مشتهى الأجيال
الريح غير المنظورة
كان نيقوديموس لا يزال غارقا في حيرته وارتباكه فاستعار يسوع الريح لتمثيل معنى كلامه قائلاً: “ الريح تهب حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنّك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هذا كل من ولد من الروح” (يوحنا 3 : 8). ML 149.4
إن الريح يسمع صوتها من خلاك أغصان الشجر وهي تحف في الأوراق وتداعب الأزهار ، ولكنها لا ترى بالعين ، ولا يعرف أحد من أين تأتي ولا إلى أين تذهب ، هكذا عمل الروح القدس في القلب إذ لا يمكن إيضاحه أكثر مما يمكن إيضاح حركات الريح. قد لا يستطيع الإنسان أن يذكر نفس اليوم أو المكان أو يتتبع كل الظروف الملازمة للتجديد أو الميلاد الثاني . ولكن هذا لا يعني أن ذلك الإنسان غير متجدد ، إذ بوسيلة غير منظورة كالريح يعمل المسيح عمله في القلب على الدوام . فهنالك انطباعات تجذب النفس إلى المسيح شيئا فشيئا وربما لا يشعر الإنسان بها ، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق التأمل في يسوع بواسطة قراءة كلمة الله أو سماع عظة من واعظ غيور . وفجأة إذ يجيء الروح بدعوة مباشرة تخضع النفس ليسوع راضية . إن كثيرين يدعون هذا تجديدا مفاجئا ، ولكنه يأتي نتيجة لدعوات روح الله وتودده إلى النفس ، وهذه عملية طويلة الأمد تتطلب الصبر. ML 150.1
ومع أن الريح لا ترى بالعين فإنها تحدث نتائج نراها ونحس بها. هكذا عمل الروح في النفس فهو يعلن عن نفسه في كل عمل يعمله من قد أحس بقوته المخلصة . عندما يملك روح الله على القلب يغير الحياة ، فالأفكار الشريرة تطرد بعيدا والأعمال الخاطئة يبتعد الإنسان عنها . وفي موضع الحسد والغضب والخصام تملك المحبة والوداعة والسلام ، ويحل الفرح في مكان الحزن والكآبة ، وتسطع على الوجه أنوار السماء . ليس من أحد يرى اليد التي ترفع الأثقال ، أو يبصر النور ينزل من مواطن السماء . إن البركة تجيء عندما تسلم النفس ذاتها لله . وحينئذ فالقوة التي لا يمكن لأي عين أن تراها تخلق كائنا جديدا على صورة الله . ML 150.2
إنه لا يمكن للحقول المحدودة أن تدرك عمل الفداء ، فهو سر يسمو فوق كل معرفة بشرية. ومع ذلك فإن من ينتقل من الموت إلى الحياة يتحقق من أن ذلك حقيقة إلهية . من هنا يمكننا أن نعرف بداءة الفداء بالاختبار الشخصي ، ونتائجه ستتصل بدهور الأبد. ML 150.3