مشتهى الأجيال
سكون شامل
وفجأة يكف ذلك الضجيج وتهدأ جلبة الأصوات ، أصوات التجار والمساومين. ولكن هذا الصمت يصبح مؤلما لهم . لقد سيطر عليهم الإحساس بالرهبة وكأنما هم واقفون أمام محكمة الله الذي يدينهم على شرورهم . وإذ يشخصون إلى المسيح يرون نور الألوهية يسطع من خلال ثوب البشرية . إن جلال السماء واقف أمامهم كما سيقف الديان في اليوم الأخير- وإن لم يكن الآن محاطا بالمجد الذي سيتسربل به حينئذ ، ولكن بنفس القوة التي تكشف خفايا النفس. إن عينه تنتقل بين ذلك الجمع عالمة بخفايا كل إنسان ، ويبدو كأن جسمه يعلو فوقهم في جلال آمر وعلى محياه يسطع نور سماوي . وإذ يتكلم فإن ذلك الصوت الصافي الذي يرن في ذلك المكان هو نفس الصوت الذي قد أعلن من على جبل سيناء الشريعة التي يتعداها الآن الكهنة والرؤساء ، هو نفس الصوت الذي يسمع صداه في أروقة الهيكل قائلا: “ارْفَعوا هذهِ من ههَنا! لاَ تَجعلُوا بيت أَبِي بيتَ تجارَةٍ!” (يوحنا 2 : 16). ML 137.3
وإذ بدأ يهبط الدرج ببطء وهو يرفع يده بالسوط من الحبال الذي قد التقطه عند دخوله إلى تلك الدار أمر أولئك الناس المنهمكين في البيع والمساومة أن يرحلوا عن أروقة الهيكل. وبغيرة وصرامة عظيمتين لم تُشاهدا فيه من قبل يقلب موائد الصيارفة فتسقط قطع الفضة فيحدث لسقوطها رنين على الأرض الرخامية . ولا يحاول أحد أن يتساءل عن السلطان الذي خوله أن يفعل ذلك ، كما لم يجرؤ أحد منهم على الانحناء لالتقاط قطع النقود التي قد كسبوها بغير حق . إن يسوع لم يضربهم بسوطه ، ولكن ذلك السوط المصنوع من الحبال أخافهم خوفا عظيما كما لو كان سيفا ملتهبا بالنار . وها هم المناظرون على الهيكل والكهنة الغارقون في تفكيرهم ، والسماسرة وتجار الماشية بخرافهم وثيرانهم يندفعون جميعهم بغاية واحدة هي الهرب من ذلك المكان لينجوا من دينونة حضوره . ML 138.1
شمل الرعب ذلك الجمهور الذي قد أحس بقوة ألوهية السيد الذي أخفى نوره عن الأنظار. وكانت صيحات الفزع تنطلق من أفواه مئات الناس الشاحبي الوجوه من هول الخوف ، بل حتى التلاميذ أنفسهم ارتعبوا . لقد شملهم الرعب من كلام يسوع وتصرفه الذي كان على غير مألوف عادته ، ثم ذكروا أنه مكتوب عنه: “غَيرةَ بيتك أَكَلْتني” (مزمور 69 : 9). وسرعان ما خرج أولئك القوم المضطربون وأخرجوا سلعهم التي كانوا يتجرون بها في هيكل الرب . وها هي أروقة الهيكل قد أخليت من تلك التجارة النجسة فاستحوذ على ذلك المكان الذي كان يسوده الاضطراب سكون وخشوع شاملان . إن حضور الرب الذي قدس الجبل قديما يقدس الآن الهيكل المقام لإكرامه. ML 138.2