهم يسمون الماء “عطية الله” ، فتقديمها جرعة ماء لذلك الغريب الظامئ كان يعتبر واجبا مقدسا جدا بحيث أن الأعراب سكان البيداء كانوا يحيدون عن طريقهم ليقوموا بذلك الواجب ، غير أن الكراهية التي كانت مستحكمة بين اليهود والسامريين كفت يد تلك المرأة عن إسداء ذلك المعروف إلى يسوع ، ولكن المخلص كان يحاول أن يجد مفتاحا لهذا القلب ، وبلباقة منشؤها المحبة الإلهية طلب منها خدمة بدلا من أن يقدم لها معروفا . فلو قدم هو لها معروفا ربما كانت ترفضه ، ولكن الثقة توقظ الثقة . ها ملك السماء يجيء إلى هذه النفس المنبوذة يسألها أن تقدم له خدمة . فذاك الذي خلق المحيطات والذي يضبط مياه الغمر العظيم والذي أجرى المياه في ينابيع الأرض وأنهارها يجلس الآن ليستريح من تعبه على بئر يعقوب ، وهو بحاجة إلى معروف تقدمه له امرأة غريبة ، إلى جرعة ماء يطفئ بها عطشه. ML 161.4

عرفت المرأة أن يسوع رجل يهودي. ففي دهشتها نسيت أن تمنحه ما قد طلب ، وحاولت أن تعرف سبب ذلك فسألته قائلة: “كَيفَ تَطْلب منِّي لِتشْربَ ، وَأَنْتَ يهودِيٌّ وَأَنا امرأَةٌ سامرِيةٌ؟” (يوحنا 4 : 9). ML 162.1

أجابها يسوع بقوله: “لَو كُنْت تَعلَمين عطيةَ اللهِ ، وَمن هو الَّذي يقُولُ لَك أَعطيني لأَشْربَ ، لَطَلبت أَنْت منْه فَأَعطَاكِ ماءً حياً (يوحنا 4 : 10). إنك تتساءلين لماذا أسألك أن تسدي إلي هذا المعروف البسيط الذي لا يزيد على كونه جرعة ماء من هذه البئر التي تحت أقدامنا . ولو طلبت أنت مني كنت أعطيك من ماء الحياة الأبدية. ML 162.2

لم تفهم المرأة معنى كلام المسيح ، ومع ذلك فقد كانت تحس أن له معنى هاما ، حتى أن نغمة كلامها المرحة الفكهة تغيرت . وإذ ظنت أن يسوع يتكلم عن مياه البئر التي أمامها قالت: “يا سيد ، لاَ دَلْو لَك وَالْبِئْر عميَقةٌ . فَمن أَين لَك الْماءُ الْحي؟ أَلعلَّك أَعظَم من أَبِيَنا يعقُوبَ ، الَّذي أَعطَاَنا الْبِئْر ، وشرِبَ منْها؟” (يوحنا 4 : 11 و 12). لم تر أمامها إلاّ مسافرا ظامئا إلى الماء ورجلا مضنى معفَّرا من طول السفر . وحسب فكرها شبهته بيعقوب أبي الآباء الوقور ، كما كانت تحس إحساسا طبيعيا بأنه لا توجد بئر أخرى تعادل تلك البئر التي قد سلمها لهم الآباء . كانت تنظر إلى الوراء إلى الآباء وإلى الأمام إلى مجىء مسيا ، مع أن مسيا الذي كان هو رجاء الآباء كان جالسا بجوارها ولكنها لم تعرفه. كم من نفس ظامئة هي الآن قريبة جدا من الينبوع الحي ، ومع ذلك تنظر بعيدا في طلب ينابيع الحياة! “لا تقل في قلبك: من يصعد إلى السماء؟ (أي ليحدر المسيح)، أو من يهبط إلى الهاوية؟ (أي ليصعد المسيح) .. الكلمة القريبة منك، في فمك وفي قلبك .. إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت” (رومية 10 : 6 — 19). ML 162.3